قتل كولونيل الشرطة التركي رضوان أوزدين عام 1995 وتقول زوجته أن من قتله ليس مقاتلين أكرادا بل زملاء له لمعارضته "حربهم القذرة" وتقول ان حل المشكلة الكردية ليس عن طريق "ان تقتل وتقتل".
قتل كولونيل الشرطة التركي رضوان أوزدين
عام 1995 وتقول زوجته أن من قتله ليس مقاتلين أكرادا بل زملاء له لمعارضته "حربهم
القذرة" وتقول ان حل المشكلة الكردية ليس عن طريق "ان تقتل وتقتل".
لكن الزمن تغير. فتركيا تعترف الان أنه
الى جانب الهجمات العسكرية لسحق متمردي حزب العمال الكردستاني هناك مجال لمحادثات مع
الجماعات المرتبطة به لايجاد سبيل سلمي لانهاء الصراع المستمر منذ 27 عاما.
وانهارت محادثات سرية بين المخابرات التركية
وحزب العمال الكردستاني عندما تسربت تسجيلات عن المحادثات التي جرت في أوسلو العام
الماضي. ورغم فجوة الثقة بدا أن الجانبين مستعدان للمحاولة مرة أخرى.
ورد الرئيس التركي عبد الله جول على سؤال
لرويترز العام الماضي عما اذا كانت المحادثات مع حزب العمال الكردستاني قد استؤنفت
دون أن يؤكد أي شيء لكنه علق قائلا "أنظر اذا كانت هناك مشكلات مهمة في بلد ما
فان محاولة حلها سواء في العلن أو في السر هو واجب كل دولة. ومن الطبيعي في اطار ذلك
أن تنفذ مبادرات ومازالت تنفذ."
وكانت تركيا طوال الوقت تنظر لحزب العمال
الكردستاني باعتباره مشكلة تتعلق بالارهاب. لكن في حكومة حزب العدالة والتنمية بزعامة
رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان أصبح هناك اعتراف الان لم يكن موجودا في تسعينات القرن
الماضي بأن للمسألة الكردية أبعادا أخرى وسبلا أخرى الى جانب العمليات العسكرية لمحاولة
حلها.
وقال جول في حديث صحفي "من الواضح
انني لا أعرف من هو حزب العمال الكردستاني... وبالطبع له امتداد بين المدنيين."
وأضاف "ربما كان هناك من ينتهجون الخط
نفسه في الحياة المدنية. هناك من هم يعملون بشكل شرعي وهناك من يقاتلوننا في الجبال."
وقتل نحو 40 ألفا منذ أن بدأ حزب العمال
الكردستاني حملته المسلحة لاقامة دولة للاكراد في عام 1984 بقيادة عبد الله أوجلان
المحبوس حاليا في سجن على جزيرة في بحر مرمرة بالقرب من اسطنبول.
وكان من نتائج الصراع الى جانب تكلفته البشرية
كبح التنمية الاقتصادية وتصعيد التوترات والاضطرابات في جنوب شرق البلاد على الحدود
مع العراق وايران وسوريا.
ويقول أردوغان انه متمسك "بانفتاحه
الديمقراطي" ومنح المزيد من الحقوق المتعلقة بالثقافة واللغة للاكراد الذين يمثلون
نحو 20 بالمئة من سكان البلاد لكن العمليات العسكرية لم تشهد تراجعا يذكر حتى خلال
فصل الشتاء.
وانشغل ايضا ممثلو الادعاء الحكومي باعتقال
المئات ممن يشتبه بانهم من أنصار حزب العمال الكردستاني في مختلف أرجاء البلاد منهم
العديد من الساسة الاكراد المنتخبين. وهناك 25 من بين 28 عضوا في سلطة كازلتيبي المحلية
محتجزون الان اما يحاكمون أو ينتظرون نظر قضاياهم في المحكمة وذلك حسب ما قال مسؤول
في حزبهم الموالي للاكراد.
ويكشف المحققون الان عن عدد من المقابر
الجماعية لاكراد يعتقد أنه قتلوا على يد عملاء متشددين تابعين للدولة القومية العلمانية
المتشددة في تسعينات القرن الماضي والتي بذلت ما في وسعها لكسر شوكة أردوغان وجول وغيرهما
من الساسة من ذوي الخلفية الاسلامية الذين كان نجمهم بدأ يسطع.
وجاء فتح مقبرة الكولونيل أوزدين في مقبرة
الشهداء في اسطنبول في اطار هذه التحقيقات.
وقال محامي الاسرة انه ليس هناك اي أثر
لجرح نتج عن طلق ناري في الجبهة كما سجل كسبب لوفاة فيما وصفته السلطات في ذلك الوقت
بأنه اشتباك مع حزب العمال الكردستاني.
وكشف اوزدين كذلك عن عمليات تهريب بنزين
ومخدرات بين رجال الشرطة.
ونقلت صحيفة زمان التركية عن تومريس اوزدان
قولها "لن ينتهي الامر عند هذا الحد... ان لم يكن أنا فسيكمل أبنائي وأحفادي هذه
القضية. ستظهر الحقيقة وسيمثل المسؤولون أمام القضاء."
ويعترف حزب العمال الكردستاني من جانبه
بأنه ليس هناك حل عسكري خالص للصراع وان الحزب لا يمكنه التغلب على ثاني أكبر جيش في
حلف شمال الاطلسي بحرب عصابات في جنوب شرق البلاد تدار من مناطق جبلية في شمال العراق.
لكنه يتهم الحكومة بانها غير مخلصة في نواياها
التي تعلنها وبأنها تتفاوض فقط من أجل تقسيم الجماعة المقاتلة المصنفة كمنظمة ارهابية
في الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي ولتكون لها اليد العليا في القتال.
ويقول حزب العمال الكردستاني انه دعا من
جانب واحد لوقف لاطلاق النار ثماني مرات منذ تولي حزب العدالة والتنمية الحكم في عام
2002 في اشارات على حسن النوايا تم تجاهلها كلها.وشهد العام الذي انتهى فيه أحدث وقف
لاطلاق النار بعضا من أعلى الخسائر البشرية على الجانبين.
ويقول حزب العمال الكردستاني ان تركيا تمنع
المحامين كذلك من زيارة زعيمهم المسجون عبد الله اردوغان منذ يونيو حزيران الماضي مما
يعطل الحوار مع الحزب الذي مازال بدرحة كبيرة يدار من القمة.
ولم يعد اجراء محادثات مع حزب العمال الكردستاني
غير مقبول من الرأي العام كما كان الحال في الماضي لكن هجمات المقاتلين مثل الهجوم
الذي قتل 24 من القوات التركية في أكتوبر تشرين الاول الماضي لم يكن من شأنه سوى تأجيج
مشاعر الكراهية التي يشعر بها أغلب الاتراك تجاه الجماعة.
ومن شبه المؤكد ان تسجيلات محادثات أوسلو
تم تسريبها في محاولة لتشويه صورة اردوغان والحكومة ويقول محللون انه مازالت هناك عناصر
داخل الجهاز الامني تعارض بشدة المفاوضات كسبيل لانهاء الحرب.
وقال حقان فيدان الذي كان مبعوث اردوغان
في ذلك الوقت في تسجيلات من محادثات أوسلو "تقدرون ان هذه مسألة حساسة للغاية
ووضع يتسم بمخاطرة سياسية عالية بدرجة غير مقبولة." واضاف "رئيس الوزراء
قال مرارا انه جاد ومخلص فيما يتعلق بذلك ومستعد لتحمل المخاطرة السياسية."
وتمت ترقية فيدان بعد ذلك ليراس جهاز المخابرات
التركي.
وأقرت حكومة اردوغان على عجل قانونا الشهر
الماضي لوقف محاولات ممثلي الادعاء لاستجوابه وغيره من ضباط المخابرات الذين شاركوا
في المحادثات - فيما يشير الى انها مازالت يدعم عملهم السري.
وشهدت المحادثات التي استضافتها النرويج
الدولة التي اشتهرت بجهودها من أجل اقرار السلام في السودان وسريلانكا والشرق الاوسط
تسجيلات لصوت انجليزي فيما قد يشير الى دور محتمل لبريطانيا.
واتضح من التسجيلات الصادرة عام 2010 ان
هذه هي خامس اجتماعات من نوعها لكن لم يتضح ما اذا كانت الاخيرة وما اذا كان خط الاتصال
هذا قد أغلق تماما.
لكن هناك مسارات أخرى أيضا وأطراف ذات مصالح
واضحة في محاولة الجمع بين الطرفين.
ومن أهم هذه الاطراف حكومة كردستان العراق
الاقليمية التي تحرص على تشجيع روابط سياسية واقتصادية اكثر وثوقا مع تركيا المعبر
الرئيسي لصادراتها من النفط والغاز. لكنها تقول انها واجهت 28 عملية تركية عبر الحدود
داخل أراضيها لملاحقة عناصر من حزب العمال الكردستاني على مدى 20 عاما مضت.
ولا تتمكن القوات الكردية العراقية رغم
انها ليست صديقا طبيعيا لحزب العمال الكردستاني من اجتثاث عناصر الجماعة التركية من
معاقلها في جبال قنديل في شمال العراق والتي فشل حتى صدام حسين في اوج قوته في السيطرة
عليها من المقاتلين الاكراد.
ولن تحظى أي خطوة من هذا النوع ضد أبناء
عرقهم الاكراد من جانب الحكومة الاقليمية في شمال العراق بتأييد شعبي داخل الاقليم
المتمتع بالحكم الذاتي.
كما أن جبال قنديل أبعد من ان تحاول القوات
التركية الاغارة عليها دون أن تقوم بغزو شامل لكن المقاتلات التركية كثيرا ما تقصف
قواعد لحزب العمال الكردستاني هناك ويسقط قتلى مدنيون في الهجمات مما يثير سببا اضافيا
لقلق السلطات الكردية العراقية.
وقالت مصادر يوم الجمعة الماضي ان مسعود
برزاني رئيس كردستان العراق من المقرر أن يستضيف مؤتمرا للاكراد في يوليو تموز المقبل
حيث ستكون هناك محاولة للبحث عن سبيل لايجاد حل سلمي لانهاء الصراع مع حزب العمال الكردستاني.
لكن مسؤولين اكرادا عراقيين اكدوا أن برزاني
رغم تكراره ابداء الاستعداد لتقديم يد المساعدة في قضية السلام لن يقوم بدور الوساطة
بين تركيا وحزب العمال الكردستاني.
وزار وفد من حزب السلام والديمقراطية التركي
الموالي للاكراد أربيل عاصمة كردستان العراق قبل اسبوعين واتفق على ضرورة تشكيل لجنة
للتحضير للمؤتمر الذي سيدعى لحضوره كذلك أكراد من ايران وسوريا.
وقال حسيب كابلان عضو البرلمان عن حزب السلام
والديمقراطية "في حين يشهد الشرق الاوسط والعالم تغيرات فان أكبر قومية بدون دولة
تريد تحديد منهج استراتيجي تجاه هذه العملية."
ورد على سؤال عما اذا كان حزب العمال الكردستاني
مدعوا كذلك لحضور المؤتمر قائلا "اللجنة ستحاول الاستماع للجميع وتحقيق مشاركة
الجميع."
من جون همينج
(رويترز)