للأفكار أنواع عديدة، وقد تكون في صيغ مختلفة، ومنها تلك التي لا تتوافق مع الواقع، أو تنضبط بالمنطق... لذا وصفت بتوصيفات عديدة عبر الكلمات المنطوقة أو المكتوبة...منها تسمية: الجدل البيزنطي.. اللغو.. الثرثرة.. السفسطة
محمد قاسم
" ابن الجزيرة "
بلا
شك فإن كل الكلام مهمته توصيل أفكار إلى أذهان أساسا...والغاية من ذلك إما شرح، أو
تفسير، أو توضيح... أو إيصال اقتراح، أو استفسار عن...الخ.
والغالب
هو محاولة إقناع بوجهات نظر محددة ..مهما كانت التسمية..أو التوجهات أو الأهداف
المرجوّ تحقيقها...
لكن
..
للأفكار
أنواع عديدة، وقد تكون في صيغ مختلفة،
ومنها تلك التي لا تتوافق مع الواقع، أو تنضبط بالمنطق... لذا وصفت بتوصيفات عديدة عبر الكلمات المنطوقة أو المكتوبة...منها
تسمية: الجدل البيزنطي.. اللغو.. الثرثرة.. السفسطة ..الكلام الفارغ...الخ.
فكان لا بد من
فرز الأفكار وفقا لمعايير معتمدة تسمى –عادة- معايير منطقية.
هذا في المستوى
العلمي عموما...
أما في المستوى
السياسي فيبدو أن هذه المعايير لا تُعتمد كما هي في حقيقتها، وإنما تُّتخذ –غالبا-غطاء لما يخالف حقيقتها ومرماها.
تتبع السياسة-
في معظم الحالات- نهجا خاصا بها –كما
يبدو- في سياق عملية الإقناع...ويبدو أن الحقيقة ليست مهمة في الخطاب السياسي...وإنما
المهم هو الإقناع بوجهة نظر الطرف الذي يرغب في التأثير على الجمهور
المعني... وهذا ما تعنيه عبارة " السفسطة" تماما:
(لا
توجد حقيقة ثابتة لنصل إليها،لذا فإن الأهم هو التأثير والإقناع).
وإذا كانت
السفسطة -كنهج فلسفي- ناتج بحث وجهود ،
فإن النهج السياسي تعبير عن رغبات، وطموحات، وأنانيات، يختصرونها عادة
بمفهوم"المصلحة" في الثقافة السياسية المهيمنة حاليا في العالم كله. وقد
يطلق الأيديولوجيون عليها تسميات مختلفة ذات بريق وصعق للوعي الشعبي-والشعبوي..
لتحقيق تأثير لا علاقة له بالضرورة بمصالحها..!
من هنا كان
النجاح الأكثر- غالبا- للذي يملك موهبة خطابية اكبر..وحرفية في التلاعب
بالمصطلحات والحقائق عموما. يحصل هذا في الديمقراطيات أصلا –تسخير الموهبة
الخطابية للتأثير.انتخابات أمريكا مثلا.
لكن ما يحصل في
العالم الثالث والشعوب المتخلفة ومنها
الكورد... أنها لا تمارس السياسة على
أساس فهم علمي مدروس...ولا على أساس خبرة مؤهلة ووعي نظري كاف...ولا
إلى مقتضيات الواقع بما تفرض من مواقف بناء على فهمه ومتطلباته...
إنما هي مزيج
من اجتهادات غير موفقة علميا –دعنا نسميها ارتجالية، وأيديولوجية -أيا كانت- غير
مستوفية شروط فهمها النظري، والقابلية للتطبيق العملي إلا بتدخل متعسف
غالبا.
وهذا
يؤدي –باستمرار- إلى نوع من العنف والاستبداد، وإلغاء الخصوصية – الفردية والإثنية
والعقائدية...للمحكومين أو التابعين....وهذا
يعني أن الانفعالات والذاتية عموما–هي المحركة للتفكير والسلوك بحيوية أكبر، وليس الخطاب السياسي بعيدا عن ذلك
وتصبح القوى الانفعالية المؤثرة واحدة من أهم المؤثرات
التي تتجلى من خلال : - الصوت
الأعلى، وتلوين النبرات مع شحنات انفعالية يتفنن الخطباء في محاولة إتقان ما يظنون
انه مؤثر، وغالبا ما يكون مأخوذا في الاعتبار إن الجمهور قليل المستوى في تحصيله
العلمي-الثقافي...أو انه أقرب إلى الأمية إضافة إلى مشكلات نفسية يعاني الكثيرون
منها بسبب الظروف الاجتماعية المتخلفة التي عاشها طوال فترة عقود أو ناتج تأثير
قرون، والسياسيون يعون ذلك ويستثمرونه بدهاء وخبث أيضا.في المجتمعات المتخلفة
خاصة.
-
مخاطبة المشاعر، العواطف،الميول والانفعالات عموما... ومحاولة تسطيح
التفكير، وصعق العقل لتوجيهه لما يخدم غايتهم
في تحقيق التأثير المرجو.
باختصار
يتفننون في تخدير العقول، وتهييج الغرائز والانفعالات والعواطف في اتجاه ما يريدون
.
-
ومن المؤسف فإن مخاطبة العقول هي آخر ما يفكر به هؤلاء الخطباء
الذين يعرفون مدى خضوع هذا الجمهور لضوابط تنظيمية حزبية أو سلطوية–وقد
تكون ترهيبية في شكل ما.
لذا فإن الترويض واحد من الممارسة السياسية باستمرار، بالعمل
على تجريد المرء-الجمهور- من حقه-وقدرته- على التفكير الفردي الحر...وهذا أقل في
المجتمعات المتقدمة بحكم مستوى الوعي الأكثر عمقا وانتشارا.
ويبدو أن من طبيعة البشر أنهم يعتادون ما يعوّدون عليه، حتى وان كان
ضد مصالحهم أحيانا... وقد لجأ بعض الحكام –والمستعمرون- دائما، إلى التخدير العملي
بتوفير مواد مخدرة للشعوب كالأفيون مثلا في الصين عندما كانت مستعمرة.. وكثر
استخدام هذا الاتهام لشباب الثورات العربية بأنهم يتعاطون- أو يعطى لهم- حبوب
الهلوسة...قالها القذافي وورد على لسان بعض المقربين من النظام السوري..و غيرهم.
الخطاب السياسي -إذا- في جوهره، محاولة للتأثير بما يريده
السياسيون من الجمهور الذي اعتاد التصفيق في منطقة الشرق الأوسط،
والمجتمعات المتخلفة عموما، دون تفكير بما يسمع –أو يقرأ- ومدى موافقته للحقيقة
والواقع والمصلحة العامة ...!
يبدو بعض الناس – أفرادا وشعوبا..- وكأنهم يتنازلون -بملء إرادتهم
أحيانا- عن حقوقهم في الخصوصية، والمساواة مع المؤثرين في القرارات السياسية –حزبيون
وحكاما ....الخ- ويسلّمون ذواتهم لقيادة هؤلاء بلا مشاركةـ سوى بعض تعبيرات انفعالية، كالتصفيق والهتافات
والشعارات التي تلقنوها وكأنهم ليسوا سوى قردة تقلد او ببغاوات تردد....
هذا موجود في كل المجتمعات، ولكن المستوى والوتيرة تختلف...فالمجتمعات
المتقدمة والواعية تكون أكثر فاعلية في تنشيط العقل لديها، ووعي المصالح التي
يفترض أنها تعود عليها-أفرادا وجماعات- عبر عملية سياسية يدعو إليها السياسيون
سواء في الانتخابات أو التوجيه نحو موقف أو سلوك.
ولعل ارتفاع السوية الثقافية
-والوعي عموما- في الشخصية الفردية
التي تشعر بذاتها حاضرة حضورا فعليا في التفكير والتعبير والممارسة...هو الذي يحدد
مستوى التفاعل السليم مع كل ما يحاول السياسيون والحكام أن يفعلوه.
m.qibnjezire@hotmail.com