أمام المجازر التي يتم ارتكابها من قتل للأطفال و اغتصاب للنساء بالضرورة تنحي العقل و إمكانيات الحل فالمشكلة اليوم ليست مع المعارضة بقدر ما هي باتت بين أحياء و أزقة و شوارع المدن التي يتمترس ساكنيها في وجه بعضهم البعض
مر عام على ثورة الكرامة
السورية و لا يزال المجتمع السوري بأطيافه المتعددة و بشكل متواتر و في خط بياني
متصاعد ينضم إلى الثورة السورية؛ التي كسر العديد من القواعد و القوانين المحرم
تجاوزها في ظل نظام البعث العنصري الأوتوقراطي, و أولى مكتسبات هذه الانتفاضة كان
استرداد الثقة بين المواطنين أنفسهم حيث عمل النظام و على مدى عقود من الزمن على
ضرب الثقة بين المواطنين و الأقارب و حتى الأهل فلكل فرد رقيب يحسب عليه أنفاسه و أفعاله.
اليوم و بعد مرور عام
على ثورة الموت و لا المذلة التي تعني "الكرامة" التي هي بالضد من
المذلة, و الثورة كانت على الذل و الهوان الذي ألحقه النظام بالمجتمع و ضرب بنيانه
و كيانه حتى اهتزت الروابط الاجتماعية و تخلخلت في ظل سيادة البعث المشؤوم.
إن تعداد مساوئ النظام
تطول فهو الشر بعين و في الثنائيات دائم سيكون و بجدارة محتلا مرتبة الشرف في
الجانب المظلم, بعد عام من القتل و الاعتقال و التشريد؛ لا يزال النظام و أعوانه
متمسكون بوهم المؤامرة الخارجية التي تستهدف قلعة الصمود و التصدي و كما قال الأديب
الراحل محمد الماغوط "صمود على الكراسي / والتصدي لكل من يقترب منها." هذا هو صمود النظام السوري و
تصديه, فان كانت هناك مؤامرة خارجية فستبقى خارجية و لن تستطيع النيل من الداخل
المحصن و المتآلف و الحر, بينما الداخل المنهك من شدة التقارير الأمنية و الفساد
الذي نهب البلاد وجوع العباد بكل تأكيد سيأتي اليوم الذي سينتفض فيه هذا الشعب
للكرامة المسلوبة و الحق المنتهك والعدالة الضائعة.
ما تشهده المنطقة وما
ستشهده هو نتاج طبيعي لتظافر و تكاثف ثقافة الغنيمة و السلب و النهب و انتهاك
الحقوق من قبل الأنظمة و اسر الدولة بمؤسساتها و تطويعها لخدمة مصالح "الطبقة
الحاكمة" و محورت المجتمع حولها إلى درجة لا يمكن الفصل بين النظام و مؤسسات
الدولة؛ لذا تكون ردة الفعل تجاه النظام هي تجاه الدولة, و المسؤول الأول عن هذا
الخلط هو من قام و لعقود باستلاب مؤسسات الدولة و تسخيرها لخدمة مصالح الطبقة
الحاكمة.
اليوم تدخل محافظات أخرى
على خط الثورة رغم استكانتها لأشهر و اللوحة السورية باتت أكثر انقساما و شرخا و
النزعة الطائفية تجد لها وقودا أكثر من أي فترة مضت, لأنه أمام المجازر التي يتم
ارتكابها من قتل للأطفال و اغتصاب للنساء بالضرورة تنحي العقل و إمكانيات الحل
فالمشكلة اليوم ليست مع المعارضة بقدر ما هي باتت بين أحياء و أزقة و شوارع المدن
التي يتمترس ساكنيها في وجه بعضهم البعض طائفيا و مذهبيا و غدا سيقوم النظام
بافتعال المشكل الاثنية في المناطق الكردية؛ لكن إلى حين لزوم ذلك, هذه الألاعيب و
المؤامرات التي يواجه بها النظام شعبه تزيد من الشرخ بين المجتمع السوري عامة و
تسد آفاق التوصل إلى اتفاق و حل سلمي يفضي إلى زوال النظام لذا يقوم بأفعاله هذه
ليفرض وجوده المقيت على أي حل مستقبلي و يرتكز بذلك إلى الدعم الدولي و الإقليمي
الذي يساعده على البقاء و مواصلة بطشه. لكن السؤال إلى متى. و إلى أين سيتجه
بالبلاد؟ إن استمرار هذه السياسة ستفعل فعلها في المجتمع السوري بالمزيد من
الانقسام و التمترس خلف انتماءات طائفية و اثنية و دوام العنف و الثأر, و في
النهاية و مهما طال به الزمن فالشعب قال كلمته "الموت و لا المذلة".
رودي عثمان – 17\3\2012