تكييف الفيتو الروسي موضوعيا .. ومسؤوليتنا بعده
الثلاثاء 07 شباط / فبراير 2012, 19:16
كورداونلاين

المهمة الأكبر وذات الاولوية على كل ما سبق هو توحيد المعارضة السورية , لنتجنب أي انزلاق نحو الحرب الأهلية , ولتوليد الثقة بنا في لعالم بقوة الشعب السوري ووحدته
لسياسة تعبر عن المصالح , ولا تعبر عن الاخلاق , هذا مفهوم معروف سائد في كل الثقافات والعوالم بلا فرق بين شرق وغرب , واسلام ومسيحية ويهودية وبوذية وعلمانية , ولا بين تقدمية ورجعية ومتقدمة ومتخلفة . ومن ثقوب هذا المفهوم العتيق يمرق كالسهم الكثير من التصرفات والسلوكيات والمواقف الدولية التي تتعارض مع المبادىء والمثل الانسانية , كما يراها بعض البشر هنا أو هناك . هذا صحيح ونبصم عليه مع الباصمين , ولكن لهذا المفهوم المثقوب شطرا أخر عادة ما ينسى عن عمد وخبث , وهو أن السياسة لا يجوز أبدا أن تتجرد من الاخلاق تماما , وإذا تجردت من الاخلاق بالمعنى الواسع فإنها تصبح إجراما وإفسادا في الارض لا يمكن قبوله على الاطلاق , لأنه يهدد الوحود الانساني والمحتمع الدولي والنظام الدولي .
هذه مقدمة لأضع الموقف الروسي - الصيني من الازمة السورية في نطاقه العلمي الصحيح , ولأقول إن السياسة ليست أن تتصرف دولة ما وفق ما تعتبره مصلحة لها ضاربة عرض الحائط بقيم الحياة الدولية المشتركة ومثلها وأخلاقياتها المتعارف عليها , والحيوية كي تستمر العلاقات بين الدول والشعوب والثقافات , بل ولكي تستمر المصالح المادية ذاتها مصانة للجميع .
إذن السياسة غير الاخلاق , ولكنها لا بد أن تكون نابعة من الاخلاقيات السائدة في كل عصر , ومعززة بألاخلاقيات الاساسية الثابتة التي لا تتغير عبر العصور , والناظمة للوجود الانساني الوطني والعالمي , وبدونها تهدده وتهدد الاستقرار العالمي مثلها كمثل الحروب والاسلحة النووية والجريمة المنظمة .
السلوك الروسي - الصيني عموما يخالف كل الاخلاقيات والمبادىء المتعارف عليها في هذا العصر وكل عصر وتهدد النظام الدولي الناظم للاستقرار القائم في العالم ويهتك القوانين التي يستند إليها هذا النظام , ويتعارض بل ويتناقض مع المصالح المشتركة للدول والشعوب كافة لأنه يحمي قتلة وارهابيين ومجرمين , ويشجعهم على اقتراف جرائمهم , ويوفر لهم سبل النجاة من العقاب أيضا .
وتزداد مخاطر السلوك الروسي - الصيني أضعافا مضاعفة , لأن الدولتين عضوان دائمان في مجلس الامن الدولي المسؤول عن حفظ الامن والاستقرار في العالم , ما يعني أن سياستهما لا بد ان تتسم بالمسؤولية البالغة . وهذا هو السبب الذي دفع العالم كله للشعور بالصدمةجراء استخدامهما حق النقض ضد مشروع القرار العربي _ الاوروبي , والذي صيغ سلفا وفق رؤية موسكو التي طالبت تقديم طوق نجاة لبشار الاسد على شاكلة ما قدمته دول الخليج والولايات المتحدة للديكتاتور اليمني على صالح . أي أن مشروع القرار يلبي مصالح روسيا ولا يتجاهلها , وهو أصلا صيغة إنقاذية لمجرمي دمشق , وصيغة ملطفة لمطالب الشعب السوري الذي فقد ألافا من أرواح بنيه وشبابه وأطفاله , وصيغة ملطفة من إجراءات العدالة الدولية ومبادىء الديمقراطية واحترام إرادة الشعوب في اختيار حكامها وعزلهم .
أمام ذلك لا نخطىء أبدا إذ نتهم الروس والصينيين بالمشاركة الفعلية في قتل الشعب السوري وسفك دمائه وتدمير سوريا ودفعها للحرب الاهلية الطائفية , وبالتالي خلق بؤرة حريق كبير سيمتد حتما إلى دول عديدة في المنطقة بأسرها , وبالتالي تهديد السلم والاستقرار والتعايش على المستوى العالمي .
إننا لا ننسى ولا ننكر أن هناك دولا كبرى أخرى مارست نفس السلوك في السابق , وخاصة الولايات المتحدة التي عطلت سيف العدالة الدولية على اسرائيل وحروبها الإبادية على الشعب الفلسطيني وغيره من الشعوب العربية , لكننا نتحدث اليوم عن الموقف الروسي - الصيني , وقد قلنا نفس الامر في السابق وسنكرر إدانته عندما يتكرر مستقبلا من أي دولة .
نحن السوريين اليوم مطالبون بالبحث عن سبل وطرق أخرى للوصول إلى ما نريده بعيدا عن مجلس الامن , لأن هذا المجلس ليس هو الخيار الوحيد , ولا الموقف الروسي هو نهاية العالم , ونحن نستطيع أن نرى مكسبا معنويا كبيرا لنا على المستوى العالمي ننيجة الموقف الروسي الذي يستفيد منه الاسد على المستوى القريب فقط , ويفيد الثورة أكثر على المدى البعيد , ويفضح النفاق الدولي , ويعري من كنا نعتبرهم أصدقاء وحلفاء وفق قاموس مصطلحات الحقبة الديكتاتورية البالية , حيث الصداقة بين الحكام والدول لا بين الشعوب . وقد كنا كتبنا هنا منذ اكتوبر الماضي أنه لا جدوى لنا من تبديد طاقتنا وجهودنا على أعتاب مجلس الامن الدولي لأنه موصد بإحكام في وجهنا بسبب الفيتو الروسي - الصيني , وكنا هنا نقلنا نصيحة أحد أهم وزراء خارجية السويد وأكثرهم خبرة بالشؤون الدولية والامم المتحدة السيد يان الياسون وجهها لنا في مؤتمر ستوكهولم للمعارضة السورية [ 9 - 10 - 2011 ] وقال لنا ابحثوا عن طرق أخرى لانه لا فائدة من الركض خلف سراب الشرعية الدولية في مجلس الامن , ونصحنا بالتوجه إلى مجلس حقوق الانسان والمحكمة الجنائية الدولية لنزع شرعية القتلة في سوريا ومحاسبتهم ويؤدي بالتالي لنفس النتيجة أي سقوط النظام .
وهناك الان خيار التوجه للجمعية العامة للامم المتحدة لاستصدار قرار دولي ولو كان غير ملزم , لأنه سيكون محاكمة علنية وعالمية للنظام السوري وللسلوك الروسي غير المبرر لا بمفهوم المصلحة ولا بأي منطق سياسي . وقد كان من فوائد المناقشة التي شهدناها في مجلس الامن على محدوديتها أنها تحولت محاكمة عالمية لسفاحي القرامطة السوريين الجدد . وستتكرر المحاكمة بشكل أقوى في الجمعية العمومية لهم ولحماتهم الروس والصينيين الذين ينتمون لنفس الفصيلة الاديولوجية المعادية لحقوق الانسان والديمقراطية في هذا العصر .
ولا بد أن نتوجه إلى المحكمة الجنائية الدولية , وإلى مجلس حقوق الانسان , وهناك سنجد الأبواب مفتوحة وسنجد تضامنا عالميا واسعا , وخاصة أن جرائم عصابة الاسد أصبحت لا تحتاج ملفات ولا شهودا ولا وثائق لأنها موثقة على الهواء مباشرة , والعالم كله شهود .
ولا بد أن نلاحظ بعض الايجابيات الثمينة في المواقف الدولية , فالبرازيل والهند وجنوب أفريقيا التي كانت في مجلس الامن تؤيد الموقف المشين لموسكو وبكين , ثم تراجعت وصوتت مع مشروع القرار العربي - الاوروبي . وهناك الان إجماع دولي على مشروعية ثورتنا وموقفنا وهناك إجماع على دعمنا وإسقاط النظام السوري , حيث لم تعد ثورتنا شأنا وطنيا بل أزمة دولية سيدفع ثمنها الأسد ونظامه وحماته في إيران وروسيا والصين , وهو الان معزول شأنه كشأن كوريا الشمالية . هذه كلها مكاسب وإنجازات حققناها بدماء شهدائنا وجرحانا وثوارنا الاحرار الأبطال . وعلينا أن نطورها ونطالب بالمزيد حتى يصل النصر القادم حتما . ومن أهم ما يجب أن نطلبه من الدول العربية تطبيق المقاطعة التامة الشاملة المحكمة لنظام الاسد . كما نطالب رجال الدين المسلمين , وخاصة اتحاد العلماء المسلمين العالمي والمرجعيات الاسلامية الكبرى الأخرى في السعودية ومصر وتركيا وسواها بتحريم وتجريم الوقوف مع نظام الاسد سواء من الدول والمنظمات والشركات والموظفين والعسكر , واعتبار القتال ضده حقا تكفله الشريعة الاسلامية لأنه دفاع عن النفس , ومحاربة لمفسد في الارض .
لكن المهمة الأكبر وذات الاولوية على كل ما سبق هو توحيد المعارضة السورية , لنتجنب أي انزلاق نحو الحرب الأهلية , ولتوليد الثقة بنا في لعالم بقوة الشعب السوري ووحدته , لأن التشرزم الذي مارسته المعارضة السورية عن وعي وقصد وعمد مسبق فقد أطال عمر النظام , وأضعف موقفنا كمعارضة وكثورة سورية , وكشعب , وجعل العالم يتردد في دعم معارضة هزيلة ومفككة وتقود إلى حروب داخلية متعددة .
الاستمرار في الانقسامات ومعها المواقف الرمادية من إسقاط النظام بعد اليوم غير مقبولة وتتحمل مسؤولية الدم الذي يسفك كما تتحمله الطغمة القاتلة وتتحمله سياسة موسكو وبكين المعيبة , وسياسة إيران الطائفية القذرة .
أيها المعارضون السوريون : إما أن تتحدوا للعمل على إسقاط النظام بكل مؤسساته ورموزه , وإما أن يسقطكم شعبنا ويرميكم إلى مزابل الماضي مع الاسد وعصابته وقاذوراته كافة من البعث إلى جيشه مرورا ببطانته اللصوصية المافياوية .
الاثنين 6 - 2- 2012
محمد خليفة