هوشنك أوسي : حلقة ذِكر ودروشة سياسيّة في بروكسل
الإثنين 12 آذار / مارس 2012, 04:17
كورداونلاين

هذا المهرجان، كان ترجمة حقيقيّة وفاقعة ومرعبة لطغيان الصبغة، أو السطوة الإسلامويّة الفجّة، على مجمل الحراك السوري المعارض للنظام السوري في المهجر. هذا الطغيان، أثار في النفوس السأم والرعب،
بشكل مباشر، ودون مقدّمات، سأدخل في صلب الموضوع:
كان المهرجان الفنّي السياسي، الذي شهدته العاصمة البلجيكيّة بروكسل، ليلة أمس
الاحد 11/3/2012، احتفالاً بمرور سنة على الثورة السوريّة، كان مثيراً للقلق
والاسف، أكثر من إثارته للغضب والملل. هذا المهرجان، الذي نظّمته لجان دعم الثورة
السوريّة، وحضره المئات من أبناء الجاليّة السوريّة، سرياناً وكرداً وعرباً، ومن
مختلف التوجّهات والمشارب السياسيّة والفكريّة، هذا المهرجان، كان ترجمة حقيقيّة
وفاقعة ومرعبة لطغيان الصبغة، أو السطوة الإسلامويّة الفجّة، على مجمل الحراك
السوري المعارض للنظام السوري في المهجر. هذا الطغيان، أثار في النفوس السأم
والرعب، والدهشة، لكأننا نحضر حلقة ذِكر ودروشة إسلاميّة _ سياسيّة، وخلق حالة من
النفور العام، حتّى لدى بعض الاخوة العرب الإسلاميين!.
وللتأكيد دوماً، انتقاد سلوكيّات الإسلام السياسي
السوري، ليس مناهضة للإسلام، ولا للثورة السوريّة، لئلا ينجرف الحال بالبعض الى
الغمز من هذه الساقية!.
ونتيجة هذا الجوّ الإسلاموي المكهرب، تأثّر احد
أبرز عتاة المدافعين عن العلمانيّة، وأعني الاستاذ الفاضل، الدكتور عبدالرزاق عيد،
وقبل البدء بألقاء محاضرته عن "سورية أوّلاً"، طالب عيد مجدداً، بالوقوف
دقيقة صمت على أرواح شهداء الثورة السوريّة، بعد ان كان الحضور قد وقف دقيقة صمت
في بداية الحفل!. ولم تكن الطامّة الكبرى هنا، وبل ان دقيقة الصمت، رافقها تلاوة
جماعيّة لسورة الفاتحة، من قبل معشر من الشباب الاسلاميين. وانتهت السورة الكريمة،
بالتصفيق!. فلم يكن هنالك دقيقة صمت، بل دقيقة صخب، وانهى الصاخبون المرتّلون سورة
الفاتحة بالتصفيق، مناقضين قوله تعالى: (وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وانصتوا
لعلّكم ترحمون). ولم يقل: وصفّقوا له، ما عاذ الله!
عدا ذلك، شابت الأمسيّة، الفوضى والكيفيّة
والمزاجيّة في ترتيب فقرات برنامج الحفل. ناهيكم عن الهذر والمذر الذي كان يتخلل
فقراتها. وتمثيلاً وليس حصراً، نذكر الهتافات _ الشتائم التي كانت تنهال على
الدكتاتور الطاغوت حافظ الاسد، أثناء القاء الدكتور عيد لمحضارته الفكريّة _
السياسيّة الرصينة والمهمّة!. لكأنّ هؤلاء لم يأتوا ليسمعوا، بل أتوا ليهتفوا، ويضفوا
جوّاً إسلاميّاً، فاقعاً.
بسبب الطغيان المذكور أعلاه، بدا الحضور السرياني
والكردي والعلماني، جد هزيل ومرتبك وهشّ!. زاد من طامّة الأمر، الكلمة التي ألقاها
الاستاذ الفنان رحيمو، ممثلاً عن الشعب الكردي!. والحقّ أن الكلمة، بلغت من
الهشاشة والارتباك والتخبّط، ما أثار العصبيّة في نفوس الكرد الموجودين أجمعين.
حيث كان صوت الاخ رحيمو، غير رحيم بآذان الجالسين، وكان عالي النبرة والوتيرة
والتشنّج. في حين كانت كلمته، خيط من السياسة والانشاء والحديث عن الانا _ الذات والفن،
بحيث يعجز المرء كيف يصنّفها ضمن نسق معيّن من الكلام!. وبتقديري، كان الأجدى، ان
تقتصر كلمة الاخ رحيمو، على ذكر دور الكرد السوريين في السوريّة، ودور التنسيقيّات
الشبابيّة والاحزاب الكرديّة والنخب الثقافيّة، ورؤية الكرد لسورية المستقبل. مع
التأكيد دوماً ودوماً على حضور الأخوان السريان والاشوريين والأرمن والروم، وكل
ألوان الطيف القومي والديني والطائفي السوري الجميل، في العمليّة الانتقاليّة
الثوريّة التي تشهدها سورية الآن. وألاّ تخلط كلمته الموضوعي بالذاتي، وحديثه عن
تجربته الابداعيّة الفنيّة والكتابيّة، في حين يفترض به أنه يلقي كلمة ممثلاً عن
شعب، وليس عن ذات مبدعة!.
مقصد القول: الكلمة التي القيت باسم الشعب
الكرديّة، لم تكن بمتسوى تمثيله سياسيّاً، وحتّى ثقافيّاً وإبداعيّاً. وهذا ليس
رأيي، بل رأي الغالبيّة العظمى من الكرد الذين حضروا الاحتفال.
عطفاً على ما سلف، ونتيجة تلك الاجواء، وتجيير
الاحتفال لصالح فرض أجندة إسلاميّة _ سياسيّة، بمنتهى الفجاجة والفظاظة، امتنع
كاتب هذه الاسطر، عن القاء قصيدة له، كان من المفترض أن ألقيها. فتلك الأجواء،
قدّمت دليلاً جديداً على أن الدولة المدنيّة التي يطالب بها الإسلاميون السوريون،
لا زال مشكوكاً في نواياها وطبيعتها وماهيّتها.
ورغم كل ما سلف، فليسقط النظام السوري، ولتنتصر
الثورة السوريّة، وليأتي الاسلاميون للحكم. فالقلق من النظام الآتي، أيّاً كان، لن
يحول دون القرار والرغبة الصادقة لاسقاط نظام الاسد. وهنا، محنة العلمانيين
والليبراليين، هي اشدّ وأقوى، لجهة القبول بالبديل الإسلامي الآتي، مكان العلماني
_ الطائفي، الوحشي، الحالي. لأجل سورية وانقاذها من النظام الاستبدادي الدموي
الاسدي.
ونأمل من قوى المعارضة السوريّة، وتحديداً
الإسلاميين، ألاّ يزيدوا بسلوكيّاتهم الاستعراضيّة، المصحوبة بالتسلّط، في الحراك
المعارض للنظام السوري في المهجر، أذ يثيرون، اكثر وأكثر، من قلق المختلفين معهم،
ويدفعهم للانكفاء والتساؤل: إذا كان الاسلاميون هكذا، وهم خارج الوطن، ولم يستلموا
السلطة بعد، فكيف بهم، وهم في السلطة!؟. فتحويل احتفاليّة امس، الى ما هو خليط من
خطبة الجمعة أو حلقات الذكر والدروشة، واسواق المزاد العلني، يطغى عليها أجواء
الهرج والمرج، أساء للثورة السوريّة وللإسلاميين أنفسهم.
هوشنك أوسي

12/3/2012