المجلس الوطني الكوردستاني - سوريا عام جديد... واستراتيجية جديدة
لم تعد القضية الكوردية في غرب كوردستان مجهولة أو مهمشة منذ نشوء ما يسمى ب"النظام العالمي الجديد" كما كانت عليه قبل ذلك، بل ازدادت وضوحاً، وبخاصة بعد سقوط "جمهورية الرعب" العراقية
لم تعد القضية الكوردية في غرب كوردستان
مجهولة أو مهمشة منذ نشوء ما يسمى ب"النظام العالمي الجديد" كما كانت
عليه قبل ذلك، بل ازدادت وضوحاً، وبخاصة بعد سقوط "جمهورية الرعب"
العراقية في عام 2003، من خلال مزيدٍ من الاهتمام الدولي بما يجري للشعب الكوردي
بشكلٍ عام. كما ازداد الاهتمام بالقضية الكوردية من قبل الرأي العام والدارسين
والدبلوماسيين في العالم الحر الديموقراطي ومؤسساتهم المختلفة لأسباب عديدة، منها
تعاظم النضالات المتواصلة للجاليات الكوردية السورية في شتى أنحاء العالم، من خلال
التظاهرات والاحتجاجات امام السفارات الهامة، وكذلك أمام سفارات النظام السوري،
ولدى منظمات حقوق الإنسان والهيئات التابعة للأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي
والجامعة العربية، وعن طريق رفع وتقديم المذكرات المنددة بالسياسات الخرقاء للنظام
الأسدي تجاه شعبنا الكوردي والمطالبة بحقه القومي... وفي هذا كله جهود مشكورة
للقوى السياسية والثقافية والاجتماعية الكوردية في الداخل السوري وفي الخارج
أيضاً...
ومنذ الانتفاضة المجيدة للشعب الكوردي في آذار
عام 2004 وتقديمه الكثير من التضحيات في الأرواح والأموال، بدأت قضيتما القومية
تفرض نفسها على سائر المحادثات والحوارات السياسية – الثقافية لمختلف القوى
والتحالفات السورية، ويشعر الديموقراطيون السوريون الآن جميعاً بأن سياسة اقصاء
الكورد من ساحة العمل السياسي والمشاركة في القرار الوطني وانكار حقوقهم القومية
كقومية أصيلة في التاريخ السوري وكمكون رئيسي في هذه البلاد من النواحي
الديموغرافية والانتاجية، لم تعد تجدي وأن أي نظام سياسي آخر يحل محل النظام الأسدي – البعثي
المترنح هذا، يجب أن يأخذ الموضوع الكوردي بجدية ومسؤولية وطنية، وليس لمجرد كسب
أصوات التأييد والانتخابات أو بهدف تسخير الطاقات الكوردية المتنوعة لأغراضها
الحزبية أو لاعتبارات تاكتيكية تفرضها الظروف الذاتية والموضوعية على بعض الأطراف
والقوى السورية.
على ضوء هذه الحقائق والوقائع على الأرض
بشكل عام، وضمن المعارضة السورية بشكل خاص، فقد تناولت هذه المعارضة موضوع القضية
الكوردية، في البداية بحياء وتردد، ومن ثم من مستويات قيادية مختلفة ولكن مع
اعتراف بالجهل عنها أو إهمالها أو عدم تفهم المطالب السياسية للأحزاب الكوردية بصددها،
ثم تطور الموضوع إلى مستوى أعلى من حيث الجدية والواقعية، مع تواجد بعض الأصوات
النشاز التي لا تزال تضرب على أوتار مثل "صهر الأقلية في الأكثرية"،
"الأمة العربية تفتح صدرها للضعفاء"، "وحدة العقيدة
والأمة أهم من كل شيء الآن" وكذلك التمسك بفكرة "حق المواطنة
بالتساوي يحل سائر المشاكل العالقة"... والآن نرى عدداً كبيراً من
الديموقراطيين والوطنيين السوريين المؤمنين – حسب أقوالهم وكتاباتهم- بضرورة منح
الشعب الكوردي حقه القومي التام ضمن وحدة البلاد، وهذا ما تريده أغلبية الأحزاب
الكوردية السورية، إلا أن الضامن لممارسة هذا الحق في نظر المجلس الوطني الكوردستاني
– سوريا هو إيجاد شكلٍ حديثٍ من الإدارة الذاتية "فيدرالية قومية" يمارس
من خلالها الكورد حقهم الطبيعي في تقرير مصيرهم بأنفسهم، كما هو الحال في العديد
من الدول التي تقطنها أكثر من قومية، وخير مثال على ذلك سويسرا وبلجيكا، حيث تتمتع
الأقلية القومية الرومانية (1%) من مجموع السكان في سويسرا بهذا الحق، في حين
لايتمتع الكورد السوريون الذين يشكلون ثاني مكون قومي في سوريا من حيث الحجم
السكاني والتوزع الجغرافي الكبير بأي لون من ألوان الإدارة الذاتية. ويتفق مع
المجلس في هذا المجال عدد من القوى الكوردية الناشئة في غرب كوردستان وفي المهاجر
القريبة والبعيدة على حدٍ سواء.
في حقيقة الأمر، إن كانت المعارضة الوطنية
والديموقراطية السورية صادقة في أطروحاتها الأخيرة بصدد القضية الكوردية وحقوق
الشعب الكوردي، فإن الشرخ ليس كبيراً بينها وبين الحراك السياسي – الثقافي
الكوردي، ويمكن التغلب على كثير من العوائق التي تعترض الطرفين إن وجدت، بانتهاج
سياسة الاعتراف بالآخر المختلف كأساس وعدم إهمال أي مقترح مطروح للنقاش إن كانت
هناك نية حسنة في التفاعل الإيجابي بين الإخوة السوريين.
على هذا الأساس يبني المجلس الوطني الكوردستاني
– سوريا نظرته المستقبلية لمجمل المسار الوطني السوري، وللقضية الكوردية على حدٍ
سواء. وهذه الرؤى تقوم على احترام آراء مختلف القوى والفصائل الوطنية السورية،
كوردية كانت أم غير كوردية، بغض النظر عن مواقفها حيال المجلس أوالقضية التي تأسس
من أجلها وبسببها، طالما تحترم تلك القوى والفصائل آراء المجلس بصدد مختلف المسائل
الوطنية، فالعلاقات الحسنة تؤدي من خلال التشارك والتحالف والتقارب إلى مزيد من
الاتفاق وإلى التخلص من العقد النفسية وكذلك إلى تجاوز الموانع أمام الالتقاء
التام وتوحيد المواقف.
وهذا يعني أن المجلس الوطني الكوردستاني –
سوريا سيتحرك في العام الجديد أيضاً في الاتجاهات المختلفة للاستماع إلى سائر
الآراء المتعلقة بالشأن السوري عامة والكوردي السوري خاصة، وسيبدي رأيه في مختلف
المسائل المصيرية الأساسية لدى مختلف الفعاليات الوطنية العاملة من أجل التغيير الجاد
والجذري والحقيقي في البلاد ومن أجل اقامة السلطة الوطنية المدنية بكل معانيها
الأصيلة.
ومن الطبيعي أن يجري الحوار أولاً مع القوى
الكوردية للتوصل معها إلى القاسم المشترك المنشود في العمل السياسي الكوردي في
البلاد، وبذلك يصب المجلس بطاقاته في محركات النضال القومي الكوردي صباً كاملاً
بهدف تعزيز هذا النضال وتوحيد الصف الكوردي وفي رفع مستوى المساهمة الكوردية في
مجمل النصال التحرري الوطني السوري، حيث المرحلة الجديدة هذه تستدعي وتتطلب
الانتقال من حالة التشرذم والتشتت إلى حالة الاتحاد الكوردي القائم على أسس ديموقراطية
ووطنية سليمة وأسس قومية كوردية واضحة المسار والمطالب والأهداف. وبخاصة فإن
الظروف الدولية والكوردستانية والسورية مساعدة لتحقيق مثل هكذا اتحاد قومي ناضج.
وهكذا فقط يمكن لنا معاً بناء استراتيجية
جديدة للحراك الوطني الكوردي، وليس من خلال التخاصم والاقصاء والتنافر، أو محاولات
الهيمنة الفئوية أو الحزبية أو الشخصية، التي يحاول البعض ترسيخها وترويجها وجعلها
تقليداً كوردياً عادياً، في حين أن تلك المحاولات هي التي نسفت في المراحل السابقة
كل الجهود من أجل ترميم البيت الكوردي الكبير.
والعمل معاً من أجل بناء أو وضع هكذا
استراتيجية لايعني أبداً منع التنافس الديموقراطي الحر والمتوازن ضمن صفوف الحراك
السياسي – الثقافي الكوردي، وانما بوضع ضوابط لها، للمساعدة في بناء المجتمع
الكوردي الديموقراطي بكل معنى الكلمة، وهذه الضوابط التي على الجميع الالتزام بها
تنبع من المصلحة القومية المشتركة ومن مصلحة التعايش الأخوي لمختلف مكونات المجتمع
السوري الاثنية والدينية والمذهبية والطائفية دون استثناء.
وأملنا في المجلس الوطني الكوردستاني –
سوريا هو أن يكون هذا العام الجديد عام الاتحاد الكوردي الكبير على أسس الحرية
والديموقراطية وضمن حدود الضوابط الملزمة لجميع أطراف الحركة الوطنية الكوردية
التي نتوصل معاً إلى ابرازها بوضوحٍ من خلال الحوار والتلاقي والتقارب كأبناء شعبٍ
واحد تعرض ولا يزال إلى سائر الممارسات والسياسات التمييزية بهدف القضاء على وجوده
القومي كمكون اثني أساسي في سوريا.
والله ولي التوفيق
05
كانون الثاني، 2012
المجلس الوطني الكوردستاني -
سوريا