الأحد 08 أيلول / سبتمبر 2024, 03:07
موسى موسى :ورقة مقدمة الى مركز القدس للدراسات السياسية، الأردن- البحر الميت 18 ـ 19 نيسان 2012




موسى موسى :ورقة مقدمة الى مركز القدس للدراسات السياسية، الأردن- البحر الميت 18 ـ 19 نيسان 2012
الأحد 22 نيسان / أبريل 2012, 03:07
كورداونلاين
في هذه الورقة تسعى هذه الدراسة المختصرة والمكثفة، المقدمة إلى مركز القدس للدراسات السياسية للمناقشة في ورشة العمل المنعقد في البحر الميت/ الأردن ـ 17 ـ 19 نيسان، إلى توافق وطني حول تحديد الإطار العام للدستور الجديد لسوريا.

اعداد وتقديم: موسى موسى
المواطنة والدولة المدنية الديمقراطية نحو توافق وطني حول دستور جديد لسوريا  في هذه الورقة تسعى هذه الدراسة المختصرة والمكثفة، المقدمة إلى مركز القدس للدراسات السياسية للمناقشة في ورشة العمل المنعقد في البحر الميت/ الأردن ـ  17 ـ 19 نيسان، إلى توافق وطني حول تحديد الإطار العام للدستور الجديد لسوريا.

سوريا في ظل دستور1973 وبعض التشريعات السابقة

سادت الدول العربية أنظمة سياسية وأشكال مختلفة للحكم بعيد استقلالها بين الأنظمة الملكية والجمهورية والإماراتية وحكم المشايخ، وقد برزت الأيديولوجية القومية في بعض الدول ذات الأنظمة الجمهورية كالعراق وسوريا لتجعل من حزب البعث قائداً للقومية العربية، وعلى أساسها عملت على نشر فكرها القومي في الدول العربية الاخرى مستفيداً من القضية الفلسطينية والصراع الفلسطيني الاسرائيلي وكأن الأيديولوجية القومية المتمثلة في فكر الاتحاد الاشتراكي العربي بدءاً من مصر، وفكر حزب البعث العربي الاشتراكي من سوريا ومن ثم من العراق، هي الأكثر ارتباطاً بالقضية الفلسطينية والأقدر على مجابهة اسرائيل، كما استفادت من الحرب الباردة بين القطبين العالميين مستغلاً ذلك الصراع في إقامة وبناء علاقات الصداقة والتعاون مع المعسكر الاشتراكي إلى أن تمادى حزب البعث خاصة في سوريا في ممارساته الداخلية والعربية والدولية.

 * حزب البعث واجهة للنظام الأمني:

 داخلياً، عمل حزب البعث في سوريا ـ الذي أصبح منذ استلام الاسد للحكم واجهة للنظام ـ إلى إقامة الجبهة الوطنية التقدمية من الأحزاب التي تناغمت، أو التي أجبرت لأن تتناغم مع حزب البعث، ليصبح الشعب والقوى المعارضة في واد والنظام في واد آخر، فقد استطاع حافظ الأسد من خلال نفوذه القوي داخل حزب البعث ومركزه العسكري في الدولة أن يبعد معارضيه وما يشتبه في معارضتهم له في الحزب والدولة ليتفرد هو بالحكم في الحزب والدولة فجاء صياغة المادة الثامنة من الدستور السوري بأن حزب البعث هو الحزب القائد في المجتمع والدولة ويقود جبهة وطنية تقدمية (المادة /8/ من دستور 1973) وذلك لفرض سلطة حزب البعث دستورياً على كافة مفاصل الحياة السياسية، والاجتماعية، والثقافية، والاقتصادية، ولم يكن ذلك إلا تكريساً لسلطة الأسد الفردية بشرعية دستورية مزيفة لحكم البعث كستار للحكم الفردي المطلق.

* قمع المعارضة :

واجهت المعارضة السورية  في ظل حكم البعث قمعاً لا مثيل له، فقد اعتبرت الأحزاب القائمة غير شرعية وذلك دون سند قانوني رغم تأكيد الدستور على حق المواطن في الاسهام في الحياة السياسية ( المادة/26/) من الدستور، وبعد مرور أربعة عقود من الزمن لا زال الشعب السوري وقواه السياسية بانتظار صدور القانون الذي ينظم الحياة السياسية في البلاد، رغماً ان حزب البعث نفسه، وأحزاب الجبهة الوطنية التقدمية التي يقودها حزب البعث لا يستندون في تأسيسهم لأي قانون، والشرعة الدستورية والقانونية التي تعتمد عليها تلك الأحزاب ليست إلا شرعنة شفهية من النظام يغطي بها عمل تلك الأحزاب التي تعكس سياسة البعث والتي انتظمت في الجبهة الوطنية التقدمية، أما مصير القوى والشخصيات المعارضة هو الركون في المعتقلات بتهم جاهزة تتلخص في زرع الوهن في نفوس الشعب، وإضعاف الشعور القومي، وإثارة النعرات الطائفية والعنصرية، ومحاولة اقتطاع جزء من الأرض السورية لضمه إلى دولة أجنبية، والخطر على أمن الدولة، وزرع الفتنة، والتعامل مع الجهات الخارجية.

في ظل هذه الممارسات اللاشرعية ترهيباً وترغيباً من السلطات الأمنية أستطاع  النظام أن يفرغ المعارضة السورية من محتواها، وجعلتها تعيش على هامش الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، دون أن تلعب أدنى دور ليس فقط في الاسهام في العملية السياسية، بل حتى في محاولة تكوين رأي ضاغط على النظام، ومسيرة ربيع دمشق معروفة للجميع منذ بداية حكم الوريث الابن في اسقاطه لكافة البراعم التي كان من الممكن أن ينتجه ربيع دمشق، وكان مصير نشطاء ومؤسسي المنتديات التعذيب في المعتقلات، وأنواع الحصار المفروض على عوائلهم.

ومع هذا كله وخاصة بعد البروستريكا الروسية لم يستطع النظام الأمني والشمولي في سوريا أن يتأقلم مع المتغيرات الدولية سوى الانتقال من خطابه العقائدي الحاشد بالمآثر البطولية والمنجزات الوهمية إلى الإعتراف الخجول من خلال أعلامه ببعض الأخطاء الناتجة عن حالة الفساد الذي أدى إلى الركود الاقتصادي والترهل الإداري مما يستدعي القيام ببعض العمليات الإصلاحية في مجالي الإقتصاد والإدارة. ومع تلك الأخطاء وذلك الفساد الذي لم يكن باستطاعة النظام إخفائه لكن ممارساته دلت على توغله أكثر فأكثر في عمليتي الفساد والإفساد و توحشه اللامحدود في قمع القوى ونشطاء المجتمع المدني.

* حالة الطوارئ:

حالة الطوارئ التي تعد ظاهرة سورية مستدامة، بل طفرة سوداء مميزة في تاريخ سوريا من حيث المدة الزمنية المطبقة فيها ـ منذ بداية الستينات من القرن الماضي ـ والممارسات القاسية، والأحكام العرفية المتجاوزة لأية شرعية، التي طبقت في ظل حالة الطوارئ على الشعب السوري متجاوزاً بذلك أحكام الدستور، جعلت من سوريا كلها سجناً دون أن يكون لنصوص الدستور المقرة للحريات والحقوق أية معنى.

وحالات الطوارئ مختلفة فقد تكون نتيجة لظاهرة طبيعية يسببها فيضان أو هزة أرضية، وقد تكون سياسية أو نتيجة عدوان على أرض الوطن عندها لا يجب على الدولة أن تقف مكتوفي الأيدي وتنتظر مجابهة الحالة بالقوانين العادية التي قد لا تفي باللازم، لذلك على السلطات المعنية أن تعلن الحالة ولكن ضمن محددات تشريعية لما لها أثر سلبي على حياة المواطنين، لكن حالة الطوارئ في سوريا وإعلانها لم تكن لمجابهة الحالة لحماية المواطنين من آثارها السلبية ولكن كان إعلان حالة الطوارئ واستدامتها بهدف قمع الشعب وإرهابه ومحاصرته إقتصادياً وغيرها من كافة صنوف الممارسات الهادفة بالنتيجة إلى إذلاله.

* انتهاكات  حقوق الأفراد والجماعات (بعض القوانين القمعية):

1 ـ قانون حالة الطوارئ الصادر بالمرسوم التشريعي /51/ لعام 1962 الذي أطلق يد الحاكم العرفي أو نائبه في إصدار الأمر بالاعتقال وتنفيذه، كما وقع قيوداً على حرية الأشخاص اجتماعاً وإقامة وتنقلاً ومروراً وتوقيفاً وتحرياً للأشخاص والأماكن، مما غيب سلطة القضاء كاملة بموجب /المادة  4 ف أ / من القانون المذكور، كما أجاز القانون للحاكم العرفي أو نائبه مراقبة الرسائل والمخابرات والصحف والنشرات والمؤلفات والرسوم والمطبوعات وضبطها ومصادرتها / المادة4 ف ب، كما أجاز القانون المذكور الاستيلاء على أي منقول أو عقار بموجب / المادة 4 ف و/ ، وبغياب السلطة القضائية أصبح حجب المعتقلين من حقهم في الدفاع عن طريق محام، و إخراج قرارات الحاكم العرفي من دائرة الطعن أو التظلم أمام أي مرجع قضائي  وحجب معرفة مكان وتهمة الاعتقال وزمن الاعتقال من أخطر انتهاكات حقوق الإنسان التي ترتب عليها الاخلال في توازن العلاقات الاجتماعية بسبب عدم معرفة مصير المعتقلين.

2 ـ  إحداث محاكم الميدان العسكري بالمرسوم التشريعي رقم/ 109/ تاريخ 17/08/1967، الذي أجاز للمحكمة عدم التقيد بالأصول والاجراءات المنصوص عليها في التشريعات النافذة / المادة 5/ من المرسوم المذكور، كما ان أحكامها بموجب المادة/6/ لا تقبل الطعن.

كما ان ولاية المحكمة بموجب المادة/1/ من المرسوم المذكور هي الجرائم المرتكبة زمن الحرب أو خلال العمليات الحربية التي يقرر وزير الدفاع إحالتها إليها، لذلك يعتبر محاكمة عناصر تنظيم جدماعة الاخوان المسلمين إليها باطلة ويعتبر حكم الاعدام النافذ بحقهم جرائم ضد الانسانية.

3 ـ إحداث محكمة أمن الدولة بالمرسوم التشريعي رقم/47/ تاريخ 28/3/1968.

4 ـ قانون إحداث إدارة أمن الدولة الصادر بالمرسوم التشريعي رقم/14/ لعام 1969، الذي حرم المواطن السوري من حقه في الجوء إلى القضاء للإدعاء على رجل الأمن الذي أرتكب بحقه الجرائم التي ارتكبها أثناء تنفيذ مهماته الموكولة إليه / المادة 16 من القانون المذكور/.

5 ـ قانون التنظيمات الداخلية لإدارة أمن الدولة الصادر بالمرسوم التشريعي رقم/549/ لعام 1969، الذي نص على عدم جواز ملاحقة العاملين في إدارة أمن الدولة أو المنتدبين أو المعارين إليها أو المتعاقدين معها أمام القضاء في الجرائم الناشئة عن الوظيفة بموجب المادة/74/ من القانون المذكور، مما جعل أيدي رجال الأمن أو من في حكمهم مطلقي اليدين في تنفيذهم للجرائم بحق الأفراد دون أي رادع.

6 ـ القانون/49/ لعام 1980: الذي يجرم في المادة /1/ منه ويعاقب بالاعدام كل منتسب لتنظيم جماعة الاخوان المسلمين.

7 ـ الدستور السوري النافذ منذ عام 1973، الذي أجاز لرئيس الدولة صلاحيات واسعة دون أن يكون مسؤولاً إلا في حالة الخيانة العظمى، مما أحدث خللاً واسعاً بين السلطة والمسؤولية.

كما أجاز للرئيس أن يحكم البلاد إلى الأبد محجباً بذلك رئاسة الدولة عن كافة أفراد الشعب السوري ليحصرها في شخص رئيس الدولة حافظ الأسد، والذي هيأ بدوره كافة الظروف ليستلم أولاده من بعده، وما كان الاسلوب الذي استلم به نجله بشار الاسد رئاسة الدولة في عام /2000/ إلا دليلاً واضحاً على عملية التوريث المهيئة.

شكل النظام السياسي لسوريا المستقبل

لقد تراجع المفهوم القديم الضيق للنظم السياسية الذي كان يراد به أنظمة الحكم السائدة في دولة معينة، وبهذا المعنى كان هناك ترادفاً بين نظام الحكم والقانون الدستوري في تلك الدولة، ذلك القانون تناول فقط تنظيم السلطات العامة وصلاحياتها والعلاقة فيما بينها، وتبيان حقوق الأفراد والتزاماتهم تجاه الدولة من خلال القواعد المجردة، تراجع ذلك المفهوم الضيق للأنظمة السياسية لصالح المفهوم الحديث والمعاصر بمفهومه الواسع الذي يربط بين نظام الحكم وما يحيط به من ظروف ومبادئ فلسفية واقتصادية وسياسية واجتماعية، لذلك ولدراسة النظام السياسي أو تأسيس نظام سياسي في بلد ما، لا بد وأن يستند على ما أنتجه الفكر الانساني  واقتنع به مواطنوا تلك الدولة بعد أن ترسخت لديهم تلك المبادئ بحيث أصبح الانسان وتلك المبادئ صنوان لا ينفصمان.

كما ان تأسيس النظام السياسي راهناً لا يختلف عن الماضي، وعن مدلوله الضيق إذا لم يولي الاهتمام اللازم للقوى النشطة كالأحزاب والنقابات وجماعات الضغط الأخرى لتلعب دورها في التفاعل على المستوى الاجتماعي في الضغط وتوجيه نظام الحكم نحو إدارة ورعاية مصالح الشعب، تجنباً للأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية الناتجة عن الشرخ الذي تولده الأنظمة الشمولية بين الشعب والسلطة السياسية في الدولة.

وإذا كانت السلطة السياسية هي الركن الفاصل بين الدولة والعشيرة أو التجمعات المشابهة لها، كون الدولة والعشيرة تشتركان  بركن الأرض، والمجموعة البشرية التي تقطنها، والسلطة التي تخضع لها تلك المجموعة البشرية، لكن الفيصل بينهما هو صفة السلطة، ففي الدولة تكون السلطة سياسية، أما في العشيرة تفتقد السلطة من الخاصية السياسية، وبهذا المعنى تكمن أساس السلطة السياسية في الدولة وليس في العشيرة، لذلك لا بد من دراسة نظرية الدولة كونها صاحبة السلطة السياسية، ومن ثم الحكومة باعتبارها الجهاز الممارس للسلطة، والهيئة النيابية باعتبارها السلطة التشريعية في الدولة.

أولاً: في الدولة:

1 ـ  عدم تجانس شعب الدولة ( التعددية القومية )

لا يسعنا عرض نظرية الدولة كاملة في هذه الورقة ولكن ما يهمنا في عرضه بالنسبة لنظرية الدولة هو جزئية متعلقة بالشعب، وأخرى متعلقة بالسلطة كركنين من أركان الدولة الثلاث ( الاقليم، الشعب، السلطة).

فبالنسبة للشعب كركن من أركان الدولة، لا يمكن تصور قيام الدولة دون أن يكون هناك من يعيش على إقليم الدولة، اي ضرورة وجود جماعة بشرية  على وجه الاستقرار ضمن حدود الدولة، كظاهرة طبيعية، بغض النظر عن قلة أو كثرةعدد تلك المجموعة وأن تخضع تلك الجماعة لنظام سياسي معين، كظاهرة سياسية، ويعد ركن الشعب قائماً بتوافر تلك الظاهرتين، أما توافر الظاهرة الاجتماعية من عدمه بالنسبة للشعب لا يؤثر على قيام الدولة من عدم قيامها، اما توافر تلك الظاهرة بجانب الظاهرة السياسية والطبيعية يجعل من شعب الدولة أمة، لكن غياب الظاهرة الاجتماعية يحتم على الشعب تعدده القومي، أو الديني أوغيرها من عناصر تكوين الأمة، وقد حتم الدستوري السوري عروبة الشعب السوري في المادة/1 ف3/ حيث نص على ان الشعب في القطر العربي السوري جزء من الأمة العربية، وبهذا نسف لواقع الشعب السوري المتعدد قومياً.

وعلى ماسبق لا يمكن لسوريا المستقبل الأمن والاستقر السياسي، كما لا تحظى السلطة برضا وقبول إحدى أكبر القوميات الرئيسية في سوريا وهي الكردية إذا لم يضمن الدستور الجديد لسوريا المستقبل تعددها القومي.

2 ـ  مشروعية سلطة الدولة:

أما السلطة كركن من أركان الدولة، لا يمكن تصور وجودها بالتجريد، بل يتصور وجودها في هيئة الحكام الذي يخضع لها بقية أفراد الشعب، ويمكن تصور وجود السلطة في التجمعات ما قبل الدولة سواءً في العشيرة أم في الامة ولكن ما يميز سلطة الدولة هي السلطة السياسية التي تستدعي ضرورة قبول المحكومين بها وإلا غدت تلك السلطة، سلطة الأمر الواقع، وبهذا تفتقد السلطة شرعية وجودها، لأن قيام الدولة الحديثة يرتبط برضاء أفراد الشعب وقبولهم لتلك السلطة لا رفضهم لها، وهذا ما لوحظ في كافة الحالات الانقلابية التي فرضت وجودها بالقوة دون أن تحظى بقبول المحكومين، وفي المقابل لوحظ في ثورات الشعوب ومنها الثورة السورية المندلعة منذ 15آذار 2012 عدم شرعية النظام، هذه الجزئية المتعلقة بالسلطة كان لا بد من عرضها وإيضاحها بأن شعب الدولة هو الذي يجب أن يكون مصدر السلطة، وأن تستمد السلطة منه، تجنباً للأزمات الحادة التي تجتاح الدولة المعنية نتيجة المعارضة الشعبية التي تدخل البلاد إلى دوامة العنف وعدم الاستقرار.

لذلك لا بد وأن يضمن الدستور الجديد بأن الشعب هو مصدر السلطات في الدولة.

3 ـ  حدود سلطان الدولة (الدولة القانونية ومقوماتها):

لا يمكن الحديث عن مشروعية سلطة الدولة بمعزل عن حدود سلطان الدولة، حيث لا يشترط شرعية السلطة أن تكون الدولة مطلقة دون قيود على سلطانها، وإذا كانت سلطة الدولة مشروعة لا يعني بالضرورة أن تكون الدولة قانونية، فكما سبق واشرنا بأن السلطة تكون مشروعة عندما تستند على رضاء وقبول المحكومين بها، أما الدولة القانونية فهي الدولة  التي تكون سلطاتها الحاكمة مقيدة بأحكام القانون، تخضع لها كما بقية المحكومين، وفي هذا تحقيق لمصالح الأفراد وحماية لحقوقهم ليس فقط ضد تعسف السلطة، بل ضد تجاوزات السلطات الامنية خاصة، وقد ميز الدستور السوري وبعض قوانينها بين بعض السلطات، وخاصة الأمنية منها، وبين المواطنين حيث أخرج بعضها من سلطة القانون، ويتطلب التأكيد على قانونية الدولة توافر بعض المقومات الأساسية الضامنة لقيام دولة القانون المتمثلة ـ والتي لا بد منها في سوريا المستقبل ـ في:

ب ـ وجود دستور للدولة.

 ج ـ الفصل المرن بين السلطات وتوازنها وتعاونها.

 د ـ ضمان حقوق الافراد.

ه ـ رقابة واستقلال القضاء.

 ثانياً: في الحكومة (باعتبارها الجهاز الممارس للسلطة):

ان الحديث عن الحكومة يعتبر من المواضيع الهامة التي يتعرض لها القانون الدستوري، وقد سبق للفلاسفة والمفكرين أن تعرضوا لها ووضعوا بشأنها تصوراتهم وتقسيماتهم أمثال كل من افلاطون وأرسطو ومونتسكيو لما للحكومات من أهمية باعتبارها الجهاز الذي تمارس الدولة بها سلطاتها السياسية.

وربما يهمنا في هذه الورقة وبهذه العجالة أكثر من غيرها، الحكومة من حيث:

أ ـ الخضوع للرئيس الأعلى.

ب ـ الحكومة من حيث مصدر السيادة.

ج ـ الحكومة من حيث الفصل بين السلطات.

أما التقسيمات الاخرى للحكومة رغم ضرورتها إلا أن الحديث عنها في هذه الورقة وبهذه العجالة كما أسلفنا ربما لا يجد مكانه، لذلك أقتصرنا على التقسيمين المذكورين أعلاه.

يمكن تقسم الحكومة من حيث الخضوع للرئيس الأعلى إلى القسمين التاليين:

أ ـ الحكومة الملكية:

التي برأينا من الصعوبة إن لم يكن من المستحيل تأسيسها في سوريا الجديدة، وترجع تلك الاستحالة أو الصعوبة  إلى أسباب منطقية وتاريخية، حيث لم تشهد سوريا قبل الاستقلال وبعدها ذلك النوع من الحكومات باستثناء فقترة قصيرة لا يعتد بها إلا من الناحية التاريخية، كما إن عدم وجود سلالة  مالكة في سوريا يكون من المستبعد التفكير في هذا الشكل من الحكومات، كما لا يمكن التصور بوجود التفكير لدى العائلة المالكة في المملكة الاردنية الهاشمية ( سلالة شريف مكة) تلك العائلة التي نصب أحد أفرادها ملكاً على سوريا في نهاية تسعينيات وبداية عشرينات القرن الماضي على سوريا، بأن يفكروا من جديد لإعادة العرش الملكي على سوريا، ورغم ان الحكومة الملكية راهناً هي ملكيات دستورية، خاضعة للقانون، وترعى مصالح الشعب، وتحافظ على حقوق الأفراد أكثر من الكثير من الحكومات الجمهورية في بلدان العالم، إلا ان تفكير الشعب السوري لم يتجه نحو الحكومة الملكية كونه لم يخضع لها في تاريخ سوريا الحديث، لذلك يبقى الحديث عن الحكومة الجمهورية هو الأهم كونه الشكل الأمثل  للحكومة في سوريا الجديدة دون أن يكون ذلك الشكل تفضيلاً على الملكية الدستورية بقدر ما هو قراءة لنمط التفكير لدى الشعب السوري الذي لم يألف الملكية.

ب ـ الحكومة الجمهورية:

 من حيث طريقة تولي الرئاسة:

تختلف الحكومة الجمهورية عن الحكومة الملكية من حيث طريقة تولي رئيس الدولة السلطة، ففي الحكومات الملكية تكون ولاية رئيس الدولة للسلطة عن طريق الوراثة، أما في الحكومات الجمهورية فتكون بإحدى طرق الانتخاب المعتادة مباشرة من الشعب، أو بطريقة غير مباشرة، أو عن طريق المجلس النيابي، أو باشتراك المجلس النيابي والشعب معاً، بعكس ما نص عليه الدستور السوري في طريقة تولي رئيس الدولة باقتراح من القيادة القطرية لحزب البعث وترشيحه من مجلس الشعب وعرض ترشيحه على المواطنين لإستفتائهم فيه / م84/ من الدستور السوري، وفي هذا احتكار لحزب البعث للسلطة، حيث لا يمكن التصور بأن مقترح القيادة القطرية سينصب على غير الشخص الاقوى في الحزب، وقد كان دوماً شخص حافظ الأسد هو المقترح إلى أن أصبح بتوجيه منه وممن حوله شعار القائد إلى الأبد سارياً في كل مفاصل الدولة ومؤسساتها، ولم يستطع مجلس الشعب السوري وبتركيبته الممنهجة من قبل حزب البعث إلا أن يكون تابعاً لشخص القائد.

ولكي لا يصبح مركز رئيس الدولة مرموقاً أكثر من السلطة التشريعية، كونه منتخباً من الشعب ويصبح مركزه قوياً مما قد يؤدي إلى توسيع صلاحيات السلطة التنفيذية على حساب السلطة التشريعية مما يمتلكه الغرور ويتجه نحو الحكم الفردي المطلق.

 لذلك نرى أن يكون انتخاب رئيس الدولة بالطريقة المختلطة بين المجلس النيابي والشعب هي المثلى بما تحققه تلك الطريقة من توازن بين السلطتين، ومن شأن تلك الطريقة أيضاً الحد من غلو الرئيس المنتخب من كل الشعب مباشرة مقابل انتخاب كل عضو من أعضاء المجلس النيابي من جزء من الشعب وليس من كل الشعب.

كما يجب أن يكون الترشيح لرئاسة الدولة غير مقيدة سياسياً أو دينياً أو قومياً.

من حيث مدة الرئاسة:

إن أحد أوجه الاختلاف بين الحكومة الملكية والحكومة الجمهورية هو مدة الرئاسة، فالملك يتولى رئاسة الدولة بالوراثة وتكون ولايته غير مؤقتة، أما في الحكومات الجمهورية فتكون ولاية رئيس الدولة مؤقتة، وتأقيتها تكون مختلفة يحددها دستور كل دولة، وعادة تحدد الولاية بخمس سنوات أو سبعة سنوات أو أربع سنوات مع أو بدون إعادة انتخابه لمدة أو لمدد أخرى.

وولاية رئيس الدولة يجب ألا تكون قصيرة بحيث تكون كافية لتحقيق استمرارية نظام الحكم واستقراره، ليتمكن رئيس الدولة خلالها استنفاذ طاقاته وجهده في تنفيذ الأفكار التي طرحها على الشعب في برنامجه الانتخابي، كما أن الغلو في إطالة ولاية رئيس الدولة يفقد مسؤولية رئيس الدولة أمام الشعب بطريقة غير مباشرة أثناء إعادة انتخابه لولاية رئاسية جديدة والتي تتمثل في تأييد أو رفض الشعب له كتحريك لمسؤولية الرئيس يحاسبه هيئة الناخبين على أعماله السابقة.وإن تأقيت مدة الولاية الرئاسية في سوريا لسبعة أعوام ميلادية دون التطرق لإعادة انتخابه من عدمها جعل عملياً إمكانية انتخابه إلى الأبد كما في المادة/86/ من الدستور.

لذلك أن تصورنا الذي نراه مناسباً في شأن مدة الرئاسة، أن تكون الولاية لمدة أربع سنوات مع إعادة إنتخابه لولاية رئاسية جديدة لمرة واحدة.

من حيث السلطة و المسؤولية:

يملك الرئيس السوري سلطات واسعة بموجب الدستور من المواد/93 ـ 95/ وكذلك من المواد/97 ـ 114/ تلك السلطات التي لا تتوافر لرئيس الدولة إلا في الحكومات الفردية المطلقة مقابل انعدام المسؤولية عن الأعمال التي يقوم بها إلا في حالة الخيانة العظمى، المادة/ 91/ من الدستور ودون أي توضيح لمفهوم الخيانة العظمى في التشريعات السورية المختلفة، مما شكل إختلالاً في التوازن بين السلطة والمسؤولية، وهذا الإختلال في التوازن بين السلطة والمسؤولية لا يمكن تصوره في الأنظمة الديمقراطية بل هو من طبيعة وخصائص الأنظمة الشمولية التي لا يتوافق بشكل من الأشكال مع طبيعة الدولة الحديثة بما يشكله من خطورة على حقوق الأفراد والجماعات، وما ينتج عنه من الإستيلاء على سلطة وصلاحيات سلطات الدولة التشريعية والتنفيذية والقضائية، مما يشكل ذلك من خطف للدولة والتهديد بنسفها مقابل بقائه في السلطة عنوة عن إرادة الشعب، وهذا ما تم تأكيده في ثورة الشعب السوري في الحرية والكرامة من خلال شن النظام حرباً عشواء ضد الشعب والدولة ليحافظ على بقائه في السلطة.

لذلك لا بد وأن يضمن الدستور نظاماً برلمانياً لسوريا الجديد بما يحققه  ذلك النظام من التوازن بين سلطة ومسؤولية رئيس الدولة.

ثالثاً: في الهيئة النيابية .

(نظام ازدواج المجلس النيابي):

لا بد من تكرار القول كما أسلفنا سابقاً بأن هذا الذي نحن بصدده عبارة عن ورقة تم أعدادها للبحث في بعض المواضيع التي لها من الأهمية أكثر من غيرها نتيجة ما يمليه عليها التحديد من حيث عدد الصفحات والوقت، فلسنا بصدد دراسة قانونية ودستورية وفلسفية وسياسية واقتصادية وغيرها بقدر ما نحن بصدد بعض الأمور الهامة التي لا بد من خلالها تبيان المبادئ والملامح العامة التي سوف تناقش من أجل دستور جديد لسوريا، لذلك لا يسعنا في موضوع الهيئة النيابية إلا أن نعرض لنظام ازدواج المجلس النيابي، لما له من أهمية من حيث تناسبه مع التعددية القومية في سوريا.

بغض النظر عما يقوله البعض، ويبررون قولهم، بأن انفراد مجلس واحد بسلطة التشريع من شأنه أن يؤدي إلى استبداده، وتخوف أصحاب ذلك الرأي هو من استبداد المجلس النيابي للسلطة التنفيذية، ومع ما ينطوي هذا الرأي على قدر من الصواب لكننا بالإضافة إلى ذلك الرأي نرى أيضاً الجانب الآخر من استبداد نظام المجلس الواحد في توفير غطاء دستوري وقانوني لإستبداد السلطة للشعب، وقد أكدت لنا المسيرة التاريخية لمجلس الشعب السوري ذلك ووضعنا في تصور ذو جانبين:

الأول هو: إن مجلس الشعب السوري  رغم العملية الانتخابية لأعضائه، لكنه لم يخرج من نطاق التعيين الفعلي لأعضائه بغطاء دستوري.

الثاني هو: لم يخرج المجلس من ربقة حزب البعث، وفي هذا يمكن القول بأن مجلس الشعب السوري لم يكن إلا غطاءً شرعياً لأعمال السلطة وإرادة السلطة التنفيذية المتمثلة بشخص رئيس الدولة.

وإذا كان نظام المجلس النيابي الواحد بعيداً عن الاستبداد كمبدئ عام إلا أنه في بعض الدول وفي ظل حكومات فردية مطلقة، أو في ظل حكومات الحزب الواحد يكون أقرب إلى الغطاء الدستوري لأعمال الحاكم الفرد أو لأعمال الحزب الواحد الحاكم في الدولة.

ورغم اعتقادنا بأن سورية الجديدة لا تكون إلا ديمقراطية ولا تستقر إلا بها نتيجة عقود من الاستبداد، ومع ذلك يحق لهذا الشعب الذي فقد كل شئ في وطنه أن يحصن نفسه من استبداد بعض السلطات له.

وبتصورنا أن الأخذ بنظام ازدواج المجلس النيابي(نظام المجلسين) يعتبر ضمانة للإستبداد، و بما يحققه من ضمانة حقوق ومصالح القوميات، إذا ما كانت طريقة تكوين المجلس الأعلى على أساس التمثيل النسبي للقوميات المختلفة.

كما أن نظام إزدواج المجلس النيابي من شأنه  تدقيق وتمحيص التشريعات قبل صدورها مما يضمن عملية الاستقرار التشريعي في البلاد، بالاضافة إلى ما يحققه من رفع مستوى كفاءة الهيئة التشريعية  من خلال ما يوفره  النظام القانوني لطريقة تكوين المجلس الأعلى.

وعلى كل ما سبق بشأن النظام السياسي نرى مايلي:

"إن النظام السياسي المناسب في سوريا الجديدة أن يكون جمهورياً، برلمانياً، يعتمد التعدد القومي في البلاد، ويكون الشعب مصدر السلطات يمارسها عن طريق ممثليه في الهيئة النيابية بمجلسيه، و يعتمد مبدأ دولة القانون، و الفصل المرن بين السلطات وتوازنها وتعاونها، و أن يكون انتخاب رئيس الدولة على درجتين،  وأن تكون مدة ولايته مؤقتة لا تقل عن ست سنوات و لا تزيد عن سبع سنوات مع عدم جواز إعادة إنتخابه إلا بعد ولاية رئاسية فاصلة، أوأربع سنوات مع جواز إعادة إنتخابه لمرة واحدة، وأن لا يكون الترشيح لرئاسة الجمهورية مقيداً بقيد سياسي أو قومي أو ديني".

علاقة الدين بالدولة وحقوق غير المسلمين

في سوريا الجديدة، المفترضة أن تكون ديمقراطية تعددية، ستظهر الإشكالية المثارة راهناً في الدول التي تأثرت والتي ستتأثر بالربيع العربي بقوة وخاصة خلال المناقشات التي ستجري من أجل توافق وطني حول الدستور المرتقب لسوريا، تلك الإشكالية التي لم يكن بالإمكان إثارتها في ظل حكم الفرد والنظام الشمولي الذي أستطاع أن يكتم الأفواه ويقضي ولو لفترة من الزمن وبدرجات متفاوتة على الإرادات التي كانت تعبر عن مكنونها الثقافي والحضاري والفكري.

في ظل الثورة السورية، والتي أثبتت صمودها إلى الآن شهراً بعد عامها الاول، تظهر إشكالية تتمثل في فرض إرادة الأغلبية المسلمة في الدستور بالنص على الفقه أو الشريعة الإسلامية هي مصدر رئيسي للتشريع كما في/ المادة 3/ من الدستور السوري لعام 1973، مما يثير فضيلة ما يقارب النصف من المجتمع السوري، حيث إذا كانت الأغلبية في إنتمائه الديني هم من المسلمين هذا لا يعني بأنهم كلهم يتوافقون مع النص الدستوري الذي يعتبر الفقه أو الشريعة الاسلامية مصدر رئيسي للتشريع، ولا تتجه إرادتهم نحو ذلك التوجه نتيجة ما تتميز به سوريا من تعدد ديني ومذهبي وثقافي لا يمكن تجاوزه.

في سوريا الديمقراطية التي من الواجب أن تكون ديمقراطية، وأن تسودها المساواة والحرية والعدالة ومبدأ تكافؤ الفرص على أساس المواطنة الحقة لا يجب أن تنسف تلك المواطنة بنص دستوري يفضل شريعة على شريعة أخرى، فأساس الحكم يجب أن يكون مبنيا على أساس العدل والمساواة وهذا لا يتنافى مع ممارسة أصحاب الديانات لشعائرهم ومقدساتهم، أما الخلط بين الدين والدولة وبنصوص دستورية ما هو إلا زرع لبذرة التفاوت والتفضيل الذي لا يتحمله المجتمع السوري الذي به يشعر شريحة واسعة من المجتمع السوري من المسلمين قبل غيرهم بالغبن الذي سيشعر به أصحاب الديانات الأخرى، ومن ناحية أخرى إن عدم النص الدستوري على رئيسية مصدر تشريعي لا يعني إن الفقه أوالتشريع الديني لأغلبية المجتمع السوري لا يظهر أو لا يطغى على القوانين السورية المعنية، فإذا كانت الثقافة والحضارة والعادات والتقاليد والفقه ومبادئ الشريعة الإسلامية هي المترسخة لدى الأغلبية، من الطبيعي سيكون لها تأثيرها على القوانين ولو لم ينص على ذلك دستورياً، فالعبرة ليس في النص الدستوري بقدر ما ستعبر القوانين عن إرادة الشعب عن طريق ممثليه في الهيئة التشريعية.

كما أنه لا يمكن فصل الفرد عن الدولة لأن الأفراد هم الذين يمارسون السلطة باسم الدولة، وبإراداتهم تنشأ القوانين والتشريعات ليس بشخصهم وفكرهم وثقافتهم الحالة، بل بميراثهم الثقافي ومنتوجهم الفكري المنبثق من تاثير الحضارات السابقة نتيجة لتراكمات الفكر الانساني والديانات السماوية والحضارات السابقة والراهنة أيضاً لتكون نتيجتها نصوصاً تشريعية بآليات قانونية محددة، لذلك إن الحالة التوافقية ضرورية بين مكونات المجتمع السوري وبتصورنا تتمثل آلية التوافق الوطني في هذا المنحى عبر الهيئة النيابية من خلال القوانين وليس من خلا نص دستوري، وحقيقة الأمر لا يجب على الأغلبية القومية أو الدينية أن تبحث عن النصوص الدستورية لضمان حقوقها بل على العكس على الأقليات أن تضمن حقوقها دستورياً لأن الاقليات عادة هي الخائفة من التعدي على حقوقها وليس الاغلبية.

من المعروف ان هناك مصادر أصلية للقانون ومصادر احتياطية، وتعتبر الشريعة الاسلامية ومبادئها والفقه الاسلامي أحد تلك المصادر الأصلية، كما يجب ألا يغرب عن البال بأن حرفي الألف واللام تفعل فعلها، كمصدر أصلي أو كالمصدر الاصلي، ولا يكون بمقدور غالبية أفراد المجتمع باستثناء النخبة الثقافية التمييز بين وجود من عدم وجود ذلك الحرفين، كما أن تعدد المصادر الأصلية الذي تعد الشريعة واحدة منها غير مترسخة في الأذهان وبمجرد النص على ان الشريعة هو مصدر أصلي للتشريع يخلق إشكالية.

 وبتصورنا إذا ما ذكر المصادر الأصلية الاخرى بجانب التشريع قد يخفف من تلك الوطئة، كون التشريع هو أحد المصادر الأصلية وليس المصدر الوحيد.

من الأمور الصعبة في المجتمعات ذات الغالبية المسلمة تبني فصل الدين عن الدولة دستورياً، أو علمانية الدولة، رغم وجود شريحة واسعة في تلك المجتمعات تتبناها وتجعلها جزءاً من ثقافتها وأيديولوجيتها مما يثير إشكالية بين النخبة المثقفة من المنتمين للديانات المختلفة، وهي إشكالية قديمة حديثة بدأت تأخذ مداها بحرية في الجدل والنقاش في الدول التي هزمت فيها الدكتاتوريات الحاكمة في بعض البلدان العربية مما يؤدي إلى شرخ بين مجتمعاتها إذا لم تجد لها حلاً توافقياً.

الأقليات القومية وحقوقها

سوريا بحدودها الحالية تشكل موزاييكاً قومياً ودينياً ليس طارئاً بقدر ما هو تجذر تاريخي وإذا كانت المشاكل الناتجة عن حقوق الأقليات القومية ـ عددياً بالنسبة للقومية الغالبة ـ لم تجد لها حلاً لأن التاريخ بحد ذاته لا يشكل أساساً لحل القضايا القومية وإذا يعتبر التاريخ لدى الكثيرين هو قراءة لمعرفة التاريخ فقط فلم يبقى إلا الواقع الذي على أساسه يجب أن تستند الحلول الواقعية والعملية، والصعوبة في معرفة الواقع الحقيقي لوجود القوميات في سوريا يظهر في اعتماد الباحثين والمفكرين على دراسات جلها قد لا تمت إلى الواقع بشئ إلا بالنسبة لمن يعتمد في دراساته وفكره على ما هو ميداني فليس كل ما هو نظري كفيل بتقديم الحلول وعلينا ولكي أن نحصن وطننا الحديث من الازمات السياسية وغيرها أن نعطي لما هو واقع وحال حقه، فلا يمكن انكار وجود قوميات متعددة في سوريا وأكبرها عدديا القومية الكردية بعد العربية، والكرد في سوريا قد لاقوا الغبن في ظل الحكومات المتعاقبة على سوريا مورست بحقهم سياسات تمييزية وقوانين استثنائية بهدف صهرهم في البوتقة العربية من خلال الحصار الاقتصادي الذي تمثل في فصل العمال والموظفين من عملهم وأحيناً بنقلهم إلى مناطق بعيدة ، ومنع التحدث والتعليم بلغتهم من خلال حجز واعتقال كل من يملك ألف باء اللغة الكردية ووصل الأمر بالسلطات المحلية في منع وإغلاق محلات بيع أشرطة الأغاني باللغة الكردية، ومعروفة لدى المهتمين السياسات التي أدت إلى تجريد ما يقارب مئة وخمسون ألف عائلة كردية من جنسيتهم بجرة قلم وبقانون استثنائي في بداية الستينات من القرن الماضي إلى اليوم حيث وصلت أعدادهم ما يقارب النصف مليون، وما زالت آثارها ماثلة للعيان حيث كان من نتيجته حرمانهم من الأراضي الزراعية التي كانوا ينتفعون منها في تأمين لقمة عيشهم، وحرمانهم من العمل والتوظيف والدراسة وتسجيل الزوجات والأولاد والمنع من السفر وممارسة العمل السياسي في الترشيح والانتخاب، إضافة إلى تعريب أسماء القرى والبلدات الكردية إلى اللغة العربية وعدم تسجيل المواليد من الأكراد إلا بموافقات أمنية تستغرق في أقلها ستة أشهر.

كثيرة هي الممارسات العنصرية والشوفينية والقوانين الاستثنائية المطبقة بحق الشعب الكردي في سوريا كمثال على إضطهاد الأقليات القومية والعرقية الأخرى وبتفاوت، كالأقلية الآثورية السريانية والتركمان، ولكن ما نحن بصدده هو إيجاد الحل المناسب لحل قضايا الأقليات، وإذا كان إهتمام المجتمع بالأقليات الدينية من خلال بعض الاتفاقيات قد سبق الإهتمام بحقوق الأقليات القومية إلا أن الحقوق القومية يجب ألا تبقى حبيسة إرادات بعض الأيديولوجيات وأن اقرارها لا يعد منحة أو إمتيازاً وأنها ستجد لها حلاً عاجلاً أم آجلاً وقد دل تاريخ بعض الدول على حلها ولو بشكل جزئي كلفت تلك الدول وتلك الأقليات الكثير من الضحايا والويلات واستنفاذ قوى الطرفين، وإن حل القضايا القومية يجب أن تستند إلى المصلحة الوطنية بعيداً عن التشنج بمجرد ذكر وجود أقلية قومية أو دينية أو عرقية في دولة ما وتتطلب المصلحة الوطنية وخاصة في سوريا أن يتم الاعتراف بوجود أقليات متنوعة وأن يضمن الدستور حقوقهم التي تكفل بعدم تطلعهم نحو خارج حدود سوريا، ومن مسؤلية الدولة أن تحتضن كافة أبناء شعبها وتؤمن لهم حقوقهم كأفراد وكمجموعات، أما غياب النص الدستور على وجودهم وضمان حقوقهم يفتح بوابة التمييز وممارسة أنواع الظلم بحقهم الذي يكون من نتيجته عدم الاستقرار في البلاد.

 وتصورنا في حل القضايا القومية في سوريا تستند على الواقع وعلى المصلحة الوطنية اللتان تتطلبان الاعتراف بالتعدد القومي والاعتراف بحقوقهم حسب المواثيق والأعراف الدولية دون أن يؤدي ذلك إلى التعدي على حقوق الآخرين ودون أن يكون لسبل حلها إرتدادات سلبية في تهديدها للأمن والسلم الدوليين للخطر.

المواطنة وحقوق الأفراد والجماعات

لا يمكن فصل حقوق الأفراد والجماعات وحقوق المواطنة عن بعضها فهي في تطور مستمر منذ ظهور الفكر الإنساني رغم أسبقية حقوق الافراد، وقد أكدت الديانات السماوية على حقوق الأفراد كما انها كانت من اهتمام  الفلاسفة والمتنورين وقد أجمعت كلها على حمايتها من أي ظلم وتعد، وقد تعددت الإتفاقيات والمواثيق الدولية الحامية لحقوق الأفراد والجماعات بعضها بآليات محددة لحمايتها، ومن المؤسف لا زال بعض الدولة متحفظة على بعض بنود تلك الاتفاقيات وبعض الدول الاخرى لم تصدق عليها وكأن حقوق الأفراد تشكل خطراً على تلك الدول فأصبح الأفراد بذاتهم مهددون في مجمل حياتهم، والمنطقة العربية خاصة و التي تعتز بأرضها كمولد للأنبياء والرسل يقمع فيها الفرد وتنتهك الحقوق إلى أن وصل بالكثيرين القول بأن الاسلام لم يراعي حقوق الانسان، وإذا كان الاسلام براء من الانتهاكات إلا أن الحكام، وهم من المسلمين، لن يستطيعوا البراءة  من ممارسة كافة أشكال القمع ضد شعوبهم أفراداً وجماعات مما أثار الفضول لدى الكثيرين إذا ما كانت الحقوق تشكل خطراً على الإسلام أم على الحكام؟

وقد أقر الاعلان العالمي لحقوق الانسان مجموعة من الحقوق الفردية التي تقع على الدولة حمايتها وعدم السماح بانتهاكها كما ان العهدين الدولييين، الخاص بالحقوق السياسية وكذلك الخاص بالاقتصادية والثقافية والاجتماعية، مجموعة من الحقوق التي يجب أن يتمتع بها الفرد أينما كان بغض النظر عن جنسه أودينه أوعرقه أولونه.

وإذا كانت الحقوق الفردية وخاصة المتعلقة بحرية الرأي والتعبير وإنشاء المنظمات من الحقوق التي نصت عليها المواثيق الدولية لا يجب أن تكون مطلقة من كل قيد، بل من الواجب خضوعها لأحكام القانون التي تنظم ممارستها حفاظاً على حقوق الآخرين وتطبيقاً لمبدأ وحقوق المواطنة في الدولة الحديثة التي تضمن كفالة الدولة في حمايتها ورعايتها كإلتزام من طرفها على حمايتها ورعايتها تجاه مواطنيها مقابل إلتزام المواطن نفسه تجاه الدولة بالطاعة والولاء والانتماء والخضوع لأحكام القانون، هذه الثنائية التي تعرض في الكثير من الدول وفي فترات زمنية مختلفة لعدم التوازن إلى الشعور بالغبن تجاه الحكام مما جعل من مبدأ المواطنة أحادي الجانب يتمثل فقط في الواجبات دون الحقوق، ولكي تبقى طرفي الثنائية متوازناً لا بد وأن تستند المواطنة على الواجبات والحقوق دون طغيان أحد الأطراف على الأخرى، ولكي تحافظ المواطنة على التوازن بين طرفيها لا بد من رباط وثيق بين المواطنة وحقوق الأفراد والجماعات من ناحية، وبين مجموعة من المبادئ التي لا بد من توافرها في الدولة الديمقراطية الحديثة والتي من الواجب على هديها أن ينظم الدستور والتي تعتبر بذاتها مبادئ عامة للدستور  والتي سنأتي إليها لاحقاً.

ولكي تتحق المواطنة يجب أن تتكفل الدولة بإقرار وحماية حقوق الأفراد والجماعات مقابل ولاء وانتماء الجماعة للدولة ولا تتحقق هذه المعادلة في ظل الأنظمة الشمولية، لذلك نرى بأن حاضنة المواطنة هي الدولة الديمقراطية الحديثة.

وليس غريباً ما نشاهده في بلدان الربيع العربي من السقوط المخزي للأنظمة الشمولية التي ولت مهزومة باندلاع شرارة الثورة، وتلك التي تفتح جبهات قتالية ضد شعبها التي أثبتت عدم وطنيتها بعدائها لشعبها فلم يكن من المأمول من تلك الأنظمة أن يراعوا مصالح الشعب ويوفروا لهم سبل العيش الكريم والاقرار بحقوقهم وحمايتها، لذلك أن إثارة ومناقشة موضوعة المواطنة وحقوق الأفراد والجماعات يجب أن تحظى بوافر من الوقت وعلى نطاق واسع كونها تمس حياة الناس حكاماً ومحكومين، وعليها تحافظ الدولة على كيانها .        

محددات هوية الدولة واسمها

بداية لا من الإشارة بان الشعب السوري دخل مرحلة العمل الميداني منذ ثورته الشعبية في الخامس عشر من آذار 2011 ويعمل بكل قواه في سبيل الوصول بها الى نهايتها الحتمية في الانتصار على النظام المستبد الجائر بضرورة اسقاطه، وما زال بعض المثقفين الكرد والعرب وغيرهم في سوريا يجادلون جدلاً بيزنطياً حول سوريا وعروبتها وكأن اسم سوريا المقترن بالعروبة أو دونها هو المحدد والناظم لهوية سوريا، علماً ان هناك الكثير من الدول ومنها بعض الدول العربية التي لا يستدل على عروبتها من اسم الدولة، مما يعني ان عروبة الدولة وعدم عروبتها لا يقاس بالاسم، بل هناك محددات أخرى لهوية الدولة وعلى أساسها ينص الدستور على هوية الدولة، فالدستور يكون هو الناظم الأول والأساسي للدولة من حيث السلطات وعلاقاتها مع بعضها، والمبادئ السياسية والاقتصادية والثقافية وهوية الدولة، بغض النظر عن طريقة صياغة الدستور، ولعل إيراد بعض الأمثلة يوضح هذا الأمر دستورياً:

أولاً: مملكة البحرين: لا شك في ان مملكة البحرين دولة عربية رغم خلوو اسم الدولة من “العربية”

لكن الدستور البحريني نص في مادته الاولى على عروبة واسلامية الدولة بمعنى ان العبرة ليس في الاسم بل في الدستور المحدد لهوية الدولة.

ثانياً: دولة قطر: اسم الدولة لا يدل على عروبة قطر بالنسبة لمن لا يعرفها كما في حالة البحرين   وسلطات الدولة وشعبها أيضاً لا يعولون على الإسم في تحديد هوية الدولة وشعبها، بقدر ما يتركون ذلك للدستور، لذلك نص الدستور القطري في مادته الاولى على عروبة دولة قطر ولغتها العربية الرسمية وشعبها كجزء من الامة العربية.

ثالثاً: سلطنة عمان: مثلها أيضاً مثل كل من البحرين وقطر من حيث اسم الدولة وباعتبار ان هوية الدولة يجب أن تكون محددة فقد أدرج ذلك التحديد في المادة الاولى والثانية من الدستور حيث نصت المادة الاولى منه على ان سلطنة عمان دولة عربية اسلامية … والمادة الثانية نصت على ان لغة الدولة الرسمية هي العربية.

وبشأن اللغة الرسمية في الدولة، لا يشترط أن تكون معبراً أو محدداً لهوية الدولة فهناك بعض الدول التي تكون لغتها الرسمية غير لغة أهلها نتيجة لظروف معينة مرت بها تلك الدول أو نتيجة للظروف المتعلقة بشعب تلك الدولة، فالمكسيك والتشيلي وغيرهما من الدول لا تعتمد لغة شعبها كلغة رسمية رئيسية في الدولة.

رابعاً: الجزائر، فالدولة هي: الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية، الملاحظ في الدستور الجزائري خلوه من محددات الهوية الجزائرية باستثناء المادة الثالثة منه الذي ينص على ان اللغة العربية هي اللغة الوطنية والرسمية، وكما أسلفنا ان اللغة الرسمية في الدولة في بعض الحالات المتعلقة بالتركيبة السكانية لا يشترط ان تكون لغة شعبها وهذا الوضع غير متوفر في منطقة الشرق الاوسط لذلك تعتبر رسمية اللغة بمثابة محدد لهوية الدولة، أما ديباجة الدستور الجزائري فقد حددت الثقافة والقيم و المكونات الاساسية لهويتها بالاسلام والعروبة والأمازيغية.

والدول التي أسلفناها كأمثلة ـ من حيث ان اسم الدولة ليس هو المحدد لهوية الدولة ـ ليست الوحيدة  فهناك موريتانيا ولبنان ودولة فلسطين وتونس والاردن والكويت وغيرها.

ودستور الدولة لا يحدد هوية الدولة أو هوية شعبها إلا بالاستناد على حقائق لا يشترط أن تكون موغلة في التاريخ، فالراهن والواقع يكون هو الغالب في ترجيح محددات على أخرى.

أما بشأن إضافة الهوية القومية على اسم الدولة الذي جعلته بعض الأنظمة مطية لها لاستعباد شعوبها لم يعد مستساغاً كما في حالة سوريا  كإضفاء “ العربية “ على اسم سوريا، لأنه كما أوردناه لا يمكن التباهي لحاكم أو رئيس دولة بهذه الاضافة أن يتقدم على الحكام العرب الآخرين بالتمسك بمصالح العرب، فقد دلت تجربة البعث في كل من سوريا والعراق وتوابعهم في البلدان الأخرى مدى تسلطهم واستبدادهم واقصائهم للآخر ليتفردوا هم وحدهم بالتعامل مع أعداء أمتهم، وما كانت العروبة لديهم إلا مطية لمصالحهم وتفردهم بالسلطة في دولهم ومحاولة التسلط على مقدرات شعوب المنطقة أيضاً.

من السهولة لدى العرب عدم إضفاء العربية على اسم سوريا لأنه كما سبق ليس اسم الدولة هو المحدد لهوية الدولة، ولكن هل بامكانهم انهاء عضوية سوريا كدولة من جامعة الدول العربية؟؟؟.

وهل بامكانهم انسحاب الاتحادات مثل اتحاد المحامين، واتحاد الصحفيين، واتحاد الطلبة، والبرلمان، ومجمع اللغة وغيرها من الاتحادات العربية؟؟؟.

وهل بالامكان المشاركة في صياغة دستور لا يمت بصلة الى اللغة أو الهوية الثقافية، أو القومية العربية؟؟؟. وهل يجوز لعضو البرلمان أو لعضو المجلس البلدي او مجلس المحافظة أو المحامي والمهندس والمعلم والمدرس والقاضي أن لا يتكلموا العربية، أليس كل شئ عربياً في سوريا الحاضرة والمستقبلية، وهل القوميات الاخرى يؤسسون لشئ غير هذا؟؟؟

وهل بالامكان انشاء منظمات غير قومية وانضمام سوريا اليها، كمنظمة دول حوض المتوسط، أو منظمة دول شرق المتوسط، أو منظمة دول المتوسط المتعدد القوميات.

فالطابع العام على سوريا لا ينفي عروبة الكثير من مفاصلها، وهوية الدولة لا تتوقف على إضافة كلمة العروبة على اسم الدولة، وتكوين الشعب السوري من قوميات متعددة يستدعي أن لا يرافق اسم الدولة بكلمة العربية، كأن يكون الاسم " جمهورية سوريا " مثلاً.

المبادئ العامة الناظمة لدستور جديد لسوريا

يعتبر الدستور القانون الأسمى في الدولة ثم يليه بقية التشريعات في الدولة وسمو الدستور يفرض على السلطة التشريعة أن لا تخالف أحكام الدستور في كافة أعمالها التشريعية حيث لا يجوز للقوانين الصادرة أن تعارض أحكام الدستور، وعادة مايخضع تعديل الدساتير بمدى مرونة وجمود الدساتير نفسها، فكلما كانت الدساتير مرنة كلما كانت تعديلها خاضعاً لإجراءات أسهل من تلك التي بها تعدل الدساتير الجامدة، ولم يعد جائزاً في الدولة الدستورية الحديثة إطلاق كافة مواد الدستور بنفس السوية من حيث التعديل، لأن المواد التي تنص على المبادئ الدستورية العامة يجب أن تبقى محصنة من التعديل كونها مبادئ عامة أصبحت بديهية في كافة الدساتير ولم يعد حولها خلاف في الدول الديمقراطية الحديثة، لذلك يجب أن تكون منصوصة عليها كونها تتعلق بالحقوق التي لا يقبل التنازل عنها وخاصة بعد إعلانات الحقوق والمواثيق الدولية، ولذلك يسميها أو يعتبرها بعض الفقهاء بالمبادئ فوق الدستورية كونها لا تقبل التعديل الذي يلغي مضمونها.

ويمكننا في هذا المجال من تحديد الإطار العام الذي تنص عليه كافة الدساتير في الدول الديمقراطية بحيث تبقى جزئياتها وتفاصيلها الدقيقة في دراسة أشمل وأعمق مع متسع من الوقت للإحاطة بها كاملةً.

إن تعطش الشعوب للحرية لم يأتي من عبث فالثورات الشعبية التي قامت ضد الاستبداد والدكتاتورية كانت تهدف دوماً إلى التحرر ليس فقط من الاجنبي بل من تسلط الحكومات والأنظمة من أجل التمتع بحريتها و تكريس إرادتها الحرة في إختيار شكل النظام السياسي وإختيار ممثليه لممارسة السلطة بشكل ديمقراطي دون تمييز بين المواطنين بسبب الدين أو القومية أو المركز الإجتماعي أو الإقتصادي، وخلال المسيرة التاريخية التي مرت فيها الديمقراطية بدءاً من أفكار الفلاسفة ومن ثم النضال الحقيقي من أجل تكريسها كنظام للحكم الذي انتشر بشكل واسع كفلسفة وكنظام للحكم في الكثير من البلدان، وما زال بعض الشعوب يناضل من أجلها ومنها الشعب السوري الذي سمي ثورته بثورة الحرية والكرامة، فالديمقراطية كنظام للحكم ليس إلا منتوجاً في الأصل لمصلحة الشعب، وعلى الشعب ممارستها، ومنه يجب أن تكون السلطة، وكون الديمقراطية لا تنطوي إلا على الحرية، والمساواة، وضمان الحقوق الفردية بمجملها، أصبحت من المبادئ العامة التي تتضمنها كافة دساتير العالم ـ بغض النظر عن تطبيقها أم لا ـ التي لا تقبل الإلغاء أو التعديل الذي يفرغه من محتواه الحقيقي، فأصبحت ضماناتها من:

 المبادئ الدستورية العامة التي يجب أن تكون ناظمة للدستور السوري الجديد والتي من غير الجائز غيابها فيه، وتتمثل هذه المبادئ في:

1ـ مبدأ سيادة الشعب

2ـ مبدأ الحكومة النيابية

3ـ مبدأ الفصل بين السلطات

4ـ مبدأ علو الدستور

5ـ مبدأ الحقوق والحريات العامة.

ان التصورات التي يقدمها المهتمون في مختلف القضايا قد تنطوي على الصحة والخطأ وخاصة في المواضيع المتعلقة بالعلوم الانسانية، وما تصوري في هذه الورقة إلا دراسة متواضعة أساسها الموروث الثقافي والدراسة الأكاديمية والواقع المعاش والمناقشات الهادئة مع أصحاب الرؤى المختلفة، وبغض النظر عن الرؤى المختلفة ربما بشأنها فهي ستكون نواة لنقاش جاد وخاصة بعض الفقرات المثارة التي لم يتطرق إليها ـ حسب علمي ـ من سبقني في الكتابة عن الشأن السوري، فهناك المواضيع المتكررة التي لم يتم التوافق عليها بعد، وهناك ما هو جديد وإن كان في جزئية من موضوع متكرر وتلك الجزئية أو الجزئيات الغير مألوفة في نقاشات المثقفين والنخبة تشكل الثراء الحقيقي لهذه الدراسة المتواضعة رغم اختزالها الشديد والمكثف، وعسى أن نكون قد قدمنا ما فيه فائدة في مشاركتنا مع نخبة من المهتمين بالشأن السوري من سوريا ومن الدول العربية الشقيقة.

ملاحظة: هذه الورقة تعبر عن وجهة نظري، ولا تعبر عن وجهة نظر المجلس الوطني السوري الذي أعمل في مكتبه القانوني.

(عضو المكتب القانوني للمجلس الوطني السوري)

 

562.

مواضيع جديدة في موقعنا الجديد اضغط هنا


ارشيف
ارشيف

صحافة وإعلام و آراء

كتاب الموقع
عبدالغني ع يحيى
العصر الطيني في العراق.
بنكي حاجو
الكذبة الكبرى
ب. ر. المزوري
النقطة
زاكروس عثمان
أحزاب خارج التغطية
إبراهيم اليوسف
النص الفيسبوكي 2.
عبد عبد المجيد
الفسيفساء السورية
أفين إبراهيم
رضاب الفراش
وزنة حامد
قلق الذات