الإثنين 17 حزيران / يونيو 2024, 01:46
مراجعات للثورة السورية في محطتها السنويةالاولى




مراجعات للثورة السورية في محطتها السنويةالاولى
الخميس 15 آذار / مارس 2012, 01:46
كورداونلاين
الثورة السورية استحوزت على كل العناصر المؤهلة لها لتكون الأكثر دموية وعنفا وخطورة . والأطول زمنا , وهي ما زالت مفتوحة على احتمالات أكثر عنفا ودموية وخطورة من كل ما سب

مراجعات للثورة السورية في محطتها السنوية (1

كنه المعجزة التي بدأت من  ( الحريقة 

لو عاد الزمن بمحللي الشؤون العربية إلى ما قبل انتحار أمير الشهداء العرب في هذا الزمن الرديء المواطن التونسي البوعزيزي وسئلوا أين يتوقعون انفجار الثورات في العالم العربي لأجابوا بالاجماع سوريا أولا , استنتاجا من المعطيات والبيانات الرقمية الباردة التي لا أثر للعواطف فيها . سوريا التي خضعت طوال نصف قرن لنظام حكم هو الأشد استبدادا وقسوة وفسادا في العالم كله في هذا العصر , ولا قرين له في أي بلد عربي أخر , عكس ما درج عليه العموم بقولهم إن الأوضاع العربية كلها متطابقة والانظمة واحدة , فهذا القول مثال على التسطيح والتعميم المخلين . وعندما انفجرت الثورات في تونس ثم في مصر ثم في ليبيا ثم في اليمن وتأخر الشعب السوري عن الانضمام للاستحقاق التاريخي , حار هؤلاء المحللون في تفسير اسباب التأخر , وقد غاب عن هؤلاء أن سوريا لا يكفيها ( ربيع ) ولا ( رياح ) لمواجهة نظام أمني طائفي كالذي يحكمها بل تحتاج ل( تسونامي ) عنيف وجارف بقوة دفع واندفاع غير نمطية لتتمكن من اقتلاعه . كما أن السوريين كانوا متريثين حقا _ ولا أقول مترددين _ قبل أن يبدأوا اعصارهم الكاسح على النظام , لأنهم على دراية مسبقة بأن ثورتهم ستكون دموية وباهظة التكلفة حتما , ولن تستطيع تجنب الصدام والصراع , وستدمر الكثير في طريقها , وقد تتهدد سلامة الدولة والوطن خلاله , ولذلك فضلوا التريث قليلا لإعطاء النظام فرصة أخيرة لعله يلتقط معنى ما يحدث من حوله من تغيرات تاريخية عميقة , ويجاريها بعملية تغيير طوعية , رغم أنهم يستبعدون ذلك سلفا لمعرفتهم بطبائعه وخصائصه الاستثنائية , ولكن كان لا بد مما لا بد منه , أي استكمال الشروط الخاصة بعد ان استكملت الشروط الموضوعية اقليميا وعالميا .

المفارقة الكبرى هنا هي أن طغاة سوريا هم الذين قطعوا فترة التريث والفرصة الاخيرة , وهم من أطلق صفارة البدء في تسونامي الثورة السورية العملاقة , وهم من اختار شكلها وطبيعتها , وأن يفرضوه , وكان على المواطن الأعزل , بدءا من الطفل الدرعاوي الصغير أن يتحمل قدره ويستجيب للتحدي المصيري ويزج بكامل طاقته دفاعا عن حصته الخاصة في الحياة . ولم تكن البداية من درعا كما يشاع بل كانت هناك بدايات متعددة من اماكن متفرقة من درعا ودمشق وحماة واللاذقية ودير الزور , ولنتذكر أن أهم البدايات الجريئة تمثلت في انتفاضة حي (الحريقة )في قلب دمشق التاريخي والشعبي والتجاري حيث أصر المواطنون المحتجون بأقصى درجات الاتزان والتهذيب على حضور وزير الداخلية بنفسه لنزع فتيل الانفحار , وإبلاغه ما يشبه الانذار الاخير , وتأملوا جيدا هذا الاسم [ الحريقة ]!! ... وبالطبع ما كان لعود كبريت أن يشعل حريقا بهذا الحجم الهائل لولا أن الاوضاع التي مسها الشرر أشبه بحقل غاز ضخم , أو غابة كبيرة من القش والخشب قابل للاشتعال بشرارة واحدة .

تميزت ثورة تونس بالريادة والنموذجية السلمية اتساقا مع اهم خصائص المجتمع التونسي , وتميزت الثورة المصرية بالوحدة الوطنية وانحياز مؤسسات الدولة السريع لصوت الشارع انسجاما أيضا مع اهم مزايا الدولة المصرية المركزية الحديثة , وتميزت الثورة اليمنية بالحكمة من بدايتها الى نهايتها بالاصرار على الجنوح للسلم في غابة سلاح , وبالجنوح للحلول العقلانية من جميع الاطراف حرصا على سلامة البلد , وانتصارا لأهم صفات اليمنيين الأصيلة . وتميزت الثورة الليبية بالجموح والجنون والانزلاق الى هاوية العنف والاحتراب نتيجة لإصرار المتأله الليبي على متابعة جنونه في كل المناسبات والحالات والمواقف والى اقصى الحدود , وهكذا جاءت نهايته ونهاية حكمه كما ارادها هو بمحض إرادته , نهاية إغريقية لسيرته ولابنائه يمتزج فيها الجنون والعبث والتراجيديا . وقياسا على ذلك تميزت الثورة السورية على خصائص مختلفة ناتجة عن طبيعة النظام الامنية والطائفية التي لا مثيل لها في اي بلد عربي أخر كما ذكرنا , وصارت شاذة ونادرة على المستوى الدولي , فضلا عن طبيعة الرجال الذين يمسكون هذا النظام , وهم كما اختبرهم السوريون على امتداد نصف قرن جنرالات عسكر واستخبارات معظمهم من لون طائفي واحد , قساة وقتلة محترفون ويمتد خلفهم تاريخ حافل بالمجازر والقتل والارهاب ضد السوريين وضد اللبنانيين والفلسطينيين , وفاسدون مافياويون لا يشبعون ولا يكتفون من السرقة وجمع المال حتى صاروا شركاء في مال كل مواطن يقاسمونه الارباح ويمصون دماءه ببطء .

وعليه فالثورة السورية استحوزت على كل العناصر المؤهلة لها لتكون الأكثر دموية وعنفا وخطورة . والأطول زمنا , وهي ما زالت مفتوحة على احتمالات أكثر عنفا ودموية وخطورة من كل ما سبق , بما في ذلك تحولها إلى حرب أهلية وطائفية وعرقية طاحنة , أولا . واحتمالات امتدادها إلى بلدان مجاورة كليا أو جزئيا , ثانيا . واحتمالات تطورها لحرب اقليمية متعددة الاطراف , ثالثا . أو قابليتها الشديدة لتدخل دولي عسكري واسع لحسم الأزمة رابعا . نظرا للانتهاكات المنهجية الواسعة من النظام لحقوق الانسان التي لن يستطيع العالم تحمل الصمت المخجل إزاءها أكثر مما فعل حتى الان , إضافة إلى أنها أصبحت ساحة صراع لحرب باردة حقيقية جديدة بين روسيا والصين , والغرب , لا ينكرها أحد من المحللين ومن الاطراف المعنية , خامسا . وأصبحت بؤرة صراع طائفي اقليمي بين إيران وعالبية القوى والجماعات الشيعية , وبعض الطوائف المذهبية والاقلاوية الاخرى من ناحية , وغالبية الطائفة الاسلامية السنية من ناحية مقابلة , وهو ما يهدد أيضا باشتعال حروب دينية ومذهبية اسلامية - اسلامية , سادسا .

صحيح أن الثورة الليبية اتسمت بالدموية والتدخل العسكري والعنف , وصحيح أن عدد القتلى والضحايا في الحالة الليبية أعلى بكثير من نظيره السوري , من الناحية الرسمية , لكن الثورة الليبية لم تشكل خطرا خارج حدودها , واستطاعت بفضل التدخل الخارجي ( الناتو) حماية المدنيين في عدة محافظات ومدن . أما عدد القتلى والشهداء في سوريا فهو غير دقيق حاليا بتأكيد رسمي صادر عن تحالف من ست منظمات حقوقية , والعدد الحقيقي حسب هذا المصدر بلسان رئيس هذا التحالف محمود المرعي أن العدد الحقيقي خمسة أضعاف العدد المعلن , وأن معظم المفقودين في سوريا وهم بعشرات الالاف قتلوا بدون اعلان ,ولم يوثق قتلهم وموتهم بعد . والامر نفسه ينطبق على المعتقلين . واخيرا لا بد من القول إن عداد القتل في ليبيا توقف منذ شهور , بينما عداد القتل في سوريا كالحبل على الجرار , وانتاحه يرتفع بمعدلات هندسية , ولا نتوقع أن يتوقف عند حد معين في القريب العاجل .

أما التميز الأخير هنا من حيث التسلسل , هو ما يسبق جميع المميزات السابقة من حيث الاهمية : صلابة المواطن السوري وقدرته على مواجهة النظام السوري واستعداده للتضحية وتقديم ثمن الحرية التي ينشدها , وثباته على مطالبه وعنفوانه وكبرياؤه , ودفاعه المثير للإعجاب عن نفسه وبلده وأهله . فلولا هذا العنصر لما استطاعت الثورة أن تستمر وتتطور وتتعاظم في ظل أقسى وأقصى درحات البطش والانتقام بأكثر ألات القتل العسكرية التي تستعمل في الحروب بين الدول والحيوش , لا بين جيش كامل ومواطن أعزل , أو بين دبابة وطفل . لقد ظهر الإنسان السوري بصورة مجسدة رائعة للفينيق الذي ينبعث من تحت الرماد كلما احترق , فالمواطن السوري يخرج كل يوم للتظاهر , وبعزم وإصرار أعلى من اليوم السابق . السلطة استعملت أقصى ما لديها من القوة القمعية إخماد جذوة التمرد في ضميره , وقتل روحه الثائرة , ولكنه بدل أن يضعف ويتراحع يزداد قوة وتألقا في هتافاته وشعاراته ومواقفه وعبقريته النضالية . هذا هو الانسان السوري الجديد الذي يتعمد في نهر الدم الذي يفجره النظام , ويولد من رحم الالام والعذابات التي يعيشها تحت سنابك النظام الطائفي المتوحش , وهذا هو المارد السوري الذي كسر القمقم الذي سجن فيه نصف قرن , ويرفض أن يعود اليه مهما بلغت التضحيات , بالالاف أو بالملايين . المواطن السوري لا يقاتل نظاما استبداديا , ولا يصنع ثورة ملحمية رائعة رائدة , ولا يواجه تحالفا طائفيا دوليا , تدعمه روسيا والصين , وتمنحه التغطية في مجلس الأمن , ولكنه قبل ذلك وبعده وخلاله يصنع معجزة لا مثيل لها على الاطلاق بين ثورات وانتفاضات الربيع العربي . معجزة لا يمكن فض كنهها وفك ألغازها واستيعاب حجم التحدي والقسوة فيها إلا السوري نفسه ودون سواه , السوري الذي يعلم علم اليقين من خلال معايشته للواقع الذي خلقه النظام الامني الرهيب عبر نصف قرن من الديكتاتورية المطلقة , يعلم ما معنى أن ترفع راسك في حمص أو حلب أو دمشق وتصرخ بأعلى صوتك : الشعب يريد اسقاط النظام .. أو أن تغني وانت على مرأى من انكشارية أل الاسد : يالله ارحل يا بشار .. أو أن تكتب على جدار : يلعن روحك يا حافظ ... فكل واحد من هذه الهتافات والكلمات بمثابة عملية فدائية خارقة عقوبتها الموت الزؤام لم يكن عاقل يفكر بالاقدام عليها , ولم تكن لتحدث إلا في الخيال أو في المنامات أو في العوالم الافتراضية , بينما هي الان من صميم الواقع , ومن أبسط الحقوق التي انتزعها المواطن السوري بدمه واستبساله وعبقريته الفذة .

الثلاثاء 15- 3 - 2012

محمد خليفة

365.

مواضيع جديدة في موقعنا الجديد اضغط هنا


ارشيف
ارشيف

صحافة وإعلام و آراء

كتاب الموقع
عبدالغني ع يحيى
العصر الطيني في العراق.
بنكي حاجو
الكذبة الكبرى
ب. ر. المزوري
النقطة
زاكروس عثمان
أحزاب خارج التغطية
إبراهيم اليوسف
النص الفيسبوكي 2.
عبد عبد المجيد
الفسيفساء السورية
أفين إبراهيم
رضاب الفراش
وزنة حامد
قلق الذات