السبت 01 حزيران / يونيو 2024, 22:15
لقمان محمود :الشاعرة دلشا يوسف و المكان القائم بزمنه المقموع




تكبير الحروف : 12 Punto 14 Punto 16 Punto 18 Punto
لقمان محمود :الشاعرة دلشا يوسف و المكان القائم بزمنه المقموع
الإربعاء 11 كانون الثّاني / يناير 2012, 22:15
كورداونلاين
تقارب الشاعرة دلشا يوسف في ديوانها الشعري ( أجراس اللقاء) بين اليومي و الذاتي و الكوني، من خلال دمج مناخات مختلفة، تنتج رؤيتها الخاصة لمفاهيم شتى كالحب و العدالة و المساواة و الحرية و النضال و الوطن

الشاعرة دلشا يوسف و المكان القائم بزمنه المقموع

لقمان محمود

تقارب الشاعرة دلشا يوسف في ديوانها الشعري ( أجراس اللقاء) بين اليومي و الذاتي و الكوني، من خلال دمج مناخات مختلفة، تنتج رؤيتها الخاصة لمفاهيم شتى كالحب و العدالة و المساواة و الحرية و النضال و الوطن، وفق عاطفة خاصة بها، و بقولها الشعري.

    فلا ريب أن للحلم المحسوس بالنسبة للشاعرة قدراته الفذة على إبتكار معان أخرى ل ( أجراس اللقاء)  التي تعني بمعنى من المعاني اللقاء بالوطن، بالحرية، بالحبيب، بلغة لا تتحالف إلا مع ألمها المكبوت، كما في قصيدة ( أجراس الوطن) التي تقول:

 

أيها الحلم العميق

حينما يخيب كل رجاء

أشفق حتى على العتمة

بهذا النور القاحل

على الأرض.

 

   تتشكل قصيدة دلشا يوسف بإلتئام ذاتي و فني عبر لوحة شعرية درامية، تبني تجليات إلتحام ذاتها بحساسية العصر و مفارقاته، تستأرخها شعرياً، شاخصاً في عتمة قهرها مع خاصية الذات و المكان القائم بزمنه المقموع، مضيفاً عليها معاني أخرى من وحي واقعها الخاص و هويتها الخاصة، تلك التي أنتجت لها عقودا من الإستعباد و القسر و النفي.

   لذلك تتعامل الشاعرة مع قصيدتها من خلال منظورين: جماعي عام، و ذاتيّ خاص، ساعية وراء تحقيق المشروعية الموجهة للوجدان البشري في هذا العالم المصطنع الذي تتحكم فيه السياسة بالبشر، جامعة بحنينها " صبر الحرية" الذي يدق داخله الأفق الحسي للوطن:

 

أيها الوطن الأول

و الأخير

 ما زلتُ أكتبُ

بصبر الحرية

 أجراس اللقاء.

 

    إن شعرية هذا المقطع - من قصيدة أجراس الوطن- تتأتى من حمولة المأساة التي تفرغها الشاعرة دفعة واحدة.

   على هذا النحو تُظهر لنا دلشا يوسف الشاعرة و المناضلة في سبيل الحرية لأكثر من عشرين عاماً، الجانب الأجمل من سيرتها المتمثلة في تلك

" الأجراس" المتجددة ضد الظلم و ضد المنفى.

   و هذا الإدراك هو ما يجعل الشعرية في هذه القصيدة تتسم بهذه السمة الخصوصية، و هي بذلك قد نجحت في ترويض و توطيد الوشائج الحسية و الشعورية بين الأشياء المتباعدة  داخل " معجمها" اليومي للحياة و الوطن، بسيرة إنسانية شاملة، و الإرتفاع بها إلى مستوى شعري يتجانس فيه الجزء مع الكل.

   إمعاناً في هذا المعجم، سأتوقف عند قصيدة " مرّ حزيناً"، لإستعادة الفضاء الذاكراتي لدى الشاعرة، بإعتبارها من أمة مبتلاة بالحروب، و من ثم فإستخدام الذاكرة شيء حتمي في حياتها:

 

معك يا حبيبي

أكتشفتُ حياتي

و أكتشفتُ معنى

العمر الضائع

لكن

كل شيء مرّ حزيناً

كأثر الحروب على الأرض.

 

   هي حسّرة الذات العاشقة، بإعتبارها إحدى نكبات الزمن الظالم. حيث تنطوي هذه " الحسّرة" على شيء رومانسي شفيف، تقول براءتها و صفاءها من طرف لا وعي القصيدة، التي تقرأ فعل الزمن داخل الشاعرة و خارجها:

 

فقاقيعُ غليان قلبي

صامتة...

كقهوةٍ في ركوة!.

فوق جمر

عشقكِ

أفورُ... أفور

أتكثفُ.. و أتكثّف!.

 

   إنها بوح إمرأة عاشقة أضناها الإنتظار، من حبيب غائب طوى قلبه و مضى إلى المجهول، لذلك تعيد الشاعرة إكتشاف المتناول و ترفعه إلى حدود الرؤيا، عبر إعادة التوازن إلى حرارة القصيدة:

 

أركن

قربَ جمركَ

و استحيل فنجاناً

كي أفورَ إليكْ!.

 

    إن ما يميّز الشاعرة في هذا الديوان هو هذا الحرص البالغ على الإلتصاق بحيزها النفسي و الروحي و الوطني و القومي و الإنساني، فكثيراً ما تكافح لتنتج خصوصيتها النابعة من خصوصية التجارب الإجتماعية و التاريخية و النضالية التي عاشتها المرأة الكردية، من خلال إنتقائها موضوعاتها و تطويرها للأفكار، و تعبيرها عن همومها و مسائلها و أشيائها الحميمية.

و هذا واضح في هذا المقطع من قصيدة " أجراس اللقاء":

 

لو لم تنحدر

من بُرجكَ العاجي،

لما رأت عينُكَ

أبوابي الوطيئة!.

لو رميتَ سلاحك

و ركعتَ قدّامي،

لما أحسستَ ببأسي!.

و لو لم تأتِني كصديق،

لما كنتَ لتراني...

لما كنتَ لتراني ...أبداً!.

 

    تعّبر هذه القصيدة عن تجربة شعرية تمتلك خصوصيتها، و تتوفر على معرفة معمقة عن الذات الشاعرة، التي تلتقي بها حراكها ضمن لقاءٍ مرتقب، صار خلالها هذا " اللقاء" تحدياً ضمن الرؤيا الخاصة بموقعها الوجودي، التي تعطي للذات مسارات عديدة تعيد الإعتبار للمرأة، و لقدراتها على إحداث مفهوم جديد للحب، كصيغة من صيغ التحدي للإحباط الناتج من الآخر- الرجل، بحكم حرصها الشديد على أن الحب ما زال يتقد مع الضعف، لكنه ينتصر بقوة التحدي.

   و ينطبق هذا على قصيدة " إعدام الصوت" من ناحية إبراز البعد الإنساني في صراعها مع الآخر، و تعميق فهم النفس الإنسانية، التي تفيض منها الإنفعالات الصادقة و المؤلمة في علاقتها الشائكة بين الأنا و الآخر، و هو تعزيز لصوت المرأة بوصفها طرفاً شريكاً في بلورة صورة الإنسان و صورة العالم، في كل زمان و مكان.

   و بموازاة هذه الحقيقة تحيلنا الشاعرة إلى " هدم جدران الصمت" كمدخل لإقامة حياة أخرى:

 

آهٍ...

من سنوات

إعدام الصوت

على مرآى من الحنجرة

أما آن لنا

أن نهدم جدران الصمت

بالغضب المقدس

 و نخرج أيدينا من قلوبنا؟!.

 

   إستكمالاً لحلم ( أجراس اللقاء) لا تملك الشاعرة أمام ذاتها و أمام العالم، سوى قصائد ملؤها التحدي و المساواة، في مواجهة الظلم و الإبتعاد القسري، عبر فاعلية شديدة الخصوصية مع لحظتها التاريخية، منصتة إلى أجراس زمنها في وطنٍ مضّرجٍ بالجريمة و الدماء.

 

675.

مواضيع جديدة في موقعنا الجديد اضغط هنا


ارشيف
ارشيف

صحافة وإعلام و آراء

كتاب الموقع
عبدالغني ع يحيى
العصر الطيني في العراق.
بنكي حاجو
الكذبة الكبرى
ب. ر. المزوري
النقطة
زاكروس عثمان
أحزاب خارج التغطية
إبراهيم اليوسف
النص الفيسبوكي 2.
عبد عبد المجيد
الفسيفساء السورية
أفين إبراهيم
رضاب الفراش
وزنة حامد
قلق الذات