بداية نقول إنه ما زال هناك تيارات اسلامية ليست هينة الشأن ترفض الديمقراطية رفضا قاطعا , باعتبارها بضاعة غربية يحرمها الاسلام .حيث هذا دين ودولة وعقيدة وحياة , عبادة وشريعة
*محمد خليفة
بداية نقول إنه
ما زال هناك تيارات اسلامية ليست هينة الشأن ترفض الديمقراطية رفضا قاطعا , باعتبارها
بضاعة غربية يحرمها الاسلام .حيث هذا دين ودولة وعقيدة وحياة , عبادة وشريعة , وهو
أيضا مكتمل . وهو صالح لكل زمان ومكان , ولا يحتاج لأي شيء من خارجه . بينما الديمقراطية
تقوم على فكرة السيادة للشعب , وهو مصدر التشريع , بينما يقوم الاسلام في نظرهم على
أن الحاكمية لله , ولا يمكن إلا الجكم بالشريعة الاسلامية . من هذه الاتجاهات : التيارات
السلفية التقليدية , الوهابية , الصوفية , الجهادية التكفيرية , وتمثله من الدول السعودية
رسميا وتنظيم القاعدة وحركات اخرى كجماعة التبليغ العالمية , بل وكان الاخوان المسلمون
في الماضي يتبنون هذه الرؤية ولا سيما في الستينات عندما اصطدموا بالنظام الناصري في
مصر وكان سيد قطب هو من أطلق من داخل الاخوان حملة التكفير التي وصلت حد تكفير المجتمع
بأسره , لا النظام فقط , وظهر مفكرون ودعاة على شاكلة قطب مثل سعيد حوى ومروان حديد
في سوريا , ثم قال الاخوان كجماعة انهم تراجعوا عن هذه الافكار بدءا من السبعينات
, وتبنوا فكرة الديمقراطية , ولكن الشيخ العلامة يوسف القرضاوي ما زال يقول حرفيا
: (لا نقبل دولة لا دين لها , لا بد ان تكون دولة اسلامية ولكن تدار بطريقة مدنية
, وبواسطة ساسة مدنيين , لا بواسطة رجال الدين ) ومعروف ان القرضاوي يعد أهم مفكري
هذه الحقبة وهو اخواني مجدد تكفره السلفية الوهابية . وهناك تيارات مشابهة ظهرت منذ
قرن كامل في الهند من اهم رموزها العلامة الندوي والعلامة ابو الاعلى المودودي , ولعبت
هذه النيارات دورا مؤثرا جدا في بلادها امتد الى بلادنا وهي تحرم تحريما متشددا الديمقراطية
الغربية والاقتداء بالغرب الكافر . ومن القوى المهمة الرافضة جذريا للديمقراطية حزب
التحرير الاسلامي الذي ينتشر في بلاد كثيرة عربية وغير عربية , ويتميز بدعوته لإحياء
الخلافة الاسلامية كنظام جامع لكل المسلمين في العالم . ونضيف اليه ايضا ان جميع الحركات
الجهادية العنفية التي ظهرت في مصر وسوريا وليبيا وفلسطين والاردن والجزائر والمغرب
وموريتانيا وبعض الدول الافريقية ولاسيما الصومال ونيجيريا تنطلق من نفس المنطلقات
التكفيرية , ومن اهم حركاتها جركة الجهاد الاسلامي الفلسطينية وحركة الجهاد المصرية
التي اغتالت السادات وحاولت اغتيال حسني مبارك وقامت بعمليات مسلحة والجماعة الاسلامية
السلفية التي ظهرت في مصر والجزائر ثم انصهرت في القاعدة إنما تلتقي في تبنيها لهذا
الخط المتشدد الرافض للديمقراطية وتكفر المسلمين الذين يؤمنون بها ويتساهلون في قبولها
كالاخوان والشيخ القرضاوي , ويقع على يمينهم جميعا حركة طالبان الافغانية الباكستانية
وحركات مشابهة في الهند وخاصة اقليم كشمير المحتل , و اخرى في بنجلاديش , ثم امتدت
إلى دول وسط اسيا التي انفصلت عن الاتحاد السوفياتي , بل امتدت لتركمانستان الشرقية
التي تقع في الصين وبدأت تمارس الجهاد المسلح طلبا للاستقلال عن الصين . والملاحظة
الجوهرية على معظم هذه الحركات وأسباب جنوحها نحو لتطرف هو معاناتها من الطغيان إما
السياسي على شاكلة ما عرفته المجتمعات العربية , وإما الطغيان من طرف غير مسلم كما
هو حال المسلمين في شبه القارة الهندية والصين وافغانستان حيث ياتي التطرف الفكري ردا
على التطرف في الطلم من طرف غير مسلم . ولكي لا ننسى فالنزعات التطرفية تزامنت وترافق
نموها طرديا مع الصراع العربي - الاسرائيلي , ومرارة الهزائم العربية وجرائم اسرائيل
وإذلالها لكرامة الشعوب العربية وعجز الانظمة عن التصدي لها . أما التيارات الوهابية
في الجزيرة العربية فمنشؤها البنية القبلية البدوية في المجتمع المحلي حصرا وتخلف البنيات
السياسية الحديثة وغياب النخب العصرية , لكن هذا الوصع التاريخي يشهد الأن تحولات جذرية
مع تسرب الجداثة ونمو الطبقة الوسطى , وثورات المعرفة والعولمة التي مست رياحها تلك
المنطقة .
بمقابل هذه التيارات
والحركات الرافضة للديمقراطية وهي لا تمثل أكثر من 5% من مجموع المسلمين في العالم
, هناك تيارات وحركات كثيرة وكبيرة تتقبل الديمقراطية ولا تعترض عليها بل تطالب بها
وتمارسها , وبين هذه التيارات والحركات ما هو اسلامي الفكر والنهج بشكل كلي , ومنها
ماهو اسلامي جزئيا , ولا بد أن نشير إلى أن جماعة الاخوان نفسها تقبلت الديمقراطية
ومارستها كأي حزب ليبرالي في الاربعينات في مصر , وإبان الخمسينات في سوريا حيث كانت
الجماعة تشارك في الانتخابات النيابية وكانت دائمة الحضور في المجلس النيابي وكانت
مساهمتها إيجابية في المحصلة العامة . والامر نفسه يقال عن احزاب مماثلة في عدد كبير
من البلدان العربية والاسلامية كحزب الاستقلال المغربي , أو جبهة التحرير الجزائرية
, او حركة الثعالبي التونسية , أو حزبي الامة والاتحادي الديمقراطي السودانيين , وحزب
الاصلاح اليمني . وفي تركيا كان للحركة الاسلامية دور بارز ضمن اللعبة البرلمانية منذ
اواسط الستينان وواجهت الاحزاب العلمانية المتطرفة وقمع المؤسسة العسكرية بثبات وتحد
وطورت حضورها الشعبي وفكرها ومدت جذورها بعمق في المجتمع التركي حتى تمكنت في العقد
الاخير من التفوق على خصومها جميعا وإمساكها بزمام السلطة في تركيا حاليا إمساكا قويا
, الأمر الذي جعلها قادرة على تغيير هوية تركيا وتغيير مساراتها الاستراتيجية ايضا
لصالح الخيارات الاسلامية . وفي باكستان تجربة برلمانية عريقة امتدت منذ ولادة الدولة
عام 1948 رغم الانقلابات العسكرية التي قطعت تطورها عدة مرات , وقد تنافست في هذه التجربة
احزاب اسلامية الاديولوجيا باعتبارها قرينة للوطنية , واحزاب ديمقراطية وليبرالية
, وجميعها شاركت في اللعبة البرلمانية , الأحزاب الدينية الكبرى منها , والأحزاب الوطنية
الليبرالية منها أيضا , وحتى هذه هي ذات توجه اسلامي كجزب الشعب , وقبله حزب محمد علي
جناح مؤسس الدولة . ولم يقل احد من هذه الاحزاب إن الديمقراطية كفر أو حرام في العقود
التي تلت الاستقلال مثلما كانت تفعل قبله , بل إن حزب الشعب قادته إمرأة هي السيدة
بينظير بوتو ابنة الرئيس الراحل ذوالفقار . وفي بنجلاديش الدولة التوأم لباكستان والأكثر
تشددا من الناحية الاسلامية على صعيد المجتمع , كانت ولادة الاستقلال بالانفصال عن
باكستان عام 1971 من خلال العملية الانتخابية - الديمقراطية , وقد قاد الاستقلال جزب
عوامي وهو حزب اسلامي ديمقراطي , وما زالت بنجلاديش تمثل ميزة مثيرة تنافس بها كل الدول
الديمقراطية في العالم حيث نجد في هذا المجتمع الاسلامي المتشدد والمتخلف والفقير سيدتين
تقودان الجزب الحاكم وائتلاف المعارضة منذ أكثر من ربع قرن , برهانا دامغا على أن الاسلام
يتعايش مع الديمقراطية بانسجام , ولم تظهر معارضة دينية تذكر لوجود سيدتين تقودان الدولة
والمعارضة في بلد يمتاز بأنه أكثر البلدان الاسلامية فيه رجال دين ويصدر أئمة المساجد
للدول العربية , وأكثر بلد فيه حفاظ للقرأن الكريم في العالم كله , وفيه أكبر قاعدة
لجماعة الدعوة والتبليغ السلفية الدعوية العالمية التي تضم ملايين الدعاة . وفي أفغانستان
كانت أحزاب اسلامية ديمقراطية قبل الغزو السوفياتي عام 1979 , لكن رد الفعل على ذلك
الاحتلال الغاشم أدى للجنوح للتطرف , والجموح نحو الارهاب الممتزج بالنضال المشروع
ضد الغاصبين من كل لون , وظهور طالبان كان تعبيرا عن هذا الجنوح ليس إلا . وفي دول
شرق أسيا ظهرت منذ أربعين أو خمسين سنة أحزاب ديمقراطية باهرة ذات اديولوجيا اسلامية
واضحة أيضا . ففي ماليزيا مثلا قاد الحزب الاسلامي تجربة من أكثر تجارب التنمية والتحديث
الديمقراطية على المستوى العالمي إبهارا , إذ نجح في نقل ماليزيا من بلد متخلف وفقير
إلى أن يصبح من أبرز نمور أسيا اقتصاديا خلال عشرين سنة فقط . وتجدر الاشارة إلى أن
هذا الحزب الاسلامي يحكم بلدا يضم ثلاث مكونات قومية ودينية متساوية الحجم تقريبا
, تتألف من الصينيين والهنود البوذيين فضلا عن أقلية مسيحية وأوروبية . والامر نفسه
في أندونيسيا التي تعد أكبر دولة اسلامية في العالم سكانيا , حيث تمتاز بو حود عشرات
التيارات والحركات والاحزاب الاسلامية يضم بعضها أكثر عشرة ملايين عضو , وجميعها أحزاب
تتبنى الديمقراظية وتطبقها , وفي الهند نفسها حيث لا زال يوجد نحو مائة مليون مسلم
يشاركون في سياسة بلدهم بواسطة أحزاب ديمقراطية تشارك في الحكم بكفاءة وتنافس طبيعي
مع بقية الاحزاب غير الاسلامية . وتعتقد جماعات كبرى منها أن تجربتها الديمقراطية تتفوق
على تجربة باكستان . ونفس الامر يقال عن دول وسط اسيا واسيا الشرقية حيث برزت بعد استقلالها
عن الاتحاد السوفياتي وروسيا تيارات اسلامية وتنظيمات سياسية اسلامية لا تختلف عما
يمور به العالم الاسلامي من تفاعلات ومخاضات اجتماعية وثقافية وتاريخية وسياسية , تتراوح
بين الاعتدال والتطرف , رغم حداثة عهدها وطول حرمانها السابق من التعبير عن هويتها
الاسلامية لأكثر من قرن وتعرضها لمحو ذاكرتها وهويتها لوقت مديد .
ولا بد أن نشير
في سياق الرسم البياني هنا إلى تجارب الاسلام السياسي في إيران حيث ظهرت منذ الستينات
أخزاب اسلامية أو شبه اسلامية لكنها تعتمد الاساليب والوسائل الديمقراطية والليبرالية
, وبعضها كان له امتداد اقليمي خارجي في العراق ولبنان والخليج واوروبا . وساهم بعضها
بنصيب وافر في الثورة على نظام الشاه , ثم عاد للنضال ضد نظام الملالي الديني . ومهما
كان موقفنا الاديولوجي او الطائفي او السياسي من هذا النظام الذي أوجدته الخمينية فإنه
يتعين علينا الاعتراف له بأنه يمارس الحكم بوسائل شبه ديمقراطية , ويحافظ على تداول
السلطة وهامش مقبول من حريات الرأي والمعارضة , ويتيح تنافسا وتفاعلا بين مجموعات وأجنحة
وقوى مختلفة داخل النظام وعلى الساحة الإيرانية , ويشار إلى نجاح أخر هنا يتمثل في
تأصيل نظريات اقتصادية اسلامية متصالحة ومقاومة لليبرالية الغربية لكنها تقوم على الحرية
, ومن أهم الكتاب على هذا الصعيد العلامة السيد الصدر والعلامة تقي الدين المدرسي ولكليهما
شهرة علمية واسعة . ونظام الحكم الايراني الشيعي المذهب والهوية لم يختر لجكم إيران
بعد الثورة كما يرى انجمار كارلسون نظاما دينيا لكنه اختار نظاما يقوم على معطيات الديمقراطية
الغربية , ومهما كانت الملاحظات عليه فإنه اكثر تطورا من الانظمة العربية التقليدية
وفي البلقان ظهرت
منذ السبعينات أحزاب ذات مباديء وهوية اسلامية ولكنها في نفس الوقت ديمقراطية غربية
تماما , خاصة في البوسنة والهرسك , وفي مقدمتها الحزب الاسلامي الذي أسسه في وقت مبكر
المفكر الرائد والرئيس الراحل علي عزت بوغوفيتش , واعتقل بسببه مرات في العهد الشيوعي
, ثم أصبح الحزب الأول الذي دافع بقوة عن استقلال بلاده عام 1992 , وأجرى اول انتخابات
في البلاد ونقلها من الشيوعية للديمقراطية , وما زال هذا الحزب الرائد هو أحد أعرق
وأقوى الاحزاب الاسلامية في البلقان . وهناك احزاب مثيلة في البانيا وكوسوفا , ومكدونيا
وفي صربيا والجبل الاسود واليونان وبلغاريا , وجميع هذه الاحزاب أوروبية الهوية والمنشأ
لكنها اسلامية الفكر , مع إيضاح أن الاسلام هنا هو الهوية القومية وليس الديانة وحسب
. ولا شك عندنا أن هذه الاحزاب تثري التجارب السياسية الاسلامية على الصعيد العالمي
, وتساهم في نقل العدوى الحميدة لغيرها من الاحزاب الاسلامية في اسيا وأفريقيا . وهي
قريبة لأسباب تاريخية مفهومة من خط سير التطور التركي , لا العربي . ويدعم أو يعزز
هذه الاحزاب الاسلامية الاوروبية بالكامل , نوع اخر من التيارات والاحزاب الاوروبية
الاسلامية هي التي انشأتها المجتمعات الاسلامية التي تكونت وتجذرت في جميع الدول الاوروبية
خلال الحقبة التي تلت الحرب العالمية الثانية وحتى اليوم , فهي ضمن ما يسميه علماء
الاجتماع الجيل الثاني والثالث من المهاجرين المسلمين لاوروبا اسست احزابا ومنظمات
, وافرزت تيارات فكرية اسلامية تسوعب وتستلهم الحداثة الغربية بنسب متفاوتة لكنها جميعا
تتبنى الديمقراطية التي عاشت في كنفها , وصار لها تأثير مباشر على الحركات والتيارات
الاسلامية في البلاد الاصلية , خصوصا وان الديكتاتورية المسيطرة في العالم العربي
_ الاسلامي تسببت بطرد وإقصاء شرائح هامة من النخب المعارضة التي انتقلت الى اوروبا
منذ الستيتات وهضمت كثيرا من خصال وقيم الحياة الغربية بما فيها الليبرالية والديمقراطية
, وهي تقتفي اثار خطى رواد النهضة الاسلامية ومفكريها الكبار منذ اواخر القرت التاسع
عشر أمثال الافغاني وعبده ورضا , وقد لاحظنا تأثير هذه النخب قديمها وحديثها , في ثورات
الربيع العربي كلها حيث كانت بغالبيتها تنشط من اوروبا واستطاعت الاسهام بقدر وافر
في دعم وتوجيه الثورات العربية واختيار برامجها ومعالم الطريق امامها . وفي المحصلة
إن ما يسمى الان بين الباحثين ( الاسلام الاوروبي ) يقود الثورات العربية , ويرسم لها
استراتيجيات التحول نحو العصرنة , ويهديها سبيل الرشاد الديمقراطي
هذه هي بإيجاز
صورة التيارات والحركات الاسلامية السياسية بحسب معيار القرب والبعد عن الديمقراطية
, نضيف إليها عشرات الاحزاب السياسية المنتشرة في جميع انحاء العالم الاسلامي , من
موريتانيا إلى الصين , ليست اسلامية الفكر ولا البرامج ولا الاديولوجيا , ولكنها احزاب
ليبرالية ووطنية وقومية وتحررية بل ويسارية , لكنها بصورة أو أخرى تشتمل على بعد اسلامي
أو ذات وظائف إسلامية , وغالبيتها الساحقة تتبنى الديمقراطية بنسب وصيغ متعددة ومختلفة
, مما يجعلها ضمن عوامل صناعة التحول التاريخي الديمقراطي في العالم الاسلامي
وقد شهدت الاعوام
الاخيرة ظاهرة تبلور تيارات ومنظمات اسلامية سياسية معتدلة تتبنى بالكامل وبصورة جلية
الديمقراطية ومعظمها يحاول تحاشي الأخطاء والانحرافات التي شابت مسيرة الاخوان وجعلهم
بعبعا في نظر الانظمة المستبدة ودول الغرب الديمقراطية على حد سواء , وبعض هذه التيارات
نشأ بحضانة الانظمة السابقة بهدف إضعاف الحركات الاسلامية المتشددة , ومنها مثلا حزب
الوسط المصري والتيار الاسلامي الديمقراطي في سوريا , ثم ازادت ظاهرة هذه الاحزاب بوتائر
أسرع واوفر بعد انطلاق ثورات الربيع العربي وسقوط قلاع الديكتاتورية التي سلطت أجهزتها
الامنية العاتية ضد التيارات والقوى الاسلامية التقليدية كالاخوان والتحرير وما تفرع
عنهما وبموازاتهما , وهي تحاول في المجمل منافسة المكانة التاريخية التي تحتكرها جماعة
الاخوان وحزب التحرير الاسلامي من دون ان نلمس نتائج ذات قيمة تذكر حتى الساعة
ويمكن القول في
النهاية بثقة تامة إن التحول نحو خيار تبني الديمقراطية في العالم الاسلامي هو اتجاه
تاريخي صاعد لا هابط , ومتوسع لا متقلص , برغم بعض الحالات هنا وهناك , بما فيها مثلا
صعود بعض التيارات السلفية إلى رأس السلطة بفضل الربيع العربي وهي التي كانت تحرم الديمقراطية
وتكفر من يؤمن بها ويعمل بها
إن المحرك الأقوى
الذي يخلق القوة الدافعة لهذا الاتجاه إنما يكمن في اختيارات الشعوب نفسها لا في نظريات
الاحزاب وفي ضرورات الواقع لا في فتاوى الفقهاء , حيث يتم استيعاب معطيات الحداثة والعولمة
والثورات التقنية المتسارعة من قبل الشعوب والنخب الشابة في كل بلد ومن كل مجال بصورة
لا تحدها حدود ولا تمنع تدفقها موانع , لأننا ببساطة نعيش عصرا أصبح العالم فيه أشبه
بالأواني المستطرقة , حيث لا بد أن يسير التطور بمنسوب واحد يشمل الجميع , وإلا يحكم
على نفسه بالهلاك . ومن ناحية أخرى لا بد أن نشير وبنفس الثقة إلى أن طبيعة الاسلام
المرنة واتساعه وقابليته الهائلة للتكيف مع مختلف التحولات التاريخية والعقلية الكبرى
باعتبارها سننا الهية أولا وأخيرا , هي بحد ذاتها عامل رئيس من عوامل هذا التحول ’
فالاسلام يقرر إن الحكمة ضالة المؤمن و أنى وجدها التقطها وهو أولى بها , والرسول يقول
إن طلب العلم فريضة على كل مسلم , ويدعو للبحث عنها ولو في الصين , ما يعني أنه حث
وحض على التعلم من تجارب الاخرين في كل مجال , وكان عباس العقاد يقول إن الاسلام هو
الدين الوحيد الذي يتميز بأنه جعل التفكير واتباع العقل فريضة مثلها كمثل العبادة لأن
الغاية الاولى للانسان على الارض وفي الحياة هي إعمار الكون وإصلاحه
* محمد خليفة
24.2.2012
جزء من المحاضرة
التي ألقيتها في ندوة استكهولم في 23.2.2012