الإربعاء 02 تمّوز / يوليو 2025, 05:18
ناشط سوري يروي فصول تعذيبه في أقبية الأمن السوري




ناشط سوري يروي فصول تعذيبه في أقبية الأمن السوري
الإربعاء 18 كانون الثّاني / يناير 2012, 05:18
كورداونلاين
ساقوني إلى غرفة فيها فتاتان عاريتان؛ ولم أكمل المشاهدة، وأشحت عيني بسبب المشهد المروع، ثم أخذوني إلى غرفة أخرى، وقال لي: سنأتي بأمك وأختك وستشاهدهم

ناشط سوري يروي فصول تعذيبه في أقبية الأمن السوري

الكاتب والراوي مجهولان- سؤال برسم الإجابة للأجهزة الأمنية في سوريا

-  أجبروني على خلع ملابسي كاملة لساعات.

-  أدخلوني سبعة أيام بلياليها إلى صندوق حديد أشبه بالتابوت.

-  بقيت 45 يوماً مطمشاً لا أرى شيئاً(معصوب العين).

-  قلعوا لي سنين من أسناني نتيجة لكمات على وجهي، والحذاء الذي ضربت به.

-  يعلق الشخص من يديه أو أرجله متدلياً دون لمسه الأرض، بشكل دوري يدوم اكثرمن 6 ساعات.

ناشط، ككل النشطاء الشرفاء في أقبية الأمن السوري، وهو عضو منظمة"صحفيون بلا صحف" فضل عدم ذكر اسمه، وعدم ذكر أي معلومة أو حتى إيحاء للدلالة عليه، لأنها ستكون سبباً لاعتقاله من جديد. هذه هي حال الناشطين السوريين المناهضين للنظام القمعي، يحاولون ابتكار كافة طرق وأشكال النضال للوقوف أمام الجلادين والمستبدين الذين يحكمون سوريا منذ أكثر من أربعين عاماً.

الناشط والمعارض المجهول، مثل غالبية المعتقلين في أقبية الأمن، تعرض لكل أنواع وأشكال التعذيب؛ خلال اعتقاله، وقد بدأ كلامه عن صموده بوجه آلة التعذيب التي كانت ترافقه في ليله ونهاره، حيث قال:

" حاولت الصمود بالفرع الذي شكّل بحد ذاته، وبمعزل عن نتائجه، معجزة حقيقية؛ كيف يمكن وأنا لا أملك غطاءً أقف في الليل والنهار على مدى الأشهر الخمسة، وأن أواجه الجلاد بإرادتي وعزيمتي وعقيدتي".

هذا الصمود في الحقيقة بكل المعايير والمقاييس البشرية والإنسانية، ليس إلا واحداً من آلاف المعتقلين الصامدين الذين يملكون الإرادة والقوة والعزيمة نفسها. 

ويبدأ حكايته قائلاً: "في صباح 1/8/2011 وأنا ذاهب إلى العمل يتصل بي صديقي، وقال انه يريدني بموضوع مهم، والتقيت به في إحدى حدائق دمشق الجميلة، وبعد ثوان من جلوسي حضر أكثر من ثلاثين عنصراً من الأمن ينقضون علي وأنا جالس على الأرض، وبعد ضربي ولكمي تعرضت لضربة من كعب الروسية (كلاشنكوف) على رأسي وسقطت فاقداً الوعي، وبعد ساعتين وجدت نفسي في أحد الأقبية ممدداً على الأرض، "مطمش" العينين بعصابة من البلاستيك، و تحسست رأسي الذي يؤلمني، فقد كان ملفوفاً بالشاش"، ويتابع قوله "أدخلوني إلى غرفة فيها شخصان، وسألنني أحدهم - يبدوا انه كان المحقق أو مساعده- انك قد خرجت في مظاهرات، وتعمل في تنسيقيات، فأنكرت ذلك، وعلى الفور تعرضت للضرب من قبل الجلاد بواسطة كبل كهرباء رباعي على بطة عدة مرات، وسقطت على الأرض، وقال المحقق للجلاد خذه إلى الداخل، وهنا بدأ مسلسل التعذيب؛ فقد أدخلوني إلى مكان أجبروني على خلع ثيابي، ومن ثم أدخلوني إلى زنزانة"

ولكن المفاجأة أن هذه الزنزانة لم تكن غرفة أو منفردة كالتي سمعنا عنها الكثير من شباب معتقلي حزب العمل أو حزب الشعب، ممن قضوا أعواماً فيها؛ كانت هذه الغرفة عبارة عن صندوق حديد أشبه بالتابوت، وطوله لا يتجاوز متراً ونصف بعرض نصف متر، وأنا طولي 180 سم، وارتفاعه كان أقل من نصف متر. ودخلت الصندوق من خلال فتحة في أعلاه، ومن ثم أغلقت، وكان بأحد جنبات الصندوق ما يسمى (الشراقة) بمفهوم الأمن، وهي نافذة للطعام والتهوية لا يتجاوز قطرها 15 سم".

ويتابع الناشط كلامه" في أسفل قاعدة الصندوق فتحة صغيرة من اجل البول والبراز، وقد أسميت هذا الصندوق بـ"التابوت الحي" الذي لا يختلف عن التابوت الحقيقي بشيء، ولكن التابوت الحقيقي أفضل بكثير، لأن الميت لا يحس بأهوال التابوت. بقيت بهذا التابوت سبعة أيام بلياليها، وكانت وجبة الأكل مرة واحدة، وهي ربع رغيف من الخبز مع بيضة واحدة، ولكن مع الآسف، ففي الأيام الخمسة الأولى لم استطع  تناول البيضة بسبب الفتحة الموجودة في مؤخرة التابوت والتي عبرها تسقط البيضة، ومع إصراري بعد خمسة أيام على تناول البيضة قمت بإغلاق الفتحة بقدمي، ومن ثم رفعه إلى فمي بعد معاناة طويلة، وبالنهاية تناولتها بقشرها وهي ممتلئة بالبول والبراز، وهذا ما يتطلبه صراع البقاء على قيد الحياة"

ويضيف عن أيامه التي قضاها في التابوت الحي:

"كنت في داخل الصندوق يراودني الإحساس بالبقاء، وكنت أتكلم مع أناي، وهي ذاتي، وأحاورها ، وفي بعض الأحيان يرتفع صوتي قليلاً بالنقاش مع الذات، فهو الوحيد الذي رافقني في صبري على محنتي، وبقي معي لآخر لحظة من العذاب النفسي والجسدي"

وبعد سبعة أيام من العذاب أخرجوه من الموت إلى موت آخر، ولكن إلى زنزانة مرفهة أكثر، طولها تقرب طوله، وعرضها أقل من المتر، وارتفاعها تمكن الشخص من الجلوس، وبداخلها مصرف للبول والبراز، وبقي فيها لمدة سبعة أيام أخرى، وعن هذه الأيام السبع التي قضاها في التابوت الجديد، يقول الناشط:

" كنت في التنفس الصباحي والمسائي أتعرض (للفلقة) وأنا ممدد على الأرض، أنام على بطني مرفوع القدمين ومشدودان إلى كرسي حديدي، لتنهال عليهما الضربات حتى لا أشعر بهما، وباقي الضربات أتلقاها على مختلف أنحاء جسمي.. ومرة قلت للمحقق والجلاد: من شان الله كل شي إلا الدولاب، وأتوسل إليكم لا تضعوني بالدولاب، فقال المحقق  للجلاد: هذا الشخص كونه لا يريد الدولاب، فضعوه بالدولاب لأنه المناسب لتعذيبه. طبعاً هي حيلة مني لأن وضعي بالدولاب يجنبني التعرض للضرب على جسدي، والضرب على القدم أهون".

بعد انقضاء أسبوع التابوت الحي، وأسبوع التابوت المرفه، بدأ فصل جديد من التعذيب اليومي، تبدأ باستراحة صباحية (درس من دروس الفلقة)، وتنتهي باستراحة مسائية(درس آخر من دروس الفلقة)، وتتخلل الفترتين تحقيقاً طويلاً يدوم طول النهار، بسبب الملف الكبير الذي نسب إليه، فلم تبق تهمة أو جريمة إلا ونسبوها له، وهذا التحقيق دام قرابة خمسين يوماً، والأسئلة المتكررة على الدوام بمرافقة اللكمات والصفعات والشتائم، هي:" أين كنتم تلتقون، ومن رفاقك، ومن كان يخرج معك، وكيف يتم التنسيق بينكم للمظاهرات، من يتصل بكم ...".

ويتابع كلامه عن أشكال التعذيب الذي تعرض له" كان نتيجة أسلوب المحقق وهو يحقق معي قلع سنين من أسناني نتيجة لكمات على وجهي، ومن خلال الحذاء الذي ضربني به، وبعد عشرين يوماً تم ضربي بعصاة الكهرباء على يدي اليسرى، فأدى إلى نزيف في قدمي من خلال أصبعي، فأصبت بالإغماء، وتهاويت أرضاً، وهذا الحال كان يتكرر يومياً، وكنت أتألم ليس فقط من التعذيب، ولكن من كأس الخيانة التي سقاني إياها ما سمي صديقاً بعد أكثر من عشر سنوات من المعرفة، فباع نفسه بأرخص الأثمان"

ناشطنا المسكين بقي في قبو الأمن أكثر من شهرين، تعرف خلالها على كل أشكال وأصناف وألوان التعذيب. ويقول" بقيت في الفرع 45 يوماً مطمشاً، بعدها تم فك العصبة عن عيني أول مرة منذ بداية وجودي، ولفترة طويلة لم أشاهد أمامي؛ فظننت أنني لن أرى في حياتي الضوء، وعندما بدأت بالإبصار وجدت نفسي في زنزانة مظلمة، وبعد عدة ساعات ساقوني إلى غرفة فيها فتاتان عاريتان؛ ولم أكمل المشاهدة، وأشحت عيني بسبب المشهد المروع، ثم أخذوني إلى غرفة أخرى، وقال لي: سنأتي بأمك وأختك وستشاهدهم في نفس المشهد السابق، وسوف تشرف على تعذيبهم واغتصابهم إذا لم تعترف، فكان ردي بعد تلعثمي أكثر من خمس دقائق لهول الصدمة: بأن الفتاتان الموجودتان هما أخواتي وأمي، فأفعل ما تريد، وما تشاء، ولم أجد نفسي إلا واللكمات والرفسات تنهال علي لتطرحني أرضاً.

طبعاً التحقيق في أقبية الأجهزة االأمنية السورية شكلي، إذ يقومون بكتابة ما يريدون، وعلى الموقوف أن يبصم على المحضر من دون الإطلاع عليه، وهذا ما حدث مع ناشطنا الذي قال" تم كتابة ما يريدون من التهم، وأجبرت على البصم على ملف تحقيق مؤلف من صفحات كثيرة أغلبها فارغة لملئها فيما بعد".

ويختتم الناشط السوري روايته عن فصول التعذيب التي تعرض لها، فيقول: " لن أنسى التعذيب عن طريق تعليق المعتقل من يديه أو رجليه متدلياً دون لمسه الأرض، وهذا العذاب كان يدوم لساعات طويلة، وإذا فقد الشخص وعيه من شدة الإعياء، فإنهم يرمونه على الأرض، ويرشونه بالماء لكي يسترجع وعيه لفترة قصيرة، وهو يتلوى من الألم، ثم يعلقونه من جديد".

هذه التضحيات من أفراد الشعب السوري سوف تفتح أبواباً جديدة لنا في النهاية، نهاية مظالم الطغاة وأدوات الشر المنفذة لرغباتهم، فسوريا اليوم لديها ثروة من المفكرين والأدباء والمناضلين المتعطشين للحرية من كافة فئات الشعب، وبكل طوائفه وأقلياته، وهذه الثروة الوطنية ليست ملكاً لأحد، وهم وجودوا لبناء الوطن الحر، فهم ملك لوطن الكرامة والشرف والعز.

وفي الختام نتوجه بالتحية والاحترام إلى أرواح كل الشهداء، شهداء الشعب، وإلى عائلاتهم، وإلى كل الجرحى وعائلاتهم، وإلى كل من اعتقل ظلماً، وإلى الذين دُمرت بيوتهم وأرزاقهم وصبروا، وإلى كل المهجرين من بيوتهم، وإلى كل القلوب الواسعة التي آوتهم واحتضنتهم، وإلى كل من دعم وأيّد وساند بعمل أو فعل، موقف أو كلمة، بسمة أو دمعة، ودائماً الشكر المتجدد، والتحية المتجددة إلى كل الذين وقفوا إلى جانب الثورة السورية.

يقول الناشط: كنت ارغب بكتابة اسمي الصريح، لأنني كنت ومازلت أؤمن بأن هذه الثقافة التي تمارسها أجهزة الأمن والمخابرات مع الشعب المغلوب على أمره لخمسة عقود لم تنجح في قمعه، فها هو الشعب السوري ينتفض بوجه الدكتاتورية والاستبداد، ويطالب بإسقاط النظام بكل رموزه ومسمياته. ولكن في حال كتابة اسمي الصريح سيكون أول إجراء بحقي هو الكشف عن ناشط صبر وتمسك بالحياة، ليعود وينشط ويثور ضد النظام، ولهذه الأسباب تحفظت على كتابة اسمي.

إن ما رواه الناشط السوري ليس قصة من أفلام هوليوود، أو قصة لأحد الكتاب المشهورين، بل هي رواية لناشط سوري تعرض لكل ما عرف من أنواع التعذيب البدني والنفسي، وبقي يصارع الجلاد وأدواته، ليخرج ويكمل ما بدأ مع رفاق الدرب، وقطع عهداً على نفسه بأن يصبر ويتحمل العذاب والموت من أجل إخوته الذين يناضلون من اجل الحرية والكرامة، ولم يذكر اسم أي شخص، ولا أي صديق، لكي يجنبهم احتلال مكانه في التعذيب، وبذلك أبعد أكثر من 40 ناشط وناشطة عن هذا المصير المهلك. فكأن به يريدنا أن نقول بأن "الحياة وقفة عز".

دمشق

15/1/2012

منظمة "صحفيون بلا صحف-فرع سوريا

رابطة الكتاب والصحفيين الكرد في سوريا

757.

مواضيع جديدة في موقعنا الجديد اضغط هنا


ارشيف
ارشيف

صحافة وإعلام و آراء

كتاب الموقع
عبدالغني ع يحيى
العصر الطيني في العراق.
بنكي حاجو
الكذبة الكبرى
ب. ر. المزوري
النقطة
زاكروس عثمان
أحزاب خارج التغطية
إبراهيم اليوسف
النص الفيسبوكي 2.
عبد عبد المجيد
الفسيفساء السورية
أفين إبراهيم
رضاب الفراش
وزنة حامد
قلق الذات