"إلى بوشكين
لو تنهض، الآن، ياصديقي، بعد حوالي قرنين من رحيلك، لترى الحال الذي آل إليه بعض مهرجي الكتابة في روسياك العظيمة..!"
"إلى بوشكين
لو
تنهض، الآن، ياصديقي، بعد حوالي قرنين من
رحيلك، لترى الحال الذي آل إليه بعض مهرجي الكتابة في روسياك العظيمة..!"
بعد
أن مضى عقد ونيف من الألفية الثالثة، بات المثقف/الكاتب أمام أسئلة
جديدة، تفرض نفسها عليه بقوة، إلى الدرجة التي صارت فيه هذه الأسئلة لابد من
تناولها، من قبله، في ما إذا أراد تسجيل أية مقاربة من المشهد الحياتي، في إطاره
الكوني، وغدا التعامي والتصامم عن رؤية وسماع أصداء هذه الأسئلة أمراً يدعو إلى
الريبة ، لاسيما من قبل هؤلاء الذين قد يبحثون عن قضايا أقل شأناً، لايعد تناولها
مأثرة، ولا تحدياً ومواجهة للرقابات الهائلة
التي قد تقف حجرة عثرة أمام طرح ماهو مستجد وراهن، من القضايا الأكثر إلحاحاً.
وإذا
كان المثقف يرى ما يجري في العالم، وهو في
منزله، أو مكان عمله، من خلال وسائل الاتصال الهائلة التي ألغت الحدود والمسافات،
إلى الدرجة التي بتنا نجد فيها أن صرخة
طفلة جريحة تتصادى إلى مسامعنا، أنى كنا، وهي تلح في السؤال عن أبوين وأخوة غابوا،
إشباعاً لغريزة الإبادة المتوحشة لدى صناع الجريمة، في كل مكان، بل وقد باتت
الصورة الإلكترونية التي تقدم هذه اللقطة، وغيرها من آلاف اللقطات المماثلة التي
تتم طبق الأصل، كما هي، لتكون مفهومة لدى سبعة المليارات من العالم المتفرج، من دون أن يحتاج ذلك كله إلى أية ترجمة، أو
شروحات، وتفاسير، وهوامش إضافية من قبل من يستفزه كل ذلك، ويدمي روحه وضميره،
ليقول كلمة الحق، دونما أية استجابة لسطوة الخوف أو رياء المحاباة، كما قد يحدث من
قبل بعضهم ممن قد يتنطعون لتقديم وجهات
نظرهم، بدافع تمييع ما يتم، في الوقت الذي
يدرك فيه المثقف أنه، الآن، وأكثر من أي وقت مضى، بات أكثر التصاقاً بلحظته الزمنية،
لأن ما يجري من بشاعات دموية، هي مسؤولية كونية، وهذا من صلب الأسئلة الكبرى
الجديدة.
وإزاء هذه الحالة الجديدة التي فرضت نفسها،
بفضل ثورة التكنولوجيا والإعلام، صار
الكاتب-أينما كان- سواء أكان منتمياً لمؤسسة ثقافية، أو خارجها، غير قادر على
التنصل من مثل هذه المسؤولية أمام الحدث العالمي، وليس المحلي، فحسب، وهي مهمة
كبيرة، تدخل في صميم هذه الأسئلة الكبرى، وهو الموقف الذي ينسحب على مؤسسة هذا
الكاتب، في الوقت نفسه، بل إن مسؤولية المؤسسة الثقافية باتت أكبر، إذ بات من ضمن
المهة النقدية لهذه المؤسسة، أن تنحاز إلى
القضايا الإنسانية، المستجدة منها،
والراسخ في تبيان الهوية والخصوصية، وهذا ما يعطي الكاتب-وهو المثقف – صفته
الجديدة، كي يكون مواطناً عالمياً بامتياز، تتعدى مسؤوليته بيته، أو شارعه، أو
مدينته، أو بلده، أو قارته، أو رؤيته، أو لغته،لاسيما وأن اللغة الواحدة-لغة
الصورة الإلكترونية- لا أحد قادرعلى إدعاء
إجادتها، في ظل ما سبق، من مثال مشخص، أو سواه.
انطلاقاً
من مثل هذه المقدمة، فإن المهمات المترتبة على الكاتب/ المثقف، باتت كبيرة، وهي
مدعاة قلق، فعلي، في ما إذ كنا أمام كاتب، حقيق، ذي ضمير حي، وباتت أولوية تناول
هذه الأسئلة تسجل ليس اعتماداً على
المسافة الجغرافية، بل اعتماداً على أحقية القضية-لاسيما إذا كانت تتعلق بحياة فرد
أو شعب أو بلد-إذ يسقط أي تفسير آخر، مني على أساس الأدلجة، أو التكتيك المنفعي، أو الاستجابة
لنزوعات ومصالح نخبة ما، في هذا البلد أو ذاك، لأن حق أي فرد في الحياة بالشكل المطلوب، من عداد
مسؤوليات أبناء القرية الكونية، متى..
وأينما كانوا.....!؟
elyousef@gmail.com