د. منذر الفضل:مخاطر عودة نظام الاستبداد
الخميس 22 آذار / مارس 2012, 18:39
كورداونلاين

نأمل احترام استقلال القضاء وعدم التدخل في شؤونه وضرورة تنفيذ أحكام القضاء وعدم تعطيلها وأهمية تفعيل دور النزاهة ومحاسبة الفاسدين وتطهير المؤسسات من المتسللين من بقايا النظام السابق
تشير تجارب التاريخ الى ان انظمة الحكم في الشرق مر عليها حكام طغاة كثيرون , ورغم المآسي
التي تعرضت لها هذه الشعوب بسبب حكم الاستبداد والمصير المذل لكثير من المستبدين إلا ان الطغيان ما يزال يطل برأسه أحيانا كلما سنحت الظروف -وهي كثيرا ما تسنح - لاسيما في بلاد الشرق ومنها العراق الذي تعرض إلى خسائر بليغة من سياسة التفرد بالسلطة
وإذا كان حكم الطغيان قد مر على العراق تحت ثوب القومية العربية ووحدة الأمة من خلال شعارات وهمية لا قيمة لها وأثبتت فشلها, فهل يمكن عودة الطغيان تحت عباءة دينية أو مذهبية؟ وكيف يمكن تجنب التفرد في السلطة وترسيخ القيم الديمقراطية واحترام المرجعية المدنية وهي الدستور ومؤسساته الشرعية؟ وهل ان العراق يتحمل إعادة إنتاج الماضي؟
المستبد هو كمن يقطع الشجرة لكي يقطف ثمرة-1-
منذ ان أصبح المالكي رئيسا للوزراء في الفترة الثانية بعد صراع سياسي وجدل دستوري وقانوني, لاحظ الكثيرون من المهتمين بالشأن العراقي ان بوصلة الحكم للسيد رئيس الوزراء تتجه نحو تجميع السلطات وتمركزها بيده وحده تحت ذرائع متعددة. فهو يجمع بيده الآن خمسة مناصب سيادية حساسة تعكس حالة من حالات الفساد السياسي, وهذه المناصب هي رئيس الوزراء, القائد العام للقوات المسلحة, وزير الدفاع, وزير الداخلية, مدير المخابرات, ورئيس مجلس الأمن القومي وربما غيرها من المسؤوليات الحكومية والحزبية. وهذا التمركز في السلطات بيد شخص واحد يثير تساؤلات كبيرة وخطرة عن حقيقة وجود الديمقراطية والاشتراك في توزيع المسؤوليات في العراق, لا بل حتى الوزراء الذين اختارهم السيد المالكي من الكتل السياسية في ضوء نظام المحاصصة الفاشل فهم في اغلبهم ليسوا من ذوي الخبرة ولا من اصحاب الاختصاص وليسوا من الكفاءات المتخصصة في ميدان عملهم ولدينا شواهد كثيرة
بطلان الولاية الثالثة للمناصب الرئاسية
ومما يتعلق بذلك ان بعض وسائل الإعلام صار يروج لمبدأ باطل هي الولاية الثالثة لرئيس الوزراء رغم عدم دستورية الولاية الثالثة للمناصب الرئاسية في العراق سواء منصب رئيس الوزراء, رئيس الجمهورية, نائب رئيس الجمهورية ونائب رئيس الوزراء وهو طرح مناقض لمبدأ التداول السلمي للسلطة وانتهاك واضح للدستور
ولعل اخطر مظاهر التفرد بالسلطة هو حماية المتهمين بالفساد المالي والإداري والسياسي سواء ممن تورط بالفساد من أتباع حزب الدعوة أم من غيرهم من الكتل السياسية الأخرى بسبب صفقات سياسية, وهو انتهاك للدستور وخرق فاضح للقوانين النافذة في حماية المزورين والفاسدين والمجرمين الذين وصل بعضهم إلى مرتبة صنع القرارات, وهذا هو ذات الخلل الذي وقع به السيد إياد علاوي والسيد الجعفري أيضا, والشواهد كثيرة على ذلك
إن من يتابع تصريحات السيد المالكي يجد التناقض والارتباك واضح في خطاباته للرأي العام وهذا دليل آخر على وجود التفرد في الرأي والموقف والاتجاه نحو مركزة السلطة وعدم الاستعانة بخبراء او مستشارين من ذوي الخبرة والكفاءة والشجاعة في قول الحق , ويكفي للدلالة على ما نقول ما جاء في تصريحات السيد المالكي بخصوص الدستور الذي كان عضوا في لجنة كتابته عام 2005 فهو تارة يقول عن الدستور عام 2006 لمناسبة الذكرى السنوية الأولى للتصويت عليه بأنه (أرقى الدساتير في العالم لأنه يكرس مفاهيم الحرية والديمقراطية واحترام حقوق الإنسان وبناء مؤسسات الدولة وسيادة القانون), إلا أنه يعود فيتراجع عن رأيه هذا في كلمته يوم 8 -11 -2008 أمام المشاركين في مؤتمر النخب والكفاءات العراقية قائلا بأن (الدستور كتب في ظل أجواء الاستعجال والخوف من الماضي ووضعت فيه قيود على سلطات المركز ويخشى ان تصادر الفدرالية الدولة.. الخ, مما يوجب تعديله وإعادة السلطة المركزية للحكم وتقييد صلاحيات الأقاليم والمحافظات غير المنتظمة في إقليم لتقوية حكم المركز لأنها تمارس دورا دكتاتوريا وتجاوزات يجب وقفها).
ومما يعزز ذلك ما قاله في اجتماع مع العشائر العراقية قبل فترة باللهجة العامية (ليش هو يكدر واحد يأخذها حتى نعطيها) أي لا احد يستطيع نزع السلطة مني وهو كلام واضح ضد مبدأ التداول السلمي للسلطة
لسنا ضد السيد المالكي ولا ضد حزب الدعوة الذي نحترم تاريخه النضالي, ولكننا ضد المنهج السياسي الخاطئ وضد عودة الاستبداد للعراق وضد نشر الخرافات وضد الاستعانة بجيش من المستشارين لا مشورة لهم, ولهذا نحن ندعم احترام الدستور ونقف ضد أي انتهاكات لنصوصه التي صارت عرفا يؤسف له لاسيما وان كل طغاة الأرض لا يريدون سماع الرأي الآخر ويحبون سماع ما تطرب عليه آذانهم من أقوال, وهذه مفسدة كبيرة
مبادرة الرئيس بارزاني الوطنية -2-
في ضوء هذا الصراع السياسي بين الفرقاء وبخاصة بين السيد المالكي والدكتور إياد علاوي, بادر السيد رئيس إقليم كردستان الرئيس بارزاني إلى جمع الفرقاء والسياسيين العراقيين في اربيل وفقا لمبادرة من سيادته لحل المشكلات العالقة التي تضر بالعراق وبالعملية السياسية ومسيرة الديمقراطية ولمنع خرق الدستور من هذا الطرف أو ذاك, غير ان هذه المبادرة لم يلتزم ببعض بنودها السيد رئيس الوزراء مما جعل الأوضاع العامة تتوتر ثانية وتتجه إلى التأزم واحتمال فشل العملية السياسية وهذا خطر كبير.
ومن المعلوم ان السيد رئيس الإقليم بما يتمتع به من حنكة سياسية ودراية بالوضع السياسي العراقي يتجه دائما إلى حل الأزمات بين الفرقاء السياسيين والى التأكيد على احترام الدستور ونشر التسامح والحوار ومكافحة الفساد والى ترسيخ أسس الديمقراطية ومنها مبدأ التداول السلمي للسلطة وإشراك الجميع لان الديمقراطية لا تعني حكم الأغلبية وإنما تعني مشاركة كل القوميات وأتباع الديانات والمذاهب في صنع القرارات ووفقا للدستور
ولهذا نعتقد بأهمية تدخل الرئيس مسعود بارزاني في حل الصعوبات الباقية من مبادرته بحيث يكون هو الراعي لحل الأزمات المتكررة في الحكومة الاتحادية لمنع عودة حكم الفرد ولما يتمتع به من خبرة وحيادية واحترام وتقدير من جميع الأطراف السياسية
رؤيتنا الدستورية والقانونية لبناء دولة القانون-3-
لا يمكن بناء دولة القانون دون الحرص على الاحترام الطوعي لبنود الدستور والقوانين ومنها احترام مبدأ الفصل بين السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية, وضرورة اعتماد مرجعيات الدولة المدنية في حل الأزمات دون غيرها وفي محاربة الفساد بكل أشكاله ومعاقبة الفاسدين والمزورين ونبذ مبدأ المحاصصة الطائفية والحزبية, إذ لا يمكن بناء الدولة المتحضرة بدون احترام أسس الديمقراطية من النخب السياسية الذين يجب ان يكونوا قدوة للآخرين وفي أهمية إشراك التكنوقراط وأصحاب الكفاءات في مواقع الدولة من المستقلين الذين لا ينفذون أجندات سياسية حزبية او إقليمية, ولكن ما يلاحظ الآن هو وجود مئات الأشخاص في مفاصل الدولة غير مؤهلين لشغل مناصبهم الوظيفية وبعضهم من المتهمين بالفساد من وزراء ومسؤولين كبار دون ان يمثلوا للقضاء
نأمل احترام استقلال القضاء وعدم التدخل في شؤونه وضرورة تنفيذ أحكام القضاء وعدم تعطيلها وأهمية تفعيل دور النزاهة ومحاسبة الفاسدين وتطهير المؤسسات من المتسللين من بقايا النظام السابق وبخاصة من الأجهزة الأمنية وعدم تسييس الدين أو توظيف المناسبات الدينية والمذهبية لتحقيق أغراض سياسية
وبدون ترسيخ مبدأ التداول السلمي للسلطة وضمان حقوق المواطنين في توفير الخدمات الأساسية والحقوق التقاعدية ونشر ثقافة الحوار والتسامح وبناء قيم المواطنة ومنها تغيير المناهج الدراسية بما يعزز السلام والأمن والاستقرار لا يمكن للعراق الاتحادي ان ينهض من واقعه المؤلم
هناك مقولة بليغة للفيلسوف الانكليزي جون لوك لطالما ارددها, وقد ذكرتها في كلمتي يوم 14-12-2002 في مؤتمر المعارضة العراقية الذي انعقد في لندن وهي (يبدأ الطغيان عندما تنتهي سلطة القانون, أي عند انتهاك القانون, وإلحاق الأذى بالآخرين). وهذا ما صرنا نلمسه على ارض الواقع, وما نخشاه هو عودة الدكتاتورية بثوب جديد, وهذه كارثة ستقود البلاد لمستقبل مجهول
* نشر المقال في العام الماضي 7 أيلول 2011 ولمناسبة الخطاب القيم لرئيس مسعود بارزاني يوم 20 آذار 2012 نعيد نشره عسى ان يتعظ بعض السياسيين في بغداد ويحترموا مفهوم الشراكة ويرتفعوا في خطابهم إلى مستوى المسؤولية لان التحالف الكردي الشيعي هو أسمى من أن تناله تخرصات البعض من المؤمنين بالفكر الشوفيني والجاهلين بتاريخ الكرد وكردستان (من الكاتب).
* قانوني وأكاديمي عراقيد. منذر الفضل
21/03/2012