الأحد 08 أيلول / سبتمبر 2024, 03:13
حمى تغيير الأسماء تجتاح كردستان




تكبير الحروف : 12 Punto 14 Punto 16 Punto 18 Punto
حمى تغيير الأسماء تجتاح كردستان
السبت 04 شباط / فبراير 2012, 03:13
كورداونلاين
كانت فترة منتصف الأربعينات وما بعدها، وهي الفترة التي شهدت ولادة الحركة التحررية الكردية وانتشار الأفكار القومية في المجتمع الكردستاني، بداية لإطلاق الأسماء الكردية على المواليد الجدد اعتزازا بالهوية القومية الكردية.

في منتصف الثمانينات من القرن الماضي رزق السائق حسين علي، الموظف بدائرة زراعية في أربيل، بولد فسماه «صدام».. وبدا حسين مغترا بنفسه وزملاؤه ينادونه بـ«أبو صدام»، وكانوا على الأغلب يتهكمون ويسخرون منه وهو الكردي الذي يسمي ابنه باسم جلاد شعبه، ولكن زميله شيروان نصحه لوجه الله قائلا له: «يا حسين، لقد ارتكبت جناية بحق ولدك البكر بتسجيله بهذا الاسم، فسيأتي يوم ويلعنك اللاعنون وأولهم ولدك لأنك سميته بهذا الاسم، فهذا الطاغية مصيره إلى المشنقة، فاتقِ الله في ولدك ولا تجعله مسخرة للآخرين».

 

وشيروان هو الذي روى هذه القصة لـ«الشرق الأوسط» لتتولد لدينا فكرة إجراء تحقيق صحافي حول ظاهرة جديدة بدأت تغزو كردستان، وهي تهافت الجيل الشبابي من الجنسين على تغيير أسمائهم العربية إلى الكردية، حتى ضاقت دوائر الأحوال المدنية بالدعاوى القضائية التي يطالب فيها المواطنون بتغيير أسمائهم. ويمضي شيروان في حديثه قائلا: «كان حسين السائق أحد أقربائي من جهة والدتي، لذلك تجرأت حينذاك على أن أتحدث إليه بتلك الصراحة دون أن أخاف شكوى منه لدى دائرة الأمن تودي برأسي، وقد صدق توقعي. فمع اندلاع انتفاضة كردستان عام 1991 لم يكَد ولده يبلغ السادسة حتى اضطر إلى الهجرة إلى إيران بعد أن مزق هوية الأحوال المدنية العائدة لولده وأصدر له هوية مزورة باسم آخر، ولكن هيهات، كانت سجلات الأحوال المدنية في أربيل محتفظة بذلك الاسم اللعين قبل أن يعود بعد عشرين سنة ليغيره إلى (أحمد)».

 

ويقول العميد مؤيد نوري مصطفى مدير دائرة الأحوال المدنية بأربيل في حديث مع «الشرق الأوسط»: «نحن كدائرة أحوال مدنية، الجهة المسؤولة والقانونية لتغيير الأسماء، ولدينا مئات الدعاوى القضائية التي يسجلها الشبان والشابات في محاكم الأحوال الشخصية لتغيير أسمائهم، ويبدو أن تغيير الأسماء تحول فعلا إلى ظاهرة في كردستان، وخصوصا تغيير الأسماء العربية إلى الكردية».

 

ويشير إلى الجانب القانوني بقوله: «القانون يجيز لكل مواطن أن يغير اسمه لمرة واحدة في حياته، وعليه فنحن لا نمانع إذا وردتنا طلبات بهذا الشأن».

 

ويلفت العميد مؤيد إلى «اختفاء كامل لاسم (صدام) في سجلات الأحوال المدنية»، ويقول: «رغم أن صدام حسين الديكتاتور عرف بوحشيته ضد الشعب الكردي، وارتكب الكثير من الجرائم والقتل الجماعي التي لم تعد تخفى على القاصي والداني، ولكن كان هناك من يسمي أبناءه باسم (صدام)، خصوصا إذا كان هو يدعى حسين، وطبعا إطلاق ذلك الاسم كان شائعا في الثمانينات عندما برز نجم صدام، وعلى الأغلب كان الدافع لذلك هو التزلف للنظام. وخلال عملي في هذه المديرية صادفت الكثير من المواطنين الراغبين في محو هذا الاسم واختيار أسماء أخرى بدلا عنه».

 

في ما عدا اسم رأس النظام السابق، اعتادت العائلات الكردية، وخصوصا المحافِظة، على اختيار أسماء أولادهم من القرآن.. فجرت العادة في العقود السابقة عندما كان المجتمع الكردستاني أكثر تمسكا بقيمه الدينية والإسلامية أن يفتحوا القرآن على صفحة، فإذا صادفوا اسما فيها أطلقوه على أبنائهم. ولذلك كان معظم المواليد في تلك العقود يتسمون بأسماء الأنبياء أو الصحابة أو الصالحين، وكذلك بأسماء الفاتحين والقادة الإسلاميين.

 

وكانت فترة منتصف الأربعينات وما بعدها، وهي الفترة التي شهدت ولادة الحركة التحررية الكردية وانتشار الأفكار القومية في المجتمع الكردستاني، بداية لإطلاق الأسماء الكردية على المواليد الجدد اعتزازا بالهوية القومية الكردية.

 

ورغم أن الحكومات العراقية السابقة لم تتدخل لإرغام الأكراد على إطلاق أسماء مواليدهم، فإن هناك إشارات لم يتم التأكد منها رسميا تقول إن النظام السابق كان يتدخل عبر موظفي الأحوال المدنية لمنع إطلاق الأسماء الكردية على المواليد في محافظة كركوك وخانقين وغيرها من المناطق التي تعرف اليوم بالمناطق المتنازع عليها. وعلى كل حال، من خلال متابعتنا لهذه الظاهرة عبر عدد ممن غيروا أسماءهم، نجد طرائف ولطائف في ذوق الشباب والشابات باختيار أسمائهم الجديدة. فواحدة كانت تسمى «عالية» غيرت اسمها إلى «جربة» وهي كلمة كردية تعنى «همسة»، فقد خفضت هذه الفتاة نبرة الصوت من المستوى العالي إلى حدود الهمسة اللطيفة! وتحولت «حفصة» إلى «أفين» وتعني (العاشقة). و«بدرية» إلى «يادكار» أي «ذكرى». وهلم جرا. أما الشباب فقد تحول «ميكائيل» إلى «باران» ويعنى «مطر»، و«عبد الملك» إلى «ريبين».

 

وعلى غرار الكاريكاتير الذي رسمه مبدع العراق الأول عباس فاضل الذي شغلت رسومه الكاريكاتيرية جيل السبعينات والثمانينات من القرن الماضي، حينما سخر من هذه الظاهرة التي يبدو أنها غزت العراق في تلك الفترة، برسم كاريكاتير يقول فيه أحد المواطنين: «اسمي كان ثقيلا على اللسان، ولذلك غيرته من (ثجيل عبد السلام) إلى (ثجيل عبد الكريم»! وهذا نفس ما فعله الشاب «هفال» (20 سنة)، وهو طالب جامعي سماه أبوه باسم «شورش» ويعني «الثورة»، لكنه غيره إلى «هفال». ويقول: «كنت أتحرج جدا عندما كانوا ينادونني باسم (شورش)، اسمي الحالي موسيقي أكثر، وهو عصري، فهناك الآلاف من الشباب ممن يحملون هذا الاسم».

 

السيدة روزان حامل في شهرها الثامن، استعانت بأقربائها لاختيار اسم المولود الذي تظهر أشعة السونار أنه ولد. والغريب أن هذه السيدة التي أطلقت اسم «مروان» على ولدها الأول تبحث الآن عن اسم كردي يتناسب ويتسق مع اسم ولدها البكر، فـ«مروان» هو اسم عربي لا معنى له مطلقا باللغة الكردية، مع ذلك فهي تبحث بعناء عن اسم آخر كردي يتسق مع اسم ولدها البكر من حيث الوزن والقافية.

 

بسؤال الباحث حسن خوشناو عن أسباب هذه الظاهرة يقول: «الظاهرة طبيعية، فالمجتمع الكردستاني في تحول مستمر، وقد اندمج توا مع تطورات العصر، وكحال بقية المجتمعات الأخرى أصبحت هناك مفردات لغوية جديدة تغزو مدن كردستان، ورغم أن الكثير من الظواهر التي يشهدها المجتمع الكردستاني حاليا هي ظواهر مقلدة نتيجة دخول كردستان إلى ما نسميه القرية العالمية، ولكن ظاهرة تغيير الأسماء أصبحت لافتة فعلا في كردستان، وهذا راجع إلى تأثير طغيان الثقافة الكردية والاعتزاز بالهوية القومية على جيل الشباب، واحتلالها محل التأثر بالثقافة العربية التي سادت في المجتمع الكردستاني قبل تحرير كردستان عام 1991، فهذا الجيل لا يعرف شيئا عن النظام السابق ولا عن الثقافة العربية التي تربت بها أجيالنا السابقة، ثم هناك عامل آخر مهم جدا في هذا المجال وهو ظاهرة الانفتاح الذي تشهده العلاقات بين الشباب، فالعلاقات العاطفية أصبحت متيسرة وبنطاق واسع جدا بسبب انتشار الموبايل والإنترنت وغيرها من وسائل الاتصال السهلة والرخيصة، وهناك شباب وشابات لهم علاقات متعددة، وهذا ما يجعلهم يختارون أسماء وهمية متعددة لعقد تلك العلاقات، وبذلك فإنهم يجهدون باختيار أجمل الأسماء، وعندما يروق لهم الاسم يقعون تحت تأثيره، ولن يمانعوا من الذهاب إلى الحكومة لتغييره، خصوصا وأن الإجراءات القانونية سهلة وغير معقدة». ويختم الباحث حديثه قائلا: «في العقود الماضية لم يكن أحد يحتاج أو يتجرأ على تغيير الاسم الذي اختاره له أبوه أو عائلته، ولكن اليوم انهيار القيم، وخصوصا علاقة الأولاد بآبائهم، ورفض الجيل الحالي لكل ما هو قديم حتى في أسمائهم، يؤدي إلى اتساع هذه الظاهرة».

         

شيرزاد شيخاني

 

«الشرق الأوسط»

1024.

مواضيع جديدة في موقعنا الجديد اضغط هنا


ارشيف
ارشيف

صحافة وإعلام و آراء

كتاب الموقع
عبدالغني ع يحيى
العصر الطيني في العراق.
بنكي حاجو
الكذبة الكبرى
ب. ر. المزوري
النقطة
زاكروس عثمان
أحزاب خارج التغطية
إبراهيم اليوسف
النص الفيسبوكي 2.
عبد عبد المجيد
الفسيفساء السورية
أفين إبراهيم
رضاب الفراش
وزنة حامد
قلق الذات