ما يدعو إلى التساؤل هو هذا التناغم في التوقيت من حيث استهداف الكورد من قبل تركيا, إيران, العراق و سورية, فهذه الأنظمة بينها من المشاكل و التناقضات ما يدفعها للمواجهة و الصدام العسكري
تشهد منطقة الشرق الأوسط مرحلة جديدة في تاريخها تحدد ملامح المستقبل
لعقود و سنوات تالية. فالمرحلة التي شارفت على الانتهاء أو الدفن ما هي إلا ميراث
لثقافة و إيديولوجية الدولة القومية التي صُدرت إلى الشرق الأوسط مع بزوغ نجم الاستعمار
المباشر "فرنسا و بريطانيا", و نشهد اليوم نهاية حقبتها التاريخية؛ و
الولوج إلى حقبة جديدة. و ما نلحظه من نشاط محموم للكثير من دول الإقليم و الغرب
ليس إلا ضرورة تحتمها الظروف المستجدة عليهم, لأنهم إن لم يملئوا الفراغ الحاصل من
انهيار الأنظمة الديكتاتورية فشعوب المنطقة المنتفضة ستقيم نظامها الاجتماعي
الديمقراطي الذي يمثل مصالح مجتمعاتها. لذا و للحفاظ على مصالح القوى الغربية و الإقليمية
نرى تلونهم و وقوفهم في صف الثورات للإبقاء على مصالحهم؛ و لتحين الفرصة لتمرير
مخططاتهم على المدى البعيد.
اليوم نشهد من جديد فصل أخر من فصول استهداف الشعب الكردي متمثلا باستهداف
حركة التحرر الكردستانية حيث الحملات السياسية و العسكرية التي لم تتوقف في شمال
كردستان و القصف المتكرر لمعاقل قوات الكريلا و القرى الأهلة بالسكان في الجنوب, و
دخول النظام الإيراني مجددا على خط استهداف قوات حزب الحياة الحرة الكردستاني حيث
قام مؤخرا بشن هجمات عسكرية أخرها قبل أيام, و في جنوب كردستان الأزمة السياسية بين
المالكي ناكر الجميل و إقليم كردستان تتصاعد يوما بعد يوم, و في غرب كردستان نلحظ
مؤخرا استهدافا ممنهج و خفي و بتركيز كبير على ضرب المشروع الكردي المتمثل في الإدارة
الذاتية الديمقراطية, الذي يتهيأ المجتمع الكردي من خلاله لدخول المرحلة المقبل من
تاريخ سورية المستقبل؛ و ليكون شريكا حقيقيا في البلاد. فقد باتت رسائل النظام الأمني ترسل بقوة و وضوح
من خلال أفعال أجهزته الأمنية على ارض الواقع؛ اعتقال, تعذيب و التضييق على
الناشطين.
ففي الخامس و العشرين من الشهر الحالي اعتقلت الأجهزة الأمنية احد
شبان لجان الحماية الشعبية, و عندما قام أهالي مدينة قامشلو باعتصام أمام مديرية
المنطقة للمطالبة بالإفراج عن المعتقل الشاب "عبد الخالق الحسن" قامت الأجهزة
الأمنية بقمعهم و إطلاق الرصاص الحي و الغاز المسيل للدموع عليهم؛ و اعتقال شابين أخريين,
الرد الكردي لم يتأخر و كان سريعا باعتقال ثلاثة عناصر أمنية بينهم مساعد أول من الأمن
العسكري في كلا من قامشلو و عامودا, و عليه تم إطلاق سراح الشبان الثلاثة. هكذا
حوادث تكررت في سريه كانيه و كوباني و حلب و ديرك, و هي تحذر بأنه إذا ما استمرت
السلطات السورية بمضايقة الكرد فلن يكون التعامل مع الأفعال الأمنية كما كان سابقا
أي سيعاملون بالمثل و الشعب الكردي سيدافع عن نفسه...
لكن ما يدعو إلى التساؤل هو هذا التناغم في التوقيت من حيث استهداف
الكورد من قبل تركيا, إيران, العراق و سورية, فهذه الأنظمة بينها من المشاكل و
التناقضات ما يدفعها للمواجهة و الصدام العسكري "سورية و تركيا" مثلا؟. و
رغم ذلك تصب مياه مصالحهم و حقدهم في مجرى واحد لضرب الكورد. إذا لازالت هذا الأنظمة
تتبادل رسائل و إشارات على حساب الشعب الكردي. ربما لا يكون التناغم انعكاسا
لتنسيق مباشر؛ لكنه يعبر عن سياسة و هدف مشترك لجميع الأنظمة الحاكمة في كردستان. في
ظل هكذا ظروف ربما بتنا اليوم بحاجة ماسة إلى عقد المؤتمر الوطني الكردستاني ليحدد
أهداف الكورد و خطوطهم الحمر.
نتحدث كثيرا عن حساسية المرحلة و ضرورة التعامل بحذر. إذا فليكون الإسراع
في عقد المؤتمر الوطني إحدى هذه الحساسيات؛ و ضرورة وطنية.
رودي عثمان- 27\4\2012