الأحد 09 شباط / فبراير 2025, 06:00
صبحي طالاس: اقانيم مشعل تمو مقاربة أولية




صبحي طالاس: اقانيم مشعل تمو مقاربة أولية
الخميس 22 آذار / مارس 2012, 06:00
كورداونلاين
هذه الهزيمة التاريخية أفرزت انسلاخاً للنخب الثقافية والفكرية والسياسية الكوردية القادرة على بلورة الذات الكوردية، عن جسد مجتمعاتهم، وانصهارهم في بوتقة القوى الغازية ثقافياً وفكرياً وسياسياً وحتى لغوياً

  اقانيم مشعل تمو:  (الديمقراطية والوطنية السورية و الكوردايتي)  مقاربة أولية   

صبحي  طالاس

يعتبر الشهيد مشعل تمو تجسيداً لمعاناة العقل الكوردي المتمرد على ارث التخلف الطبيعي والتخليف المفروض وظيفياً على الشخصية الكوردية من قبل القوى المهيمنة على المجتمع . فكما هو معلوم فقد تم إجهاض المسار الطبيعي لتطور المجتمع الكوردي بعد  معركة جالديران والثورات المناهضة للحكم العثماني والفارسي حتى تطبيقات اتفاقية سايكس بيكو . خلال هذه الفترة نجحت القوى المعادية لطموحات الشعب الكوردي في تعطيل الميكانيزمات الذاتية  للتطور  في بنية المجتمع  وشوهت الخارطة الجينية الاجتماعية مع زرع جينات دخيلة وظيفتها تطويع المتمرد وقمع المعترض .                                       

بالمحصلة نجحت هذه القوى في اختراق الجسد الكوردي والتحكم بعقله وتغيير مسارات سيره، بما يخدم مصالحه، وبالضد من مصلحة الشعب الكوردي .         

هذه الهزيمة التاريخية أفرزت انسلاخاً للنخب الثقافية والفكرية والسياسية الكوردية القادرة على بلورة الذات الكوردية، عن جسد مجتمعاتهم، وانصهارهم في بوتقة القوى الغازية ثقافياً وفكرياً وسياسياً وحتى لغوياً، وسعيهم لتبني قضايا وهموم تلك المجتمعات . فشاهدنا بروزاً قوياً للشخصيات الكوردية في مشاريع سياسية وفكرية لا تخدم مصالح الشعب الكوردي لا من بعيد و لا من قريب  ولامبالاتهم تجاه الهم الكوردي، مما نجم عنه ضعف تأثير هذه الطبقة على خيارات الشعب الكوردي  . هذه النخبة المنسلخة عن بيئتها والمنصهرة في الذات الغازية فشلت أيضا في خلق حالة التفاعل الثقافي والحضاري بين المجتمع الكوردي الذي أغلق على ذاته، وبين الكينونات القومية المجاورة، وأي احتكاك وجدل كان ينجم عنه امتداد الآخر إلى داخل الكينونة الكوردية ثقافياً وحضارياً وتوظيفها لإمكانات الكورد في خدمة استراتيجياتها ورفضها للتعبيرات الكوردية السياسية والثقافية والحضارية ، مما وسم تاريخ العلاقات الكوردية مع الشعوب المجاورة بالتهميش والإقصاء والخضوع والانصهار وغاب عنها الندية  .                                                                               

 بالمقابل وجدنا الصوت الكوردي الناقم والمحتج والداعي إلى بلورة الذاتية الكوردية يعود إلى ما قبل القرن الخامس عشر لتأسيس الشخصية الكوردية المستقلة وتفعيل دينامية  الخصوصية الكوردية، وهذا ما تجلى بالوضوح في النتاج الأدبي الكوردي الشفاهي والمكتوب، ويمكن تلمس هذا المسار عند احمد خانى و كذلك في العصر الحديث عند المرحوم جكرخوين والدكتور نورالدين ظاظا واوصمان صبري وغيرهم من  مناضلي الحركة الكوردية ومفكريها ولا سيما في نتاجاتهم الأولية ،هؤلاء اعتبروا ان معادلة الجدل الثقافي والحضاري والسياسي بين شعوب المنطقة معادلة ظالمة وغير عادلة ومفروضة بأجندات سياسية لا تخدم شعوب المنطقة عامة والكورد خاصة،ويجب التأسيس لمعادلة جديدة عمادها الشراكة والعدل والمساواة بين الخصوصيات القومية والثقافية وتبتعد عن ثقافة الانصهار و الابتلاع ولكن العودة إلى ما قبل رسم الملامح الإدارية والسياسية في المنطقة يترتب عليه التصادم مع القوى المهيمنة والمستفيدة والراعية ، وكان هذا أكبر من طاقة وإمكانات الشعب الكوردي الراهنة ، ومع إدراك هذه الحقيقة المرة وبقاء الطموح الكوردي في دائرة الحلم .توجهت الأحزاب الكوردية إلى صياغة مسار سياسي يدمج بين الحلم ومعطيات الواقع  ولكن هذا التوجه أوجد شرخاً في العقل السياسي الكوردي وتقسيما له ، ما بين الواقعية السياسية التي تنطوي على الاعتراف بالهزيمة التاريخية والاستسلام أمامها وما بين عنفوان العاطفة المرتبطة بأحلام الماضي .                                                                             مشعل تمو بفكره و بمساره السياسي ينتمي إلى هذه اللحظة الانفصامية في العقل السياسسي الكوردي ، ولكنه تمكن من حسم خياراته مبكراً وانزاح إلى الواقعية السياسية مع إبقاء الحلم كملهم للتعامل مع حيثيات الواقع السياسي ،  فقد كان يؤكد انه يجب العودة إلى معطيات سايكس بيكو سياسياً وادارياً ،واعتبار الحدود المرسومة نهائية والقضية الكوردية في سوريا هي قضية وطنية بامتياز، وبناء عليه القرار الكوردي السوري يجب ان يتحرر من الهيمنة الكوردستانية وبناء علاقات ندية مع الأطراف الكوردستانية  والسعي لبناء هوية وطنية مركبة  تعكس تماماً الوجود الكوردي في سوريا إلى جانب بقية المكونات.                                                                                          

 من هذا التشخيص المبسط  كان انطلاقة الشهيد مشعل تمو في رسم ملامح قراءته السياسية المتميزة كوردياً وسورياً ( مستقبل الدولة السورية مرهون بحل  القضية الكوردية والقضية الكوردية لا يمكن حلها إلا من خلال البناء الصحيح لمفهوم الانتماء الوطني، القائم على أساس المواطنة الحقة وحيادية الدولة تجاه مكوناتها القومية والثقافية والدينية والطائفية )،( المرض قد استشرى في الجسد الكوردي ومعركتنا ستكون على ثلاث جبهات :                                                    1ـ القومية الكوردية :تبدأ من إعادة قراءة التاريخ الكوردي بصورة واقعية والابتعاد عن الأجندة السياسية والصبغة العاطفية و النظر في تركيبة العقل الكوردي وبنائه ومقاومة  امتداد القوى المعادية للشعب الكوردي الساعية إلى صبغ  الكينونة الكوردية حضاريا و سياسياً واجتماعياً بصبغة القوى المهيمنة، وبناء مفهوم جديد لطبيعة العلاقات الرابطة ما بين الذات الكوردية والذوات القومية المجاورة تخرج الكورد من قوقعتهم القومية وتعيد إدماجهم في الهوية الوطنية السورية المركبة                                                                         2ـ بلورة الهيكلية التنظيمية المنسجمة مع تطور الفكر الديمقراطي واستحقاقاته  يفتح المجال أمام الطاقات الشابة لتعبر عن ذاتها وتساهم في رسم مستقبل الحياة السياسية ويضمن مساهمة كل أعضاء التنظيم في صياغة القرار السياسي وتطبيقه أو الاعتراض عليه ورفضه وضمان التعدد في الرأي والقراءة داخل التنظيم والابتعاد عن الستاتيكية التنظيمية العقيمة                                                                    

 3ـ الوطنية السورية :بإزالة إفرازات سياسة الإقصاء والتهميش السياسي والقومي والديني والثقافي  وتوسيع مفهوم الوطنية السورية  ليشمل كل مكونات الوطن السوري بدل اختزاله في مكون واحد لأنه حق تقره المعايير السياسية والحقوقية الدولية ولأن مساهمة مكونات الشعب السوري في  حمل أعباء الاستحقاق الوطني مرهونة بسلامة رسم معالم الهوية الوطنية .

هذه القراءة أدت إلى تمايز موقف مشعل تمو كورديا ومطالبته الكورد باستلام المبادرة في الشارع السوري  فانتهى مسعاه إلى استشهاده.      

                                                          

556.

مواضيع جديدة في موقعنا الجديد اضغط هنا


ارشيف
ارشيف

صحافة وإعلام و آراء

كتاب الموقع
عبدالغني ع يحيى
العصر الطيني في العراق.
بنكي حاجو
الكذبة الكبرى
ب. ر. المزوري
النقطة
زاكروس عثمان
أحزاب خارج التغطية
إبراهيم اليوسف
النص الفيسبوكي 2.
عبد عبد المجيد
الفسيفساء السورية
أفين إبراهيم
رضاب الفراش
وزنة حامد
قلق الذات