مدخل
يصر المجتمع الشرقي كأفراد ومؤسسات، على اعتماد
(المنطق القديم)، برغم أنه بات منقرضاً في المجتمعات المتقدمة، والمنطقُ القديم يصنـّف
طرفي النزاع؛ هذا على الحق، وذاك على الباطل، وما من حالةٍ وسطى بينهما، ولا زلنا نلمس
هذا التقسيم في نفوس أفراد مجتمعنا وضمن أروقة محاكمنا. بينما (المنطق الحديث) يؤمن
بالنسبية، فيقول إن لهذا الطرف نسبةً كبيرة من الحق، ولذاك الطرف نسبة صغيرة من الحق.
لقد دفعنا التفكير بطريقة المنطق الحديث، إلى إعادة
النظر بما يشاع حول أزمة حرية التعبير في إقليم كوردستان العراق، فكل من نظر في المشكلة
- وبضمنهم المنظمات الدولية - فكّر بطريقة (المنطق القديم)، فاستنتج أن طرفاً على الحق
وآخر على الباطل، وحين نظرنا في الأمر، وجدنا أن الطرفين على الحق بنسب متباينة.
بعد اطلاعنا على مجموعة تقارير من بينها تقرير (مركز
ميترو للدفاع عن حقوق الصحفيين) على سبيل المثال، والذي اعتمدته بعض المنظمات الدولية
المختصة بحرية التعبير، وجدناه يعكس صورة سلبية للقارئ غير المختص، فيولّد في ذهنه
فكرة سوداوية عن حال الصحافة في إقليم كوردستان العراق، وهو ما لا يتطابق كليةً مع
ما وصفه لنا أغلب من التقيناهم في هذا التقرير، برغم أن بعض من التقيناهم يصنف نفسه
على أنه صحفي مستقل - بناءً على عدم انتمائه لنقابة صحفيي كوردستان - ومن بينهم من
تعرض للانتهاكات فحُرِق مقره، أو هُدد بالقتل، أو ضُرب ضرباً مبرحاً، جميعهم يرى أن
حرية التعبير تسير على النهج الصحيح. بل إن مُعد تقرير ميترو شخصياً نفى أن يكون اتهام
ميترو موجهاً إلى رئاسة الإقليم، أو إلى سياسة حكومة الإقليم، بل إنه وصف المخالفات
والانتهاكات المرتكبة ضد الصحفيين في الإقليم، على أنها تصرفات فردية من قبل أفراد
يمثلون السلطتين التنفيذية والقضائية، بسبب سوء فهمهم من جهة، وقلة وعيهم وردة أفعالهم
السريعة تجاه الأحداث الحساسة من جهة أخرى. وقد لاحظ فريق العمل خلال جولته في أروقة
إعلام الإقليم، واطلاعه على آراء المؤسسات والأفراد، عدم رضا الجميع على السياسة التي
اتبعتها الحكومة السابقة من خلال إيقافها دعم وسائل الإعلام ومنظمات المجتمع المدني؛
الأمر الذي أثـّر سلباً على حركة الإعلام، وهم يأملون كل الخير في عودة المياه إلى
مجاريها، واستئناف الدعم خلال المرحلة القادمة، برئاسة الحكومة الجديدة. وعبروا عن
رغبتهم الشديدة، في انبثاق قانون حق الحصول على المعلومة. ولم يفـُتهُم أن يعترفوا
بعدم خبرة الكثير من زملائهم الصحفيين، ممن يحتك خلال عمله بالقوات الأمنية (كالمراسلين
والمصورين) ما يتسبب بردة فعل تجاه الصحفيين من قبل القوات الأمنية، تفسر - من قبل
الصحفيين - على أنها انتهاك للحريات، وهي ليست أكثر من حماية للمصالح العليا، كما يفسرها
رجال الأمن.
من جهتها، ترى السلطة التنفيذية أن كُل من يخالف
القانون أثناء المظاهرات يُعرض نفسهُ للمساءلة القانونية، وأن المظاهرات غير المرخصة
تعتبر غير قانونية، ويفترض أن دور الصحفي في تغطيتها لا يخلق مشكلات، إذا ما تمت تغطية
الحدث بهدوء. وعلى صعيد آخر، شكلت وزارة الداخلية بالتعاون مع نقابة صحفيي كوردستان،
لجنة لمتابعة الصحفيين الذين يتعرضون للتهديد، بغية حمايتهم.
حرية التعبير
1.
يمكن تعريف حرية الرأي والتعبير بالحرية في التعبير عن الأفكار والآراء، عن
طريق كلامٍ أو كتابةٍ أو عملٍ فني، بدون رقابة أو قيود حكومية، بشرط أن لا تمثل طريقة
ومضمون الأفكار أو الآراء، ما يمكن اعتباره خرقاً لقوانين وأعراف الدولة، أو المجموعة،
التي سمحت بحرية التعبير. ويصاحب حرية الرأي والتعبير على الأغلب، بعض أنواع الحقوق
والحدود، مثل حق حرية العبادة وحرية الصحافة وحرية التظاهرات السلمية. إن الحدود التي
ترسمها الدول أو المجاميع المانحة قد تتغير وفقا للظروف الأمنية، والنسبة السكانية
للأعراق والطوائف والديانات المختلفة، التي تعيش ضمن الدولة أو المجموعة، وأحياناً
قد تلعب ظروف خارج نطاق الدولة أو المجموعة دوراً في تغيير حدود الحريات.
2.
ترجع بدايات المفهوم الحديث لحرية الرأي والتعبير إلى العام 1689، حين أصدر
البرلمان البريطاني قانون (حرية الكلام في البرلمان). وعقب الثورة الفرنسية تم إعلان
حقوق الإنسان والمواطن في فرنسا العام 1789 الذي نص على أن "حرية الرأي والتعبير
جزءٌ أساسٌ من حقوق المواطن". ويعتبر الفيلسوف (جون ستيوارت ميل/ 1806 –
1873) من أوائل من نادوا بحرية التعبير عن أي رأي مهما كان هذا الرأي، وكان الحد الوحيد
الذي وضعه ميل لحدود حرية التعبير عبارة عما أطلق عليه (إلحاق الضرر بشخص آخر). ولا
يزال هناك حتى اليوم جدل عن ماهية الضرر، فقد يختلف ما يعتبره الإنسان ضرراً ألحق به،
من مجتمع إلى آخر. وبسبب الهجرة من الشرق إلى الدول الغربية، واختلاط الثقافات والأديان
ووسائل الاتصال الحديثة كالإنترنت، شهد العالم موجة جديدة من الجدل حول تعريف الإساءة
أو الضرر، وخاصة على الرموز الدينية، حيث شهد العالم في أواخر العام 2005 وبدايات العام
2006 ضجة سياسية وإعلامية ودينية واقتصادية، حول ما اعتبره المسلمون الإساءة للنبي
(محمد) عليه الصلاة والسلام، واعتبره العالم الغربي وسيلة في حرية الرأي والتعبير.
الغاية من هذا التقرير
3.
تسليط الضوء بواقعية، على حرية التعبير في إقليم كوردستان العراق.
تعريفات
4.
لغرض تسهيل قراءة هذا التقرير سوف نستخدم المصطلحات المبينة تالياً، لتشير إلى
ما مبين إزاءها من معلومات.
أ. الإقليم: إقليم كوردستان
العراق.
ب. ميترو: مركز ميترو للدفاع
عن حقوق الصحفيين.
الإقليم
5.
للوقوف على خلفيات ما يقدمه هذا التقرير، نجد من الضرورة تعريف القارئ بنبذة
مقتضبة عن هوية الإقليم، ليتمكن من رسم إطار فكري؛ يضمّنه حرية التعبير التي نبحث فيها.
أ.
جغرافياً. تحد (إقليم كوردستان العراق) إيران من الشرق، تركيا من الشمال وسوريا
من الغرب.
ب.
أمنياً. إن حرب الخليج الأولى ما بين إيران والعراق (1980 - 1988)، وحملات الإبادة
الجماعية (الأنفال) سيئة الصيت، وقصف مدينة حلبجة الشهيدة بالمواد الكيمياوية، التي
خاضتها السلطات العراقية ضد الشعب الكوردي، قد أثـّرت على طبيعة السكان في الإقليم.
وتلت ذلك الانتفاضة الشعبية في العام 1991 ضد السلطات العراقية، التي قوبلت بعنف مسلح
لا يتناسب مع شعب أعزل، فاضطر الكثير من الكورد إلى الفرار من البلاد، ليصبحوا لاجئين
في مناطق الحدود مع إيران وتركيا. واستمر الحال حتى أنشِئت منطقة حظر طيران من قبل
مجلس الأمن الدولي، لتسهيل عودة اللاجئين الكورد؛ ما أدى إلى انسحاب قوات نظام صدام
في آب (أكتوبر) 1991، وترك المنطقة لتعمل بشكل مستقل بحكم الواقع.
جـ. علاقة الإقليم بالعراق. حتى ساعة كتابة
هذا التقرير يعلن المسؤولون الكورد على اختلاف مستوياتهم، أن إقليم كوردستان جزءٌ لا
يتجزأ من العراق الموحد، لكنه يدير شؤونه بنفسه. والدستور العراقي الذي أقِر في العام
2005 يحدد الإقليم ككيان اتحادي في العراق، ويضع اللغة الكوردية - لغة الشعب الكوردي
- لغة رسمية للعراق إلى جانب اللغة العربية.
د.
معلومات عامة. عاصمة الإقليم هي مدينة (أربيل) التاريخية، والمعروفة في الإقليم
باسم (هَولير)، وبحلول العام 2009، وبحسب تقديرات صندوق النقد الدولي، بلغ عدد سكان
الإقليم ضمن مدن أربيل، سليمانية ودهوك (4864000)، إذ تبلغ نسبة الفتيان والفتيات
- دون سن الخامسة عشرة - حوالي 40٪ من إجمالي السكان. والعرقية في الإقليم متنوعة،
حيث تشمل الكورد، العرب، الآشوريين، التركمان، الأرمن، الشبك، اليزيدية والغجر والشركس
والصابئة المندائيين. واللغات الرسمية في إقليم كوردستان هي الكوردية والعربية، والكوردية
هي اللغة الأكثر انتشاراً، ولهجاتها الرئيسة الـ(سورانية) والـ(بادينانية). وثمة من
يتحدث الآشورية (نيو آرامية) والمندائية (نيو آرامية) والأرمنية والتركمانية كل ضمن
مجتمعه. والدين السائد هو الإسلام، ومعظم معتنقي هذا الدين ينتمون الى المذهب السُني.
كما تنتشر الديانة المسيحية - يلتزم بها الآشوريون والأرمن والبعض من الكورد والتركمان
- والديانة اليزيدية والمندائية ودياناتٌ أخرٌ تجد أتباعها في الإقليم. ويرى عضو البرلمان
البريطاني (روبرت هالفون) أن "منطقة كوردستان أكثر تقدمية من البلدان الأخريات،
في الشرق الأوسط".
هـ. التجربة الديمقراطية. تجري الانتخابات
في الإقليم كل أربع سنوات، وقد جرت آخر انتخابات لبرلمان كوردستان في يوم 25 تموز
2009. وتكوّن التحالف السياسي البارز في القائمة الكوردستانية من الحزبين السياسيين
الرئيسين، (الحزب الديمقراطي الكوردستاني) جذوره في مدينة أربيل، و(الاتحاد الوطني
الكوردستاني) جذوره في مدينة سليمانية، بالإضافة إلى الاتحاد الإسلامي والجماعة الإسلامية،
وبرزت حركة كوران - تعني باللغة العربية (التغيير) - ككيان سياسي جديد له مناصروه،
حيث بدأ يمد جذوره في مدينة سليمانية إذ يصنف على أنه انشقاق عن (الاتحاد الوطني الكوردستاني).
وفي الانتخابات الرئاسية فاز السيد (مسعود بارزاني) رئيساً، لفترة ولاية ثانية في العام
2009، بحصوله على 70٪ من الأصوات. وتجري الانتخابات لمجالس المحافظات كل أربع سنوات
في الإقليم، حيث عقدت آخر انتخابات مجالس محافظات كوردستان في العام 2009.
و.
واقع الإعلام في الإقليم. ثمة أكثر من 800 وسيلة إعلام في الإقليم، تتوزع ما
بين أكثر من 408 (جريدة ومجلة)،
و26 قناة فضائية، و85 راديو، و70 تلفازاً محلياً و25 مكتب فضائية عالمية وأكثر من
200 موقع إلكتروني. ومن بين هذا العدد الهائل تصنف نفسها كوسائل إعلام مستقلة، كل من
جريدة (هاولاتي) ومجلة (لفين) وجريدة (آوينا)، وفضائية (NRT). ومن خلال معادلة
رياضية بسيطة، سوف نلمس حجم التضخم الذي تشهده الساحة الإعلامية في الإقليم؛ فإذا ما
علمنا أن الشعب الكوردستاني يناهز الخمسة ملايين، فإن:
5.000.000 نسمة ÷ 800 وسيلة إعلام = 6.250 نسمة مقابل
كل وسيلة إعلام.
بافتراض معدل متوسط عمر الإنسان (70) عاماً، يكون
عدد الفئات العمرية في حال احتسبناها عشر سنوات لكل فئة كالآتي:
70 ÷ 10 = 7 فئات عمرية من ذوات العشر سنين.
الفئة الأولى لا تتابع الإعلام، لأنها دون عمر المتابعة،
والفئة الأخيرة لا تتابع لأسباب صحية نفسية وبدنية، لذا يتبقى لدينا خمس فئات، وبذا
يكون الحاصل كالآتي:
6.250 نسمة مقابل كل وسيلة إعلام ÷ 7 = 893 مواطن
في كل فئة × 5 فئات تتعامل مع الإعلام = 4465 مواطن تستهدفه كل وسيلة. وهو رقم متدني
للغاية، إذا ما علمنا أن المعدل الذي تستهدفه وسيلة الإعلام يتراوح ما بين مائة ألف
إلى مليون نسمة، في الدول النامية، وما بين مليون إلى خمسة ملايين في الدول المتقدمة،
وفقاً للإحصائيات العلمية. وهذه المعادلة الحسابية تدل على أننا أمام تضخم إعلامي يشهده
الإقليم، نتج عن:
أولاً. التطور الاقتصادي في الإقليم، الذي
تطلّب ظهور وسائل إعلام تروج له.
ثانياَ. التطور الفكري والسياسي للأفراد والمؤسسات،
الذي تطلّب وسائل إعلام تروج له وتدافع عنه.
ثالثاً. التطور الاجتماعي، الذي تطلّب وسائل
إعلام تحافظ عليه وتكسبه هويته.
ولم يكن لهذا العدد الهائل - نسبياً - من وسائل الإعلام
أن ينشأ لو لا وجود قوانين تسهل عملية تأسيس وسيلة إعلام، وممارسة نشاطاتها. أما القيود
التي تضعها القوانين في حال تأسيس أية وسيلة إعلامية، فهي قطعاً تتواءم مع القضية الأمنية
العامة والثقافة الاجتماعية التي يتسم بها جمهور الإقليم.
ز.
قوانين إعلامية. فيما يخص الإعلام، صدرت في الإقليم القوانين التالية، بحسب
اطلاعنا عليها:
أولاً. في يوم 22/4/1998، تأسست (نقابة صحفيي
كوردستان)، وعملت وفق القانون الرقم (4) لسنة 1998م.
ثانياً. في العام 2004م، صدر القانون الرقم
(40) تحت عنوان (قانون نقابة صحفيي كوردستان)، والذي اعتبر قانون التعديل الأول لقانون
النقابة الرقم (4) لسنة 1998م، المذكور آنفاً.
ثالثاً. في العام 2008م، صدر القانون الرقم
(35) تحت عنوان (قانون العمل الصحفي في كوردستان).
تعتبر كل هذه القوانين تقدمية، وهي تراعي حقوق الصحفي
وتفسح المجال أمامه واسعاً، وتحاول الحفاظ على الموروث الوطني من المساس الخاطئ الذي
قد يلحق به من جراء سوء فهم بعض الصحفيين.
ح.
موازنة مضطربة. بحسب رأي صحفيين خبراء فإن أكثر من 95% من الصحفيين العاملين
في إقليم كوردستان هم غير مهنيين ولا أكاديميين. وأكثر من 90% من وسائل الإعلام في
الإقليم تابعة للأحزاب السياسية. وهذه أرقام خطيرة، إذا ما وضعت إزاء القوانين التي
تطلق الصلاحيات للصحفيين والتي تطرقنا إليها آنفاً. وتفرض هذه القوانين غرامات صغيرة،
إزاء أخطاء كبيرة، مثل البند (أولاً) من المادة (9) من القانون الرقم (35) والذي ينص
على أن: (يغرم الصحفي ورئيس التحرير بمبلغٍ لا يقل عن مليون دينار ولا يزيد عن خمسة
ملايين دينار عند نشره في وسائل الإعلام واحداً مما يلي:
أولاً. زرع الأحقاد وبذر
الكراهية والشقاق والتنافر، بين مكونات المجتمع.
ثانياً.
إهانة المعتقدات الدينية،
أو تحقير شعائرها.
ثالثاً. إهانة الرموز والمقدسات الدينية، لأي
دين أو طائفة، أو الإساءة إليها.
رابعاً. كل ما يتصل بأسرار الحياة الخاصة للأفراد،
ولو كانت صحيحة، إذا كان من شأن نشرها الإساءة إليهم).
في حين نصت المادة (12) من القانون ذاته، على أن
(لا يُعمل بأي نص يتعارض وأحكام هذا القانون) ما يؤيد دعم القانون للصحفيين، واضطراب
المعادلة الواضح للعيان. ويجدر أن نشير إلى أن مبلغ الغرامة (مليون - خمسة ملايين)
يقارب (800 - 4000) دولار أمريكي.
السلام والكرامة
6.
من خلال تطبيقها لكافة القوانين التي صدرت ضمن إطار حقوق الإنسان، تسعى المنظمات
الدولية في عملها إلى تحقيق هدفين لا ثالث لهما:
أ.
السلام. من الواضح أن تحقيق هذا الهدف مناط بالحكومات أكثر منه بالأفراد، فالسلطة
التنفيذية في أي بلد هي المسؤولة مسؤولية مباشرة عن توفير السلام لمواطنيها، وحين تسعى
السلطة لتحقيق السلام تواجه مطبات كثيرة يسببها أفراد أو مؤسسات، حتى أن السلطة تجد
نفسها أحياناً متأهبةً للحرب من أجل الحفاظ على السلام. وقد تجد السلطة من الضرورة
تقييد بعض الحريات في أوقات محددة، من أجل الحفاظ على السلام، وهذا الأمر ملموس في
أكثر الدول ديمقراطية وحرية.
ب.
كرامة الإنسان. وهي أمر كفله الدستور للمواطن، ونصت عليه القوانين المنبثقة
عن الدستور بعبارات صريحة غير قابلة للتأويل، والمشكلة في كل زمان ومكان هي تطبيق القانون
من قبل أفراد هم رجال سلطة من جهة، ومواطنون من جهة أخرى. فحين يعترض تطبيق نص قانوني
مع نفوذ شخص أو مؤسسة ما، تجده يخطئ باللاوعي سهواً أو عمداً في تنفيذ هذا القانون،
فالمصلحة الكبرى (مصلحة البلد/ الأمن القومي/ التقاليد المقدسة) تحتم عليه أن يقف بصلابة
أمام كل ما من شأنه خلخلة الموروث. وهذا من حقه المشروع، إذا ما علمنا أنه يزن الأمور
بميزان واحد لا يتغير، والمفروض أن يطلع - وهو العالم بالقضية أكثر من خصمه - على ميزان
الطرف الآخر.
تقرير ميترو
7.
نشر (مركز ميترو للدفاع عن حقوق الصحفيين) تقريره السنوي للعام 2011، والذي
ضمّنه "الانتهاكات التي تعرض لها الصحفيون والقنوات الإعلامية في إقليم كوردستان"،
وقد اعتمدت الكثير من المنظمات الدولية، ما جاء في هذا التقرير، كدليل قاطع لديها على
انتهاك الحريات الفكرية في الإقليم، دون الرجوع إلى خلفيات مهمة تبني عليها تقاريرها،
ودون التأكد من صحة ما ورد في تقرير ميترو، الذي بيّن في فقراته أنه هو ذاته غير متأكد
من صحة ما أورده في فقرات تقريره. وتضمن التقرير العديد من الأخطاء الفنية والقانونية،
أهمها الخطأ المحوري الذي وقع فيه معد التقرير، حين قال في فقرة (ملاحظة): "جميع
الانتهاكات الواردة في هذا التقرير، تم أخذ المعلومات حول الانتهاك وطريقة حدوثه من
أفواه الصحفيين الذي وقع الانتهاك بحقهم". والخطأ هو أن (الانتهاك) يمارس من قبل
الحكومة أو من قبل شخص يمثل الحكومة، أما ما يمارس من قبل الأشخاص الآخرين – كالمواطنين
– فيسمى (مخالفة) وللمخالفة نصوص قانونية خاصة تعالجها، بهذا احتوى التقرير على الكثير
من المخالفات، صنفها على أنها انتهاكات. ومن الأخطاء الأخرِ التي ميزناها في تقرير
ميترو، ما يأتي:
أ.
لا يحتوي التقرير على أدلة واضحة، تفيد بالأعمال التي حصلت ضد الصحفيين.
ب.
لم يبين التقرير الإجراءات الحكومية تجاه الأحداث، إذ اكتفى بعرض وجهة نظر واحدة،
وهذا مناقض للحيادية التي تتميز بها التقارير المهنية.
جـ. في أية فقرة من فقراته، لم يبين التقرير
فقرة الجسر (العلاقة السببية والنص القانوني المنتهك) التي لا بد أن ينص عليها في تقارير
انتهاك حقوق الإنسان، وهي من أهم أركان التقرير التي لم تراعَ.
د.
أغلب من تعرضوا للانتهاك أو المخالفة لجأ إلى مركز ميترو - بحسب ما جاء في التقرير
- ولم يلجأ إلى الجهات الرسمية الحكومية لتسجيل شكاواهم، كمراكز الشرطة والمحاكم.
هـ. يتهم التقرير بشكل مباشر وشامل السلطة
التنفيذية في الإقليم، ويبين عدم مهنيتها، وعدائيتها للصحفيين. كما يتضح من خلال استخدام
كلمة هجوم الدخيلة في عبارة: "وأثناء قيام القوات الامنية بالهجوم على المتظاهرين
لإنهاء اعتصامهم في ساحة (سراي) وسط مدينة سليمانية، اصيبت مراسلة جريدة هاولاتي (جنور
محمد أمين) بجروح نتيجة طلق ناري، وفي نفس هذا الهجوم، جرح الصحفي (هاوري خليل) بطلق
ناري ايضاَ" وكان الأجدر أن تستخدم عبارة (فض التظاهرة)، أو (مواجهة المتظاهرين)،
فإنما وضعت كلمة (هجوم) في القاموس، لتدل على "صفحة من صفحات المعركة بين عدوين
متقاتلين".
و.
في ما يزيد على 60 فقرة من الفقرات لم يبين التقرير أسباب الاعتداء على الصحفي،
ولا طريقة الاعتداء ولا نتائجه، ولا هوية المعتدي، حتى في الفقرة التي تبين أن المعتدى
عليه هو مدير إدارة مركز ميترو الذي أعد التقرير. ومثال على الغرابة إحدى الفقرات التي
نصت على أنه في "يوم 3 أيار وبقرار من قاضي التحقيق تم اعتقالي ومصادرة آلات وأدوات
العمل الصحفي الخاصة بي". انتهت الفقرة، دون أن تبين هوية المتحدث.
ز.
ورد في التقرير ضمن توصيات ميترو من أجل تحسين ظروف عمل الصحفيين في إقليم كوردستان:
"لا يجب على الصحفيين سواء العاملين منهم في الصحف الحزبية او المستقلة، ان يكونوا
(سباقين) لإثارة العنف، أو يساهموا في الحضور لتغطية المظاهرات غير المرخصة، لأن ذلك
يشكل انتهاكاً للقانون الرقم/35 لسنة 2008 من (قانون العمل الصحفي في كوردستان)".في
حين أن أغلب المخالفات والانتهاكات التي طالت الصحفيين في التقرير، حدثت خلال مظاهرات
غير مرخصة، وبهذا فهي كما أشار معد التقرير تعتبر خرقاً للقانون الرقم/ 35 لسنة
2008.
زيارة إلى ميترو
8.
خلال زيارة المنظمة إلى ميترو، أكد منسق ميترو (رحمن غريب) أن الإقليم يوفر
فسحة من الحرية والصحفيون يمارسون عملهم ضمنها، لكن المشكلة بحسب قوله أن ثمة
"أناس يعيشون بعقلية قديمة لا تؤمن بحرية التعبير، ويواجهون ما يخالف آراءهم بمواجهة
صلبة". وبين رحمن أن "القانون 35 جيد جداً لكنه غير محترم من قبل السلطات
التنفيذية". وعن سبب انتشار المخالفات والانتهاكات في سليمانية أكثر منها في أربيل،
عزا رحمن سبب ذلك إلى كون سليمانية "مركز الصراع السياسي في الإقليم، وفسحة الحرية
فيها أكبر، وأحزاب المعارضة أكثر".
9.
حين سألنا رحمن عن تعريفه للانتهاك أجاب أن "كل خلاف لحقوق الصحفيين هو
انتهاك، ومنع الصحفي من تغطية فعالية يعتبر انتهاكاً، وأي تجاوز على حقوق الصحفي هو
انتهاك" وأضاف أن "ثمة انتهاك لا يحتاج إلى دعوى قضائية" وأكد أن
"ليست هنالك من دعوى في المحاكم رفعت خلال العام 2011 لصالح صحفي وربحها".
رحمن غريب: "أي تجاوز على حقوق الصحفي هو انتهاك"
10. عن الأخطاء الكثيرة التي وقع فيها معد
التقرير قال رحمن إن "تجربة التقرير حديثة وهي الأولى من نوعها" في ميترو.
وقد أكد (آوات علي) عضو الهيئة الإدارية الذي حضر اللقاء أن "الوقت الذي أنجز
فيه التقرير كان ضيقاً جداً"، ولم يبين الأسباب التي دعت إلى سرعة إنجاز مثل هكذا
تقرير مصيري مهم. بينما أشار رحمن إلى أن "المعلومات جمعت بشكل سريع، وأعد التقرير
في وقت ضيق" وأن "التقرير تضمن انتهاكات بحق صحفيين حزبيين ومعارضين"،
وأوضح أن "الصحفيين الحزبيين يواجَهون بالضرب من قبل المتظاهرين الذين يعتبرونهم
جواسيس يساعدون الجهات الأمنية بالتعرف على المتظاهرين لاحقاً". كما لمّح رحمن
إلى وجود "أخطاء" فادحة "في الترجمة". ومن وجهة نظره الشخصية قال
رحمن "هذه الانتهاكات ليست سياسة رسمية للإقليم أو لرئيس الإقليم بل هي مجرد تصرفات
أشخاص" مشيراً إلى أفراد في السلطات التنفيذية.
11. على صعيد آخر أكد رحمن أن "الصحفي
يعاني من هبوط الوعي القانوني فهو يتقدم بشكواه إلى ميترو بدل أن يلجأ إلى القضاء"
وبين آوات أن ميترو افتتح مؤخراً (مركز الحماية القانونية للصحفيين) بالتعاون مع (منظمة
تنمية الديمقراطية وحقوق الإنسان IMS) وأسس ميترو خطوطاً هاتفية
مجانية ساخنة في الإقليم وفي بغداد".
12. من الأخطار التي أشار إليها رحمن
"وجود أشخاص يمتهنون بيع بطاقات اشتراك هاتفية (سيم كارت)، تعود لشركات الموبايل
– في أربيل يبيعون بطاقات آسيا سيل، وفي سليمانية يبيعون بطاقات كورك – وهي بطاقات
غير مسجلة في الشركة، ومهربة بطريقة ما، ما يؤدي إلى امتلاكها من قبل أي شخص بثمن زهيد
واستخدامها بعد ذلك لتهديد صحفيين، دون التمكن من تتبع الرقم ومعرفة مالكه"، وبهذا
يوجه الصحفي الاتهام إلى السلطات الأمنية، بالتغاضي عن متابعة هؤلاء الأشخاص، فيدخل
الأمر في إطار الانتهاك.
آوات علي: "الوقت الذي أنجز فيه التقرير كان
ضيقاً جداً"
شهود عيان
13. من ضحايا المظاهرات، كانت (جنور محمد
أمين) حاضرة في اللقاء مع ميترو، وأكدت أنها بدأت العمل كمصورة صحفية في يوم 17 شباط
2011، وفي يوم 17 نيسان 2011، كانت ترافق المتظاهرين كمصورة، فطلب منها أحد المتظاهرين
مرافقته إلى شارع (بيرمير) لتصوير عدد من جرحى المظاهرة وهناك أمام الفرع الرابع للحزب
الديمقراطي الكوردستاني، تقول جنور "رأيت بعض الشباب ضُرب وبعضهم ألقِي القبض
عليه، وحاولت الحفاظ على نفسي، فدخلت الفروع الجانبية وكانت قوات أسايش قريبة مني،
فحاولت أن أذهب إلى جهتهم لتصوير المتظاهرين من ناحيتهم، فبدأ إطلاق النار تجاهي فأصبت
بأصابع كفي اليمنى، وكنت أرى مطلق النار من خلال العدسة".
جنور محمد أمين: "كنت أرى مطلق النار من خلال
العدسة "
ناليا
14. (ريبوار رحمن) مدير البرامج في قناة
ناليا (NRT)، التي عدها "أولى قناة
إخبارية سياسية مستقلة مدعومة من القطاع الخاص"، بين لنا تفاصيل الحادث الذي تعرضت
له القناة يوم 17 شباط 2011، فقال: "انطلقت مظاهرات تنتقد الفساد وسوء الخدمات
الإدارية، فانتقل بعض المتظاهرين إلى شارع سالم، وحدثت هناك مواجهات ما بين المتظاهرين
والحراس، فأطلقت النيران، وسقط الجرحى، وأصدرت المعارضة بياناً طالبت خلاله بإصلاحات
سياسية وإدارية، فتولد اتفاق بين المؤسسات الإعلامية بعدم بث الحدث. لم تكن هناك قنوات
مستقلة سوانا، فالكل مدعوم من الأحزاب أو المعارضة، لذا قررنا نقل الحدث وعدم الانخراط
في الاتفاق كوننا صحفيين مهنيين محترفين، ولا بد أن يعرف المواطن ما يحدث لا كما نريد
نحن أو يريد البعض. فبثثنا الخبر، من الساعة التاسعة مساءً حتى الثانية عشرة ليلاً،
ونقلنا الأحداث في شارع سالم، وفي مناطق أخرٍ. لم تحدث مشكلة ليلتها، ولكن في اليوم
التالي ظهرت ردود أفعالٍ على البث، علماً أننا اقتصرنا على البث دونما تعليق. وفي الليلة
الثالثة بدأت تردنا التهديدات من جهات لم نستطع تحديدها. وبعد أن استمر البث 15 ساعة،
أصبحت التهديدات أكثر جدية، وأعلنا أننا تحت الضغط. وبعد منتصف ليلة 19 – 20 شباط،
بعشرين دقيقة اقتحمت مجموعة تتألف من (50 – 60) مسلحاً ملثماً يرتدون زياً أسودَ، مسلحين
بشتى أنواع الأسلحة، كان في القناة حرس واحد، أطلقوا عليه النار، ثم حطموا الأجهزة
بالإطلاقات النارية، وأحرقوا المبنى، وكان الخدم في غرفة معزولة ولا يزالون حتى الساعة
يعانون من رهاب الحادث، وقد احترق ستة أشخاص من المسلحين أثناء الحادث" ما أدى
إلى كشف النقاب عن هوية المجموعة المسلحة. أضاف ريبوار، أنه "بعد مرور سنة على
الحادث أعددنا فيلماً وثائقياً عن الحادث، ونوينا بثه لكننا فوجئنا بتشويش على القناة،
قبل بدء البرنامج بربع ساعة"، وحول القضية ومجرياتها القانونية أكد ريبوار قائلاً
"حتى الآن لم تحسم المحكمة قضيتنا، لدينا دعاوى ضد أشخاص والقضية في مرحلة تمييز
بعد أن أفرِج عن المتهمين، ولا نريد إلا أن يأخذ القانون مجراه".
ريبوار رحمن: "لا بد أن يعرف المواطن ما يحدث
لا كما نريد نحن أو يريد البعض"
لفين
15. يرى (أحمد ميرة) رئيس تحرير مجلة (لفين)
أن حرية التعبير في منظوره الشخصي هي "إطار عام ليعبر الصحفي من خلاله عن آرائه
دون تهديد وعواقب أمنية أو سياسية أو قضائية أو قبلية أو دينية" ويجد أن
"الصحافة في الإقليم تعاني من مشكلات خطيرة أبرزها أمنية من وراء الكواليس الديمقراطية"
و"التهديدات مستمرة، عبر وسائل الاتصال" وأكبر خطر يواجهه الصحفي "العواقب
القانونية حيث تقام الشكاوى القانونية بإطار خارجي وفي مضمونها تكون شكاوى سياسية،
لتضع في المحصلة عراقيل أمام حرية الصحافة في الإقليم" ويؤكد أحمد أنه "حتى
هذه اللحظة ليس من قانون للحصول على المعلومة في الإقليم "وإن "قام موظف
بإعطاء معلومة لصحفي فإنه يتعرض للمحاسبة". مثال ذلك "قبل شهرين نشرنا وثائق
لمكتب تنظيم الحزب الديمقراطي الكوردستاني حول ممتلكات المكتب، وإثر ذلك تم اعتقال
موظفي المكتب بتهمة تسريب المعلومات للصحافة". وعن مشكلته التي نشرها ميترو قال
أحمد "في يوم 25 نيسان 2011 تلقيت تهديداً بالقتل من قبل وزير بيشمركة، وسجلت
دعوى ضده وحتى اليوم فإن القضاء لم يستدعِ الوزير".
أحمد ميرة: " الصحافة في الإقليم تعاني من مشكلات
خطيرة"
16. عن تطور الحركة الإعلامية في الإقليم
قال أحمد إن الصحافة في حقبة السيد (نيجيرفان بارزاني) انتعشت وازدهرت، وبين أن
"باب الحوار قد فـُتح في زمن نيجيرفان، ونجح الرجل في عمله، بينما دكتور برهم
قاطع الصحافة الحرة والمعارضة فخسر"، وأصر أحمد على تسمية العام 2011 بالعام الأسود
للصحافة في الإقليم، وتنبأ أن يكون العام 2012 شبيهاً بسلفه. وعن توقعاته حول مستقبل
الصحافة خلال السنوات المقبلة قال: "بحسب الدعاية السياسية فإن وضع الصحافة سيكون
جيداً جداً، ولكن ما من إشارة على أرض الواقع حتى الآن".
17. مشكلة اقتصادية كبيرة تواجه الصحافة
المستقلة في رأي أحمد، "تلك التي خلقها الحزبان أمام بيع الصحف المستقلة، كمنع
بيع مجلة لفين في (بادينان)، إضافة إلى ذلك فإن الإعلانات ممنوعة عن المجلات الحرة،
إذ يقتصر نشر الإعلانات الحكومية على الصحف الحزبية".
هاولاتي
18. يرى (كمال رؤوف) أن حرية التعبير مقيدة
بحسب قوانين البلد، ويقول إن "القانون الرقم (35) لدينا في الإقليم بيّن حقوق
الصحفي، وآلية عمله، لكننا وجدنا أن هذا القانون حبرٌ على ورق، وقد تحدثت مع كبار المسؤولين
كرئيس الوزراء ورئيس البرلمان حول التعديلات الموجِبة للقانون، وكانوا في كل مرة يعِدوننا
لمعالجة القضية، ولكن بلا حلول ملموسة". ويضيف يائساً "قبل شهرين جلست مع
الرئيس طالباني ووضحت له الحال وحمّلته المسؤولية، وقال لي اعطني فترة لمعالجة الحال،
لكن الأوضاع بقيت على حالها، وقد لاحظنا ما حدث في يوم 17 شباط، من أحداث قاسية طالت
العديد من الصحفيين". وأشار إلى أنه يتصور "ثمة تراجع في أفكار الأحزاب السياسية،
بصدد الحريات والإعلام، وليس من حل بأيدينا سوى النصح الذي نوجهه لهم". وعن اللجان
التي تتشكل في وزارة الداخلية قال كمال "نحن لا نعتدّ بها، لأنها لم تقدم شيئاً
على مدى سنين حتى الآن، وهي عموماً بجانب السلطة لأنها نابعة عنها". ولتعزيز الثقة
في هذا الجانب، يرى كمال أن اللجنة "يجب أن تتشكل من أشخاص متابعين للقضية، وأن
تكون اللجنة دائمة وتتألف من قضاة وصحفيين".
كمال رؤوف: "القانون الرقم (35) حبرٌ على ورق"
19. لا يعترف كمال بنقابة صحفيي كوردستان،
لأنه ليس عضواً في النقابة، بل يصنف نفسه على أنه "مستقل"، ويرى أن انضمامه
للنقابة يجرده من الاستقلالية التي يتمتع بها، وقال "القانون (35) ينظـّر على
أن النقابة تدافع عن الصحفيين، لكننا نجد على أرض الواقع نقابة حزبية، لا تملك حلولاً
جذرية خصوصاً مع المستقلين".
20. عن العلاقة مع الحكومة يقول كمال
"إن الإدارة الحقيقية للسلطة بيد الأحزاب (الحزب الديمقراطي الكوردستاني في أربيل،
والاتحاد الوطني الكوردستاني في سليمانية) أما المؤسسة الحكومية فإنها رمزية، ولا تتدخل
لحل مشكلاتنا، والحكومة تضغط علينا لاستنزاف طاقتنا، فحين ترفع دعاوى ضدنا تقام الدعوى
في محاكم بعيدة عنا، فنذهب من (سليمانية) إلى (زاخو)، وتؤجل الجلسة لأسباب فنية، ثم
إن الحكومة في دعاواها ضدنا تطالب بتعويضات خيالية – نسبياً – الأمر الذي يرعب الصحفيين
الشباب. وأحياناً يستخدم القانون العام لمحاسبتنا، بينما لدينا قانوننا الخاص".
21. لغرض "الهيمنة على الاقتصاد"
يجد كمال أن "الحكومة وزعت الإعلانات على وسائل الإعلام الخاصة بها وهي الصحف
الحزبية، برغم أننا نمتلك الحق بنشر هذه الإعلانات لدعم مؤسساتنا".
22. طالب كمال بالعون من برلمان كوردستان
ومن المنظمات الدولية، لتفعيل القانون المرقم (35)، وسن قانون حرية الحصول على المعلومة،
لأن الموضوع يشكل "خطورة" بحسب رأيه.
سفيل
23. من وجهة نظر أخرى يجد (بيستون نوري)
رئيس تحرير مجلة سفيل، أن "الإقليم ينعم بحرية تعبير حيث نجد العشرات من الصحف
والمجلات والفضائيات، وهذا شيء حسن"، وقال "أنا كرئيس تحرير مجلة لدي الحرية
في كتابة أي شيء بدون أن تفرض أية جهة قيداً عليّ فيما أكتب، ما دمت ألتزم بالضوابط
العامة" وأضاف "منذ عشر سنوات وأنا أمارس العمل الصحفي، وأشعر أن أمامي مساحةً
واسعةً من الحرية" لكن العقدة في رأي بيستون تنحصر في "حاجة الإقليم إلى
صحفيين ذوي مستوى عالٍ من المهنية والخبرة، لإدارة العمل الصحفي" وأشار إلى أن
الساحة تشهد صحافة حزبية وصحافة مستقلة، لكن الجمهور يفضل الصحافة المستقلة، وهذا
– قطعاً – لا يتعارض مع وجود متابعين للصحافة الحزبية".
بيستون نوري: " لدي الحرية في كتابة أي شيء"
24. وأشار بيستون إلى وجود مشكلتين
"الأولى في الصحفيين أنفسهم الذين يمارسون لعبة التشهير بالسياسيين، والثانية
في عدم توفر المعلومات وانعدام الشفافية حول تلك المعلومات، والخلل تتحمله الحكومة
بعدم توفيرها المعلومات بشكل سلس، والصحفي ليس لديه عدو ما، ولا يواجه مشكلة ما، بل
كل همه أن تتوفر له المعلومات ويلاقي احترام السلطات التنفيذية خصوصاً في الشارع أثناء
ممارسته أعماله".
25. المشكلة الأكبر في رأي بيستون أن
"الحرية قد أسيء فهمها خطأً من قبل بعض رؤساء التحرير من ناحية، ومن قبل بعض أفراد
الحكومة من ناحية أخرى إذ يتصور الأول أنه حر بلا قيود فيما يقول، ويتصور الثاني أنه
حر بل قيود فيما يصدر من أحكام.
نقابة صحفيين كوردستان
26. (آزاد حمد أمين) نقيب صحفيي كوردستان،
وهو محامٍ متمرس، يجد أن "المهنة لا بد أن تزاول ضمن قانون، وقانون نقابتنا هو
القانون (35) الذي تولّد عن قوانين سابقة له، وهو من مكتسبات النقابة، ومشروعنا الحالي
هو كيفية تنظيم مهنة الصحافة".
آزاد حمد أمين: "القانون/35 من أهم مكتسبات
النقابة"
27. يقول آزاد "شكّلنا لجنة للدفاع
عن حرية الصحفيين في نقابتنا، وهي تقدم تقاريرها إلى المنظمات الدولية، وقد استضفنا
مؤخراً خبيراً لتدريب مجموعة من الصحفيين حول (كيفية تنظيم عقد عمل صحفي) ليحيا الصحفي
حياةً لائقة" وأكد آزاد أن النقابة "تعمل بموجب سياقات لا بموجب شعارات".
28. حول ضرورة الانخراط في النقابة، قال
آزاد بصفته متمرس في المهنة القانونية "المحامي لا يستطيع أن يمارس مهنته ما لم
ينتمِ إلى نقابة المحامين، وكذلك الطبيب والمهندس" وبيّن أن النقابة "مع
الحرية الكاملة للصحفيين، لكنها جزء من الحرية العامة" وقال "نحن مجتمع أمامنا
تحديات أخلاقية ووطنية".
29. عن تقرير ميترو قال آزاد "إن ميترو
أخذ نسخة من تقريرنا وقد قامت (شبكة ميديا) بعقد حلقة دراسية حرة (وورك شوب) جمعت خلالها
ميترو ومراكز أخراً وأثبتت أن ميترو نقل تقريرنا حرفياً وأضاف عليه زيادات من عنده".
30. حول هوية الصحفي في الإقليم قال آزاد
"الصحفي هو من يمارس مهنة الصحافة ويشترط أن ينتمي إلى وسيلة إعلام معتمدة لدى
النقابة، وفقاً للقانون الرقم/ 35".
31. عن الخلل في تطبيق القانون/ 35، يقول
آزاد "ثمة سوء فهم في الأمر لدى البعض، فحين يقدم صحفي إلى القضاء بتهمة مدنية،
كأن تكون ديون مترتبة على ذمته لم يسددها، نجد القاضي يحاكمه بديهياً بقانون العقوبات،
وإثرها تصدح بعض وسائل الإعلام بأن القانون (35) غير مفعل". من ناحية أخرى فإن
القاضي في بعض الحالات يرى من المصلحة العامة أن يطبق قانون العقوبات بدل القانون
(35) في حالات محددة.
روداو
32. رئيس تحرير جريدة (روداو) يرى أن الصحافة
الكوردية مرت بظروف متفاوتة قبل نشوء الصراع الداخلي في العام 1994، ويقول (آكو محمد)
"كانت هناك بوادر لحرية التعبير، وثمة صحف تنشر انتقادات للسلطة. وبعد الصراع
انكمشت حرية التعبير وكنا نلاحظ أن الجو مشحونٌ، ولا يسمح بنشوء أرضية مناسبة لحرية
التعبير". وأضاف آكو "بعد اتفاقية واشنطن العام 1998 بدأت بوادر حرية التعبير
بالظهور، فبعد سنتين صدرت صحف جديدة لم تتحدث بلسان حال الأحزاب، ومن حينها حتى الآن
نشهد تطوراً ملحوظاً في حرية التعبير"، وبرهن على قوله موضحاً "في بعض الأحيان
نجد صحفاً تصدر في الإقليم، لو أنها صدرت في دول متحضرة فلن يحالفها الحظ، وستدخل في
محاكمات كثيرة، لأنها لم تستند في نشرها إلى حقائق أو مستندات".
33. من جانب آخر أكد آكو أنه "في ذات
الوقت فإن الحكومة حين تقوم مظاهرة لا تنظر إلى وسائل الإعلام على أنها جاءت لتغطية
الحدث، بل تعمل على أنها هي من ساهم في إقامة المظاهرة وفجر الحدث، وحينها نجد انتهاكات
واضحة تجاه الصحفيين، باختصار فإنني أقول إن هذه الحالة هي حرية خارجة على القانون،
فالقانون الساري في الإقليم لم يعطِ الصحفي أية حرية، في حين نجد الصحفي يمارسها".
34. عن القانون (35) قال آكو "يمثل
هذا القانون تقنيناً للحرية التي سادت وهي حالة جيدة لأن أية حالة غير منصوص عليها
بقانون ستواجه تحديات من قبل أي شخص، وهي حالة مطمئنة للصحفي وفي مجمله أراه قانوناً
جيداً، برغم أنه لا يخلو من شوائب ومآخذ". وعن آلية تطبيق القانون أوضح آكو
"المواطن له الحق في أن يطالب بالمحاكمة وفق قانون العقوبات العراقي، وليس وفق
القانون 35، وحتى الآن يدور جدل في أروقة المحاكم هل القانون 35 ملزِم لمحاكمة الصحفيين
أم للمشتكي الحق باللجوء إلى قانون آخر؟ هناك مسائل انتهاك الأمن القومي والآداب والأخلاق
لم يتطرق إليها القانون 35 والحقيقة أنها كانت موجودة في مسودة القانون وأزيلت ضمن
حملة نظمت ضد القانون من قبل بعض الصحفيين إبان إقراره، فوقعوا في فخ نصبوه لأنفسهم.
وفي هذه الحالة ثمة قانونيون يقولون لا نستطيع محاكمة الصحفي ضمن القانون 35 لأنه لا
ينص على هذه الأبواب".
آكو محمد: "في مجمله، أرى القانون/ 35 قانوناً
جيداً"
35. عن رأيه في النقابة قال "تعاني
النقابة من خلل كبير، فمن خلال متابعتي لنقابة الصحفيين المصريين كنت ألمس منافسة شديدة
حقيقية داخل النقابة، أما في الإقليم فقد أسست النقابة على توافق حزبي. وهذا لا يعطينا
الحق بأن نقول إن النقابة لم تعمل، بل هي عملت ودافعت عن الصحفيين، والقانون الرقم
35 من مبادراتها وهناك لجنة للدفاع عن حقوق الصحفيين في النقابة ترصد الانتهاكات بدقة
أكبر من المنظمات المختصة الأخر، المشكلة في النقابة تكمن في أنها بنيت على أساس التوافق
الحزبي، وهذا لا يتناسب مع الواقع الصحفي".
الاتحاد الإسلامي الكوردستاني
36.
بقناعة يقول دكتور (صلاح الدين بابكر)
الناطق باسم (الاتحاد الإسلامي الكوردستاني) إن "حرية التعبير في الإقليم بصورة
عامة في وضع مناسب، وإن كانت حرية غير متكاملة لكنها موجودة لا يمكن إنكارها، والصحفي
ينتقد السلطة بحرية، ويضع النقط على الحروف، ولا يتعرض للاضطهاد ما دام سائراً على
منهج مستقيم في عمله. باختصار فإن حرية التعبير اليوم أحسن منها بالأمس، خصوصاً بعد
ظهور الإعلام الحر، وأرى أن وسائل الإعلام المستقلة سوف تفرض نفسها يوماً بعد آخر،
والقانون في الإقليم يحمي الحرية ولا أحد يتمكن من تقييد الصحفي ما دام القانون بجانبه".
37. عن القانون المرقم 35، يرى صلاح الدين
أن "القانون جيد في صياغته، لكن الخلل يكمن في آلية التنفيذ، إذ نجد المحاكم لا
تأخذ به برغم أنه قانون منبثق عن برلمان كوردستان وقد صادق عليه رئيس الإقليم، المشكلة
تنبري في عكوف القضاة على تطبيق قانون العقوبات العراقي الذي انبثق عن الأنظمة السابقة،
والأمر أشبه بجرّاح وضعت بين يديه أجهزة إلكترونية متطورة، إلا أنه يصر على استخدام
المبضع والمقص!".
صلاح الدين بابكر: "حرية التعبير غير متكاملة
لكنها موجودة لا يمكن إنكارها"
38. عن المشكلة التي تعرض لها مقر الاتحاد
نهاية العام الماضي، وطالت مبنى الإذاعة ومكتب الإعلام في الاتحاد الإسلامي الكوردستاني،
قال صلاح الدين "في يوم 2 كانون الأول 2011، تعرضت مقراتنا في (بادينان) للحرق
دون أي مبرر الأمر الذي أثـّر على علاقتنا مع الحزب الديمقراطي الكوردستاني، حزب السلطة
المسيطر على المنطقة، وبعد شهرين من الحادث اعتذر منا الأمين العام للحزب السيد (نيجيرفان
بارزاني) رسمياً عن الحادث، وعقب ذلك اتخذت إجراءات إدارية بحق كل من تورط في الحادث،
ووعد الأمين العام أنه سيحقق في الموضوع ويحاسب المسؤولين عن الحادث بموجب القانون
وتتخذ الإجراءات الحاسمة لئلا تتكرر مثل هذه الحال، والأمر اليوم بيننا وبين الحزب
الديمقراطي في طور العلاج، فكل ما طالبنا به هو معالجة الحادث، وقد وعدنا بمعالجة ناجعة".
حل النزاعات
39. (خضر دوملي) حاصل على ماجستير في دراسات
السلام وحل النزاعات من جامعة دهوك سألناه عن تعريفه الشخصي لحرية التعبير، وكيف يرى
حجم حرية التعبير في الإقليم فأجاب "أعتقد ان حرية التعبير هي المجال الواسع الخاص
بإمكانية ممارسة العمل الصحفي بحرية، وفق الاسس المهنية، والتي تكون ضمن أطر قانونية
يمارس فيها الصحفي عمله بحرية دون خوف، ولكن بشرط ان يراعي فيها الاخلاقيات والأسس
المهنية.
40. "أعتقد ان حجم حرية التعبير في
الإقليم يزداد توسعاَ يوماً بعد آخر، وأن الحرية التي يمارس فيها الصحفيون عملهم تأخذ
آفاقاً واسعة ويتمثل هذا التوسع في عدة مجالات سواء من خلال العدد الكبير من المطبوعات،
او من خلال الكتابات التي تنتقد الحكومة، بشكل فاعل ومؤثر دون مراعاة لأية خصوصيات
شخصية او اعتبارات اجتماعية ووطنية وقومية".
خضر الدوملي: "حجم حرية التعبير في الإقليم
يزداد توسعاَ يوماً بعد آخر"
41. حرية التعبير في اقليم كوردستان الان
تمر بمرحلة مهمة لا يمكن الاستخفاف بها، لأن الصحافة أصبحت قوة، وخاصة بعدما رأت الاحزاب
السياسية أهميتها وقوة تأثيرها، ولجأت إلى إنشاء صحف كثيرة موالية لها، أصبحت نافذة
لنشر العديد من القصص والأخبار والتقارير، وبدأت تنافس الصحف والمجلات الأهلية.
42. عن تأثير واقع المجتمع على تطبيق الحرية
قال "اعتقد أن واقع المجتمع يؤثر بشكل وبآخر على تطبيق الحريات؛ إذ يراعي الكثير
من الصحفيين الاعتبارات الاجتماعية في الكتابة، الى درجة أن بعضهم يقوم بتغيير الوقائع
حيناً، وأحياناً أخراً بإخفائها، بسبب تماسها بشخصيات اجتماعية وهذا يؤثر بشكل كبير
على نوعية وقيمة العمل الصحفي".
43. ان تطبيق معايير الحرية الصحفية ليس
كما يتصورها البعض، من أنها وفق مفهوم حرية التعبير الغربية، إنها على العكس من ذلك.
فحرية التعبير في كل مكان وزمان واحدة، لكنها تتأثر بالاعتبارات الاجتماعية، ولا يزال
مجتمعنا غير مؤهل بشكل جذري في تقبل حرية التعبير وممارستها بشكلها الأكمل. برغم انه
بدأ بتطبيقها خطوة خطوة بشكل بطيء، إلا أنه لا صحة لما يشاع بأن حرية التعبير موضة
غربية، بل هي إطار قانوني وأخلاقي، ونحن في الطريق الى تعلمها، وستأخذ المسألة وقتاً
ليس بالقصير لكنها ماضية لا محالة برغم طبيعة الصراع، ما بين من يطبقها ومن يرفضها،
أو من هو ليس مستعدا لتقبلها.
44. حول تصرف السلطات تجاه الصحفيين في
الإقليم وصف خضر الحال فقال "بتصوري إن عمل هذه الجهات تجاه الصحفيين يتذبذب،
ما بين مد وجزر وكثيراً ما تكون الاخطاء التي يرتكبها الصحفيون عاملاً مساعداً، لكي
تستغل في الاساءة للصحفيين او مضايقتهم أيضا ولكن بطبيعة الحال، كلما مارس الصحفيون
عملهم وفق اسس مهنية، كلما ضيقوا المجال امام تلك الجهات في الوقوف بوجههم، مع الاخذ
بنظر الاعتبار، أنه كثيراً ما تحدث بعض الممانعات تجاه الصحفيين في الاقليم، من قبل
قوات الأسايش والشرطة، بسبب عدم درايتهم بقوانين العمل الصحفي من جهة، وجهلهم بأهمية
وآليات العمل الصحفي، وأهميتها كوسيلة لتنمية وتطوير المجتمع، ومراقبة بقية السلطات.
45. عن القانون/35 الخاص بالعمل الصحفي،
وأن ثمة من يدعي أنه حبر على ورق، بيّن خضر "لا يمكن التجني وأخذ الأمر بعمومية
بهذا الشكل لأن هذا القانون بدأ يأخذ مجراه الطبيعي شيئاً فشيئاً، مع وجود الكثير من
المعوقات، ولا يزال بحاجة الى الكثير من التوعية بسبب طبيعة العمل الصحفي في الإقليم،
التي يطغى عليها الطابع الحزبي حيث لا تطبق كافة مفردات القانون، ليس من قبل السلطة
فحسب، بل حتى من قبل المؤسسات نفسها، لذلك فإن القول أنه حبر على ورق لا يشمل جميع
الحالات والأحوال، فكثيرا ما لاحظت ان القانون كان عاملاً مساعداً للصحفيين، كي يتخلصوا
من مضايقات السلطة وتنصفهم المحكمة. ولكن الامر لا يزال بحاجة الى المزيد من التوعية
والجهد حتى يتحقق الهدف منها بشكل اكبر.
46. يعتقد خضر أن "الامر المهم في
مجال حرية التعبير هو ضرورة صياغة وتشريع (قانون حرية الحصول على المعلومات) والتوعية
له وعنه في جميع المؤسسات، حتى تكتمل العملية، ويأخذ العمل الصحفي مجراه الصحيح. ويتحول
الصحفي شيئاً فشيئاً إلى سلطة رابعة، ويتم احترام وصيانة حرية التعبير من قبل كافة
الجهات دون أية اعتبارات، وفق القانون، حتى تساهم الصحافة بشكل فعال بتنمية وتطوير
المجتمع، وتصبح رقيباً حقيقياً على بقية السلطات. ومن المهم جداً ان تقوم الحكومة بتدريب
وتوعية موظفيها بأهمية الصحافة، ومنحها حرية العمل وفق القوانين، ومد الصحفيين بالمعلومات
الصحيحة كي تنقل الصورة الحقيقية للمواطن، مع التأكيد على أهمية قيام الحكومة بالتوصية
والتأكيد على السلطة التنفيذية، وخاصة الشرطة والأسايش على مساعدة الصحفيين لأنهم سلطة
مكملة لهم، وأن يكسبوهم كأصدقاء لا كمنافسين، لأن الطرفين يخدمان ذات الشعب. إلى جانب
ذلك فإن الحكومة مطالبة بتدريب ملاكاتها العاملة في وحدات الإعلام، على كيفية التعامل
مع وسائل الاعلام والصحفيين بشكل مهني وفعال. ويبقى ثمة أمر هام، وهو ضرورة توعية السلطة
القضائية بمجملها، بأهمية تطبيق كافة معايير حرية التعبير، وتنفذ مقررات قانون العمل
الصحفي بشكل فاعل، دون التأثر بأية اعتبارات دينية أو سياسية أو قومية أو حزبية، بل
تطبيق القانون بعدالة، على الجميع دون تحيز او تمييز".
تجربة فريدة
47. يقول القاضي (شهاب احمد ياسين) رئيس
(محكمة قضايا النشر والإعلام) في بغداد خلال لقاءٍ أجريَ معه: "محكمة قضايا النشر
والإعلام، محكمة حديثة النشأة، أنشأها مجلس القضاء الأعلى بموجب بيانه القضائي بالعدد
1/ 8/ ق/ أ في 11 تموز 2010 لعدة معطيات فرزها الواقع العراقي... إذ وجدت عشرات القنوات
الفضائية العراقية ومئات الصحف والمواقع الالكترونية والإذاعات العراقية، وهذا واقع
يحتاج إلى نهوض قضائي يوازيه، ففي عصر الديمقراطية هناك رأي ورأي آخر وحرية رأي وحرية
تعبير، وبدأ الحديث عن حرية الإعلام وحرية الصحافة، وحق الإعلام في الحصول على المعلومة
وحق النقد المباح... وهناك آراء كثيرة تطرح وقضايا جسيمة تناقش يوميا لذلك وجد المجلس
بأن من المفيد قانوناً تأسيس هذه المحكمة تحقيقاً لمبدأ التخصص في العمل، وهذا مبدأ
عالمي أصبح لا غنى عنه في كافة المجالات، حيث انتقل العالم من فكرة الشمول في العمل
الى التخصص الجزئي الدقيق". وبيّن أن "المحكمة تقوم على قسمين، قسم مدني
ينظر إلى المطالبات المدنية والدعاوى المدنية التي يقوم بها الأفراد بعضهم على بعض،
بغض النظر عن هوية الفرد، إن كان إعلامياً أو غير ذلك، ما دامت القضية تتعلق بقضايا
النشر والإعلام. وقسم جزائي فيه فرع تحقيق وفرع جنح ينظر بمخالفات وجنح قضايا النشر
والإعلام وهذا الوجود اقتضاه الواقع وأهمية الموضوع وأهمية أشخاصه. فأشخاصه هم السلطة
الرابعة، ويجب ان تكون هنالك محكمة تعرف من هو الواقف أمامها، وتعطيه حقه من حيث المقام
والموضوع، وهذا لا يخل بمبدأ مساواة الجميع امام القانون، اضافة الى ان التخصص والعلم
ديدن مجلس القضاء الأعلى... وهذه مسألة صحية من الناحية القانونية والقضائية، وينفرد
بها عن اغلب دول العالم، وهي موجودة عربياً في لبنان منذ سنة 1976، وعالمياً في بريطانيا".
شهاب احمد ياسين: "محكمة قضايا النشر والإعلام،
تحقيق لمبدأ التخصص في العمل"
48. عن القوانين التي تعمل وفقها المحكمة
أوضح القاضي شهاب أن المحكمة "تعمل وفق القوانين العراقية، كالقانون المدني وقانون
المرافعات، وقانون الإثبات وقانون العقوبات في المسائل الجزائية، وقانون الأصول، وقوانين
موضوعية مثل قانون المطبوعات الرقم (206) لسنة 1968، وقانون الإيداع الرقم (73) لسنة
1970، وقانون نقابة الصحفيين وقانون حماية حقوق الصحفيين الرقم (21) لسنة
2011".
49. عن دور المحكمة قال: "لقد أعطِيت
المحكمة دوراً كبيراً في رفض اغلب القضايا التي قدمت، لأنها قدمت دون سند قانوني لها،
ونجد ان الخبر او تدفق المعلومات هو حق للصحفيين، يكفله القانون، وفيه نصوص تحميه...
الى جانب ذلك لدينا دستور عراقي ولدينا قانون الاتحاد الدولي للصحفيين وفيه كثير من
المبادئ، ولدينا إعلان المبادئ العالمي للعمل الصحفي، والذي صدر عن الاتحاد الدولي
للصحفيين العام 1954 المعدل العام 1986، وهناك عهود دولية وحقوق مدنية وسياسية واجتماعية
وغيرها، هذه كلها والدستور والإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والمواثيق الدولية، تسهم
في الوصول الى القرار العادل في القضية ويتم تطبيقها بحيادية متناهية".
50. عن آلية العمل قال القاضي شهاب
"المحكمة فيها مكتب لتسجيل الدعاوى ومكتب للأرشيف وللخزن وتوثيق الاحكام، لدينا
ملاك من الموظفين لإتمام هذه المهمة، وعملية التفريغ أقوم بها أنا شخصياً، ولدينا جهات
ساندة مثل نقابة الصحفيين العراقيين ودار الكتب والوثائق وهيئة الاتصالات والإعلام
- دائرة الرصد الإخباري، وعندما يقدم لي احدهم قرص (سي دي) ويقول لي: ان هناك مثلا
حلقة نقاشية في القناة الفلانية، أفرغ القرص وأبعثه للرصد الإخباري، وأطلب منهم التاريخ
المعين، ولا أقوم باستدعاء أي صحفي او إعلامي محترم من دون ان أجد مجموعة من الأدلة
تؤيد طلب الاستدعاء، وكلها من جهات ساندة؛ هكذا تعمل المحكمة".
51. عن جلسات القضية يقول القاضي شهاب
"أنا أتأكد بدءً من صحة الشكوى، ومن ثم ابعث إلى الصحفي. فانا عندما اسمع الاستدلال،
ولا ارى عليه اية دلائل، لا استدعي الصحفي. وفي كثير من الاحيان، رؤساء التحرير لا
يسمعون بالقضية إلا بعد غلقها، وبعد مجيء الطرف الاخر للتمييز، ويتم التصديق على القرار...
وهذا واجبي وانا استلم مرتباً عن هذا الفعل".
52. عن فروع المحكمة يقول: "المحكمة
مركزية في بغداد فقط، ولا أعلم عن الإقليم... وهذه المحكمة جعلت الآخرين في دول اخرى
يرغبون في الاطلاع على التجربة والخبرة، وهذه المحكمة بموجب قانون الاثبات، سواء في
الجانب المدني او الجزائي... ومعظم خبراء المحكمة هم اساتذة في الجامعات، رؤساء تحرير
وكتاب عراقيين يتم انتدابهم وبعد اطلاعهم على الدعوى يصدرون تقريراً فنياً، والصحفيين
يجدون ان من يشترك في اصدار الحكم هم اهل المهنة أنفسهم، ولكن القول الفصل للمحكمة،
لأن رأي الخبير استشاري".
53. عن الدورات التثقيفية والتعريفية قال
"مجلس القضاء الاعلى أقام العديد من الورش والندوات، كما ان معهد التطوير القضائي
اقام الكثير منها"، بغية تطوير العمل والاحتكاك بذوي العلاقة.
54. وحول ما إذا تعرضت مؤسسة إعلامية الى
ابتزاز او اهانة وتهديد قال القاضي شهاب "يأتي الشخص ويقيم دعوى ضد الشخص الذي
اهانه او هدده، فمثلا اذا كان هناك شخص يهددك لأنك اعلامي وبسبب عملك في الإعلام، تستطيع
ان تقاضيه سواء في الجانب المدني او القضائي، فعندما تنظر المحكمة في دعواك وتقبل بها،
تعطيك الحق، وهذه من الخدمات التي تقدمها المحكمة". وإذا كان الصحفي موظفاً في
وزارة معينة ونشر خبراً "يهم الوزارة التي ينتمي لها وتناقلته العديد من الجهات
وتناقلته الصحيفة التي يعمل فيها، فليس له علاقة بالموضوع، أ هو من سرب الخبر أم مصدر
الخبر، لذلك الموضوع ليس له علاقة بالجانب الوظيفي من ناحية القضاء، طالما لم يقع فعل
مخالف للقانون".
55. "المحكمة نظرت في أكثر من 300
دعوى وأغلب هذه القضايا المحسومة كانت لمصلحة جهات الإعلام والصحافة بعد تطبيق معيار
العمل الإعلامي والصحفي مع الاستعانة بالخبراء المتخصصين في هذا الشأن، أما الدعاوى
المتبقية فهي في دور تمام التبليغ وجمع الاستدلال والوقوف بشأنها الى جهة الشكوى، وهذه
الدعاوى أقيمت من رجال سياسة وحكومة وجهات برلمانية... وبلغت نسبة حسم الدعاوى فيها
98% واكتسبت قراراتها الدرجة القطعية، وشهدت المحكمة مرافعات ومحاكمة عادلة وشفافة
في الجانب الإعلامي والصحفي، وأهل المهنة يشهدون بذلك.
56. في حال نشر صحفي موضوعا يتعلق بكشف
ملفات فساد ورفعت دعوى قضائية ضده من الجهة المتهمة فإن "نقابة الصحفيين من الممكن
ان تتولى هذا الامر وتوكل له محامياً، كما ان هناك قانون المحاماة العراقي، ويستطيع
الصحفي إن يراجع نقابة المحامين، لانهم لديهم لجنة الانتداب يطلقون عليها المعونة القضائية
في مثل هكذا قضايا وفي حال عدم تمكنه من تحمل تكاليف المحامي، فان المحكمة تصدر امرا
بالمعونة القضائية له، ولا تستوفي منه أية رسوم، وهذه مؤمّنة في القانون العراقي".
57. التثقيف والتوعية في الجانب الاعلامي،
يؤدي الى التقليل من عدد القضايا في هذا المجال، هذا ما أكده القاضي شهاب وقال
"نحن كمجلس قضاء قائمين بهذه المسألة، ونحتاج الى مؤازرة الجميع من أجل هذا التثقيف".
رأي برلماني
58. يرى عضو برلمان كوردستان السيد (قادر
حسن قادر) أن الصحفي: "لم يُعرّف حتى الآن بصورة واضحة... وباستثناء من هم صحفيون
حقيقيون يعملون ضمن قيم ومبادئ الصحافة، فإن كل من حمل قلماً وورقة اعتبر نفسهُ صحفياً،
مستفيداً من عصر الحرية التي نعيشها الآن، وراح يتدخل في الشؤون الداخلية للأفراد،
وهذا العمل مُخيف في مجتمعنا".
قادر حسن قادر: "كل من حمل قلماً وورقة اعتبر
نفسهُ صحفياً"
59. حول المشكلات التي تنشأ بين الصحفي
والجهات الحكومية قال "أنا لم أشهد يوماً صحفياً اعتذر ممن أساء إليه، بينما يطلب
الصحفي من عضو البرلمان أو المسؤول أو الوزير أن يعتذر إذا اخطأ"
60. عن مصادر الأخبار المعتمدة في الإقليم
قال: "يعتمد صحفيو الإقليم في أخبارهم على مصادر غير صادقة، إذ يجب ان تكون مصادر
الصحفي واقعيةً وقويةً كي يستطيع ان يحافظ على مصداقية الخبر. واذا عرّض الصحفي مصداقيته
للمساءلة فإنه سيكون آن ذاك مشكوكاً به".
61. وحول عدم رضا الصحفيين عن آلية تطبيق
القانون/35 قال "بتصوري لا يوجد قانون يرضى به الناس تماماً في العالم كله، ونلاحظ
القبول بالقانون يتراوح ما بين 70-80 % وهذا نسبة جيدة ومقبولة".
62. عن الحرية التي تمارس في صحافة الإقليم
قال "بصورة عامة اصبحت الصحافة في الإقليم ذات حرية مطلقة، وبات لهذه الحالة تأثيرها
السلبي، وبقناعتي فإن في الدول النامية والدول المتطورة على حد سواء، هناك خطوط حمر
لبعض المسائل، كالأمن القومي والإرهاب. لذا يجب ان لا تتعجل الصحافة في طرحها، وتراعي
المصلحة العامة".
63. عن حق الحصول على المعلومة أكد أن
"الكل له الحق في الحصول على المعلومات، وفي كل بقاع العالم اذا بلغت المعلومة
خطاً أحمر تشاهد الباب مغلقاً بوجهك، فمثلاً باب البنتاغون (وزارة الدفاع الأميركية)
مفتوح لحد معين، لإعطاء معلومات ما، ومغلق بعد ذلك حين تخص المعلومات الامن القومي".
رأي وزارة الداخلية
64. لمعرفة الرأي الآخر، وتسليط الضوء على
تعامل الاجهزة الامنية مع الصحفيين في الإقليم؛ التقينا بوزير الداخلية السيد (كريم
سنجاري) وسألناه عن أسباب تعرض الصحفيين اثناء المظاهرات للاعتداء من قبل قوات الشرطة
والأسايش، ومنعهم من التصوير وتغطية الخبر، فأجاب: "أثناء المظاهرات فإن كُل من
يخالف القانون يُعرض نفسهُ للمساءلة القانونية، بناءً على تنظيم المظاهرات الرقم
(11) للعام 2010، ونلاحظ بعض المراسلين والإعلاميين اثناء تغطيتهم الخبر لا يحملون
الهوية التعريفية الخاصة بهم، وهنا تعترضهم قوات الشرطة أو الأسايش للتأكد من سلامة
موقفهم، وبدورنا دائماً - اثناء اجتماعاتنا معهم - نطالب رجال الشرطة والأسايش بالتعاون
مع الإعلام والصحفيين".
65. عن رؤية وزارة الداخلية لتغطية المظاهرات
غير المرخصة من قبل الصحفيين، وآلية التعامل معها قال: "المظاهرات غير المرخصة
غير قانونية، اما دور الصحفي في تغطيتها فلا يخلق مشكلات، إذا ما غطى الحدث بهدوء.
ومن البديهي، فإن الاعلاميين والصحفيين يقومون بتغطية المظاهرات المرخصة وغير المرخصة،
بصورة طبيعية وبمطلق الحرية، ومثال على ذلك المظاهرة في منطقة (بادينان ) في يوم 2
كانون الأول 2011، فعلى الرغم من أن المظاهرة كانت غير مرخصة، كان الصحفيون يغطون المظاهرة
وينتقلون بحرية مطلقة داخل المتظاهرين".
كريم سنجاري: "شكـّلنا لجنة لمتابعة الصحفيين
الذين تعرّضوا للتهديد"
66. لتمييز الصحفي من غير الصحفي اثناء
المظاهرات، إشكالية تواجهها القوات الأمنية، إذ بيّن أن "هذه المشكلة تعاني منها
قوات الشرطة والأسايش، لذا طلبنا من وسائل الإعلام تزويد مراسليها ومصوريها بهويات
تعريفية صادرة عنها، أو توجيههم بارتداء ملابس خاصة تميزهم عن المتظاهرين".
67. حول الاجراء المتخذ حين يتعرض الصحفي
للتهديد قال: "في وزارة الداخلية وبالتعاون مع نقابة صحفيي كوردستان، شكلنا لجنة
لمتابعة الصحفيين الذين تعرضوا للتهديد، ونطالب الذين يتعرضون للتهديد إعلام مراكز
الشرطة او وزارة الداخلية بذلك، بهدف اتخاذ الاجراءات القانونية بحقهم، سواء أ كان
الذي يقوم بالتهديد من جهة الشرطة او المحكمة أو أي جهة كانت".
68. عن ظاهرة بيع أرقام الهاتف المسربة
من شركات الهاتف النقال، والتي تباع بدون مستمسكات رسمية لشخص المشتري قال: "موضوع
بيع وشراء ارقام الموبايل عمل تجاري، أما اذا تعرض شخص من خلال الموبايل الى معاكسات
فعليه تقديم شكوى للشرطة، حتى نستطيع إلقاء القبض على هؤلاء الذين يزعجون المواطنين.
وقد ألقينا القبض على العديد من المعاكسين، من خلال ورود الشكاوى إلينا، وذلك بناءً
على القانون الرقم (6) للعام 2006".
69. عن إمكانية التعويل على خط ساخن يفتح
بين مكتب الوزير ورؤساء التحرير أكّد قائلاً: "لدينا خط ساخن مع المواطن ورؤساء
التحرير، مفتوح يومياً وأبوابنا مفتوحة باستمرار، وللاطمئنان اسألوا الصحف والقنوات
بذلك. نحن الآن بصدد إعلان عدد من ارقام الهواتف وصندوق شكاوى مع وضع إيميل خاص، كي
يستطيع كل مواطن ايصال شكواه".
الاستنتاجات
70. من خلال تحليل ما جاء في التقرير آنفاً،
يمكن التوصل إلى الاستنتاجات الآتية، وتذييلها بالوصايا والحلول المقترحة:
أ.
لا يزال مجتمعنا غير مؤهل بشكل جذري في تقبل حرية التعبير وممارستها بشكلها
الأكمل، برغم انه بدأ بتطبيقها خطوة خطوة بشكل بطيء، ولا صحة لما يشاع بأن حرية التعبير
موضة غربية، بل هي إطار قانوني وأخلاقي، ونحن في الطريق الى تعلمها، وستأخذ المسألة
وقتاً ليس بالقصير لكنها ماضية لا محالة برغم طبيعة الصراع، ما بين من يطبقها ومن يرفضها،
أو من هو ليس مستعدا لتقبلها.
التوصية: تعريف المجتمع بماهية حرية التعبير، والحدود
الواجب رسمها حوله، بما يتوافق مع ثقافة المجتمع وهوية الدولة والأمن القومي، ويأتي
هذا التعريف عبر وسائل الإعلام، ومن خلال التجمعات الجماهيرية كالندوات والمؤتمرات
والدورات التدريبية التي تقام لموظفي الدولة.
ب.
غالبية الصحفيين تعاني من هبوط في الوعي القانوني، فكل من تعرض للانتهاك أو
المخالفة لجأ إلى مركز ميترو، ولم يلجأ إلى الجهات الرسمية الحكومية لتسجيل شكاواه؛
كمراكز الشرطة والمحاكم.
التوصية: إقامة دورات تدريبية وعقد ندوات وحلقات
دراسية حرة، يديرها قانونيون لتدريب الصحفيين على القانون العام والقانون الخاص بالعمل
الصحفي، من أجل إكساب الصحفيين ثقافة قانونية، تمكنهم من التعامل مع القضايا التي تعترض
عملهم.
جـ. يرى بعض الصحفيين أن الجهات الأمنية
معادية لهم إذ تمنعهم من الحصول على المعلومة، ويرى بعض رجال الأمن أن الصحفيين ينوون
فضح دولتهم، لذا فالعداء متبادل.
التوصية: جلسات الحوار المشتركة، وتبادل الزيارات
الميدانية لساحتي عمل الطرفين، كفيلة بأن تذيب هذا الجليد الذي أنشأه قصر النظر وسوء
الفهم.
د.
لم يقدم مركز ميترو أدلة واضحة، تفيد بما صنـّفه انتهاكات مورست ضد الصحفيين،
ولم يبين الإجراءات الحكومية تجاه الانتهاكات، وعانى تقريره من خلل فني حيث لم تتكامل
فقراته.
التوصية: تقييد نشر التقارير المكتوبة بطريقة غير
متقنة من قبل وسائل الإعلام والنشر، وتدريب من يبتغي كتابة التقارير على أسس وأساليب
الكتابة الصحيحة.
هـ. برغم كل ما قدمه ميترو من (انتهاكات)
اعترف ضمن توصياته بأنه "لا يجب على الصحفيين... ان يكونوا سباقين لإثارة العنف،
أو يساهموا في الحضور لتغطية المظاهرات غير المرخصة، لأن ذلك يشكل انتهاكاً للقانون
الرقم/ 35 لسنة 2008 من (قانون العمل الصحفي في كوردستان)". في حين أن أغلب المخالفات
والانتهاكات التي تضمنها تقرير ميترو حدثت خلال مظاهرات غير مرخصة.
التوصية: توجيه الصحفيين باستمرار، على ضرورة الحذر
من أية ساحة تشهد أعمال عنف خلال ممارسة عملهم، لئلا يتورطوا في إثارة العنف، وتجنب
ذلك بكل الأشكال خلال كتاباتهم وطروحاتهم، والتركيز على المهنية والحيادية، وصولاً
إلى تقنية العمل الذي يدرأ بالصحفي عن المخاطر.
و.
يجهل أكثرية الصحفيين التعريف الرسمي الدولي لحرية التعبير، ويجهلون أيضاً التمييز
ما بين (الانتهاك) و(المخالفة)، ويظن أغلبهم أن القضاء في الإقليم غير مستقل. كما يجهلون
كتابة التقارير الرسمية، وهذا ما اعترف به معد تقرير ميترو لكنه برغم ذلك كتب تقريره.
التوصية: يقع على عاتق نقابة صحفيي كوردستان، بالتعاون
مع ذوي الاختصاصات القانونية والاجتماعية والنفسية، توجيه أعضاءها وتدريبهم وتوضيح
الصور الغائمة لهم، ويقع على عاتق الصحفي من جهته تطوير قدراته وإمكانياته، ليتمكن
من العمل بالشكل السليم.
ز.
تعتمد المنظمات الدولية على أي تقرير يردها من المنظمات المحلية، والأجدر أن
تعتمد التقارير التي تكتب بطرق مهنية.
التوصية: يمكن رفع دعاوى قضائية ضد المنظمات الدولية
التي تنشر تقارير غير مهنية وعارية عن الصحة، ويمكن فتح قنوات رسمية متزنة مع المنظمات
الدولية، لسد الطريق أمام المنظمات التي تكتب تقارير ركيكة.
ح.
يعترف الصحفيون الذين ناهضوا الانتهاكات، أن هذه الانتهاكات ليست من سياسة الإقليم
كبرلمان وحكومة، بل هي تصرفات فردية، تحسب على القيادة من خلال نظرة شمولية.
التوصية: تنمية الوعي الوطني، والحث على تمحيص الحقائق،
وانتقاد الأشخاص المتسببين بالضرر تحديداً، ودرء التهم عمن هم أبرياء منها، يجب أن
تكون من الأولويات خلال العمل الصحفي.
ط.
من الأخطار الكبيرة وجود أشخاص يمتهنون بيع بطاقات (سيم كارت موبايل) غير مسجلة
في شركات الاتصالات، ومهربة بطريقة ما، تستخدم لتهديد صحفيين، دون التمكن من تتبعها
فيوجه الاتهام إلى السلطات الأمنية، بالتغاضي عن متابعة هؤلاء الأشخاص، ويدخل الأمر
في إطار الانتهاك.
التوصية: محاسبة هؤلاء الأشخاص، وتتبع من يقف خلفهم.
ي.
يجهل الصحفيون الميدانيون (المراسلون والمصورون) وسائل العمل في الظروف الصعبة،
ومنها التعامل مع القوات الأمنية أثناء المظاهرات؛ الأمر الذي يتسبب بتعرضهم للخطر
كونهم يسيئون التصرف - سهواً - خلال المظاهرة.
التوصية: تدريب الصحفيين على أسس العمل في البيئات
الخطرة، وتدريب رجال الأمن على كيفية التعامل مع الصحفيين خلال الاحتكاك بهم، واستصدار
بطاقات خاصة للصحفيين الميدانيين، لتعريف رجال الأمن بهم، والسماح لهم بتغطية الأحداث.
ك.
بات قانون حق الحصول على المعلومة هاجساً يؤرق الصحفيين في الإقليم، وما من
صحفي قابلناه إلا وأكد على الحاجة الملحّة لانبثاق هذا القانون.
التوصية: سن القانون من قبل برلمان كوردستان.
ل.
خلال السنوات الخمس الأخيرة، عانت صحافة الإقليم من اختلال، تسببت به حكومة
الإقليم، من حيث الإدارة والدعم والتطوير، فازدهرت الصحافة تارة وتردت تارة أخرى.
التوصية: استمرار الحكومة على نهجها الصحيح في دعم
الصحافة ومنظمات المجتمع المدني، بالحد الذي يسمح لها بالاستمرار في عملها، ومكافأة
المؤسسات التي تقدم عملاً متميزاً لحث البقية على أن تحذو حذوها.
م.
العراقيل التي وضعت أمام بيع بعض الصحف والمجلات المستقلة، إضافة إلى الإعلانات
التي تمنح للصحف الحزبية وتمنع عن المستقلة، كل هذا أثر سلباً على الحالة الاقتصادية
للمؤسسات الإعلامية المستقلة، برغم أنها تمتلك الحق بنشر هذه الإعلانات.
التوصية: رفع أي منع لبيع الصحف الصادرة في الإقليم،
وتوزيع الإعلانات بطريقة قانونية ومهنية على وسائل الإعلام المستحقة.
ن.
اللجان التي تتشكل في وزارة الداخلية لا يعتدّ بها الصحفيون، لأنها لم تقدم
شيئاً على مدى سنين حتى الآن، وهي عموماً بجانب السلطة لأنها نابعة عنها.
التوصية: تشكيل لجان دائمة متخصصة، ورفدها بخبراء
من نقابة الصحفيين ونقابة المحامين، ومن شخصيات مستقلة ذات أثر اجتماعي بارز، لتكون
اللجنة محط ثقة الجميع.
ص.
لا يعترف بعض الصحفيين، بنقابة الصحفيين ويعتبرها نقابة مسيسة أسست على توافق
حزبي، والعكس صحيح إذ لا تعترف النقابة بهؤلاء لأنهم لا ينتمون إليها.
التوصية: إعادة النظر في هيكلية النقابة، ومعالجة
الأخطاء بهدوء وبأولوية. وتعديل القانون 35 فيما يخص انتماء الصحفي للنقابة.
ع.
الإقليم بحاجة إلى صحفيين ذوي مستوى عالٍ من المهنية والخبرة، لإدارة العمل
الصحفي، والساحة تشهد صحافة حزبية وصحافة مستقلة، لكن الجمهور يفضل الصحافة المستقلة.
التوصية: إقامة المسابقات بين الصحفيين، وتكريم المتميزين
منهم، ودعم الصحفيين الشباب مادياً ومعنوياً، وتدريبهم التدريب الصحيح واطلاعهم على
تجارب الدول الأخرى.
ف.
يرى نقيب صحفيي كوردستان أن ميترو سرق تقريره حرفياً، وأضاف عليه زيادات من
عنده؛ ونسبه إلى نفسه، وهناك من يثبت صحة هذا الكلام، ولم تحرك النقابة ساكناً.
التوصية: في حال ثبوت هذا الاتهام، فبإمكان النقابة
محاسبة ميترو وفق قانون الملكية الفكرية.
س.
هنالك إشكال في تعريف الصحفي ضمن القانون الرقم (35).
التوصية: يحتاج القانون 35 إلى مراجعات دقيقة، لسد
ما فيه من ثغرات.
ق.
بعض القضاة يعكف على تطبيق قانون العقوبات العراقي، وفي نظره فإن القانون
35، لم يعطل قانون العقوبات العراقي، برغم وجوب ذلك.
التوصية: القضاة ملزمون بتطبيق القانون 35، ولا بد
من تنبيههم إلى ذلك، والنظر في أسباب عدم اهتمامهم بتطبيقه، علماً أن (القانون الخاص
يلغي القانون العام).
ر.
يعتقد كثير من الصحفيين أن حجم حرية التعبير في الإقليم يزداد توسعا يوماً بعد
آخر، وأن الحرية التي يمارس فيها الصحفيون عملهم تأخذ آفاقاً واسعة متمثلة في العدد
الكبير من المطبوعات، والكتابات التي تنتقد الحكومة. وحرية التعبير تمر بمرحلة مهمة
لا يمكن الاستخفاف بها.
التوصية: السير وفق المسار الصحيح الذي يحفظ للمواطن
كرامته، وللدولة هيبتها، وللمؤسسات المدنية مهنيتها، وهذا لا يتحقق إلا من خلال القانون.
ش.
كلما مارس الصحفيون عملهم وفق اسس مهنية، ضيقوا المجال امام الجهات الأمنية
في الوقوف بوجههم، مع الاخذ بنظر الاعتبار، بعض الممانعات تجاه الصحفيين، من قبل القوات
الأمنية، بسبب عدم درايتهم بقوانين العمل الصحفي من جهة، وجهلهم بآليات العمل الصحفي،
وأهمية الصحافة كوسيلة لتنمية وتطوير المجتمع، ومراقبة بقية السلطات.
التوصية: المعايشة البديلة، واحتكاك البعض بالبعض
الآخر من خلال التدريب واللقاءات المشتركة، هو ما سيسهم في حل العقدة ما بين السلطتين
الثانية (التنفيذية) والرابعة (الإعلام). كما إن الحل القاطع لبوادر الأزمات يتمثل
جلياً من خلال فتح خط ساخن ما بين رؤساء التحرير من جهة، والقيادات العليا من جهة أخرى،
مثل مكتب رئيس الوزراء ومكتب وزير الداخلية.
ت.
القانون/35 بدأ يأخذ مجراه الطبيعي شيئاً فشيئاً، مع وجود الكثير من المعوقات،
ولا يزال بحاجة الى الكثير من التوعية بسبب طبيعة العمل الصحفي في الإقليم، التي يطغى
عليها الطابع الحزبي حيث لا تطبق كافة مفردات القانون، والامر لا يزال بحاجة الى المزيد
من التوعية والجهد حتى يتحقق الهدف بشكل أكبر.
التوصية: التوعية حول القانون 35 من قبل وسائل الإعلام،
وهي المستفيد الأول والأخير منه.
ث.
(محكمة قضايا النشر والإعلام) في بغداد تجربة فريدة ظهرت مؤخراً، على غرار تجارب
مماثلة ناجحة سبقتها، لها آليات عمل مقننة، ويعمل فيها خبراء في المجال الإعلامي.
التوصية: إنشاء محكمة مماثلة لها في الإقليم، ولا
ضير من الاستفادة من تجربة بغداد، من أجل تجاوز مراحل من الهفوات والأخطاء المحتملة،
وعلى أقل تقدير يمكن فتح فرع من المحكمة في الإقليم.
خ.
الصحفي لا يعتذر ممن أساء إليه، بينما يطالب عضو البرلمان أو الوزير بالاعتذار
إذا اخطأ.
التوصية: تنمية الوعي الأخلاقي حول ضرورة تبادل الاحترام
مقابل تبادل التهم، فالنقد يبنى على التصرفات بغض النظر عن الأشخاص. وهنا تتحمل وسائل
الإعلام الدور الأكبر في التوعية.
ذ.
يعتمد صحفيو الإقليم في أخبارهم على مصادر غير دقيقة.
التوصية: ضرورة تسميد المصادر بشكل رسمي، وبتصنيف علمي، وتتم متابعة أداءهم
وديمومة التواصل معهم، واستبدال من يستوجب التغيير منهم؛ للوصول إلى مصادر دقيقة ومهنية.
ض.
كُل من يخالف القانون يُعرض نفسهُ للمساءلة القانونية، والمظاهرات غير المرخصة
غير قانونية، ولكن من حق الصحفي أن يقوم بتغطيتها بهدوء.
التوصية: وجوب وضع خطة مركزية تضمن عدم حدوث أخطاء، خلال عمل الصحفيين في المظاهرات.
----------(تم)----------
تعريف بالمنظمة
71. تأسست (منظمة كتـّاب بلا حدود/ الشرق
الأوسط)، مطلع العام 2005م، في مدينة (كركوك) وهي منظمة ثقافية قانونية غير حكومية
غير ربحية، تهدف إلى تعزيز الحماية والرعاية لشخصية الكُتّاب، قانونياً وثقافياً وإنسانياً؛
وقد سجلت في دائرة المنظمات غير الحكومية في (بغداد) تحت الرمز (IZ.72512)،
ومن قبل الجهات المختصة في إقليم كوردستان العراق تحت الرقم (2543)، ووزارة الخارجية
التركية - في ما يخص مكتب المنظمة في تركيا - تحت الرمز (Bp.648756.hg).
فترة إعداد التقرير
72. امتدت من 15 شباط 2012 حتى 31 آذار
2012.
فريق العمل
73. عمل في هذا التقرير كل من:
أ.
قيس الرضواني.
ب.
علي غدير.
المحاورون
74. الأشخاص الذين أدلوا بأقوالهم في هذا
التقرير، بحسب التسلسل الهجائي (أ، ب، ت.... هـ، و، ي)، مع التحفظ على ألقابهم باحترام.
أ.
أحمد ميرة/ رئيس تحرير.
ب.
آزاد حمد أمين/ نقيب الصحفيين.
جـ. آكو محمد/ رئيس تحرير.
د.
آوات علي/ محرر.
هـ. بيستون نوري/ رئيس تحرير.
و.
جنور محمد أمين/ محررة.
ز.
خضر دوملي/ مدير إعلام.
ح.
رحمن غريب/ منسق ميترو.
ط.
ريبوار رحمن/ مدير تحرير.
ي.
شهاب احمد ياسين/ قاضي.
ك.
صلاح الدين بابكر/ ناطق رسمي.
ل.
قادر حسن قادر/ عضو برلمان كوردستان.
م.
كريم سنجاري/ وزير داخلية الإقليم
ن.
كمال رؤوف/ رئيس تحرير.
قيس الرضواني
رئيس منظمة كتاب بلا حدود/ الشرق الأوسط
31 آذار 2012
E. Mail:
info@uwome.com Website: www.uwome.com Cell ph.: 00964 770 403 4003