رودي عثمان:سياسة الإنكار و أبعادها
الثلاثاء 08 أيّار / مايو 2012, 01:26
كورداونلاين

الإدارة لا تستقيم مع نظام مستبد و غير ديمقراطي, و الديمقراطية لا تستقيم بدون الاعتراف بالوجود الكردي و حقيقته التاريخية و الجغرافية.
بين الحين و الآخر يخرج علينا سياسيٌ و مفكرٌ و مثقفٌ عروبيٌ ينسف وجود الكرد "أرضا و شعبا" بحجج تساق لإثبات مدى صحة ما يدعون بعدم وجود امتداد جغرافي و ديمغرافي يؤسس و يحدد ماهية الرقعة الجغرافية و شعبها!!!. و آخر من خرج علينا بتصريحٍ نافي لحقيقة وجود كردستان في سورية السيد حسن عبد العظيم المنسق العام لهيئة التنسيق الوطنية. تصريح عبد العظيم جاء بعيد تصريح لغليون و مشابها إياهُ في الفكر و النفس الشوفيني و العنصري, و لم يقتصر كلام عبد العظيم على هذا النفي؛ بل قطع و بشكل حاسم مسألة هوية الشعب السوري المنتمي للأمة العربية و سورية الوطن إلى الوطن العربي!!؟.
ما يدعو للتوقف هو المنطق الذي ساقه؛ منطق/ اللون و اللغة و الأرض و الشعب الواحد/ أي ذهنية الإنكار و الإقصاء التي تختزل سورية في شعب واحد هو الشعب العربي و تنفي وجود باقي الشعوب الأخرى, و هي الذهنية المسيطرة على العقل العربي في كلا الجانبين نظاما و معارضة, و لا ترى في سورية سوى جمهورية عروبية تخص قومية بعينها. يبدو إن مسلسل الإنكار سيستمر من قبل النخب و الساسة المعارضين و الموالين على حدٍ سواء, و بهذا الشكل ستبقى الثورة السورية أسيرة أفعال و أقوال تتحكم بها ذهنية عنصرية قوموية و مذهبية, و كأن لسان حالهم يقول إن ما يعاش في سورية هو "ثورتنا, مستقبلنا, ديمقراطيتنا, حريتنا", و هنا (الـ نا) جامعة لجماعة "قومية" معينة ليس إلا. و بهكذا تعامل و تصنيف من قبل الطرف الآخر المشارك في الثورة؛ يوجب علينا العودة إلى معنى الثورة و قيمها فان لم تكن ثورة شاملة على كل مخلفات الظلم و الاستبداد و القطيعة مع نظام الإنكار و الإقصاء؛ فالثورة لن تكون سورية شاملة, و لن تكون إلا ثورة لتغيير الوجوه؛ بوجوه أخرى. كما إنها بهذا الشكل تطرح تساؤلات عدة حول حقيقة الثورة هل هي وطنية ديمقراطية؛ أم هي قومية مذهبية انقلابية؟. و ما يبعد عنها الكثير من إشارات الاستفهام و التعجب "لما تخللها خلال الأشهر الماضية"؛ هو المكون الكردي, فبغيره تفقد معناها و شموليتها, و تنتقل من حالة وطنية إلى حالة مذهبية في ظل انقسام المكون العربي مذهبيا.
إن ظاهرة الإنكار لا تقتصر على مدى تقبل القاعدة الجماهيرية (حجج المعارضة العروبية) لفكرة حقيقة و وجود الشعب الكردي؛ بقدر ما هي وجه آخر للذهنية الاقصائية و التي لا ترى في هذا الاستحقاق الكردي إلا غنيمة لا يجب التفريط به. فمشكلة كركوك أنموذج لمنطق هذه الذهنية, فهم يستشرسون لأجل كركوك لا لأهميتها التاريخية و مدى ارتباطهم الوجداني بها, بل لأنها تمثل منبع للثروة؛ و هي غنيمة لا يجب التفريط بها, لذا يقاتلون لإبقائها خارج حدود إقليم كردستان. كذلك في سورية فالاعتراف بكردستان يعني إن الأراضي الخصبة و منبع الثروات الباطنية و مياه دجلة بشكل خاص ستدخل في هذه الجغرافية التي ستدار من قبل شعبها؛ و ستكون ذات خصوصية و استقلال داخلي في إطار الوطن السوري, لذا تراهم يعاندون منطلقين من ذهنية اقصائية و غنائمية أيضا.
إن المشروع المطروح لحل القضية الكردية في سورية و المتمثل في الإدارة الذاتية للشعب الكردي "كحل للقضية القومية", هو أيضا الصيغة الأمثل لسورية المستقبل و مشاكلها, و هذا الإدارة لا تستقيم مع نظام مستبد و غير ديمقراطي, و الديمقراطية لا تستقيم بدون الاعتراف بالوجود الكردي و حقيقته التاريخية و الجغرافية.
في إحدى المناسبات الوطنية قالت ليلى زانا السياسية الكردية "نحن نطالب بالإدارة الذاتية كحل للقضية الكردية راهنا, و في المستقبل للأجيال القادمة حرية اختيار نظامهم."
هذه الحرية في الاختيار و تثبيت الحقوق لا يمكن مصادرتها من قبل احد, لان الحقيقة التي يتم إنكارها من قبل الأنظمة الحاكمة و المعارضين أيضا, لأجلها قدم الشعب الكردي خير ما يملك من شبان و مفكرين و قادة عظام؛ و لن يتم المساومة على حلمهم الذي هو أمانة في أعناق من يسير على خطاهم.
رودي عثمان 8/5/2012