السبت 21 كانون الأوّل / ديسمبر 2024, 14:27
زكريا حسن : الياسمين أبقى من البارود




تكبير الحروف : 12 Punto 14 Punto 16 Punto 18 Punto
زكريا حسن : الياسمين أبقى من البارود
الخميس 05 كانون الثّاني / يناير 2012, 14:27
كورداونلاين
الم يكن الهَبل جزءأً منّا حين كان شِعرنا مديحاً إجبارياً ، ألم تكن أذواقنا تدق باب الخطابة المُسكِرة حيناً والمسكّنة لعروق السوس حيناً ، ألم نكن نمني أفئدتنا الجافة كي يفجّر كأس النبيذ فينا شيئاً

الم يكن الهَبل جزءأً منّا حين كان شِعرنا مديحاً إجبارياً ، ألم تكن أذواقنا تدق باب الخطابة المُسكِرة حيناً والمسكّنة لعروق السوس حيناً ، ألم نكن نمني أفئدتنا الجافة كي يفجّر كأس النبيذ فينا شيئاً ، أي شيءٍ يشعر الحياة بقلمٍ نتناوله دون سئمٍ .

على طريقة رجال الدين الباهتة في العصور الوسطى بإجراء عمليات حسابية للتوصل إلى نتيجة مستقبلية أو للتدليل على حادثة سابقة لن أنهال عليكم ، وعلى طريقة عجائز السياسة بالتفكّر ملياً في حجز مقعدٍ قصير عمدوا  لتطويل ظله لن اعلم حجارةً تزين مدينتي ، وأيضاً بترفّع فتاةٍ وصل غرورها درجة اليأس لن اترك سلة العنب لتتخمّر ، قد تحدّث أبي يوماً عن تجاعيد وجهه قائلاً: هي مصممةُ ليعرف العرق التائه طريقه وهي من يعرفني بها الناظر .

إذاً ما الذي جمعنا بالياسمين على مائدة واحدة  ؟

كنا نخاف الأثاث الفاخر المتقن الصنع ذي البريق ، وكنا نحسب أن ليس بالإمكان التفوق إلّا بإمتلاك مثلها ولن نستطيع ، عندها فقَدر كل واحد منّا إمّا الهرب أو التهرب ، كانوا يقنعوننا أن زمن الثورات قد ولّى وأن لا مناص من أن نصير آلاتٍ ، وما نسوه أن الآلات أيضاً تحتاج لانفعالات أعرض من جلد الفيل ، وصديقي اليائس الذي لم ينل إجازة الحقوق - إلّا بعد أن أشتعلت الياسمينة في جسده دون أن يدري - كان يقف كل يومٍ في الرابعة صباحاً على شرفة منزلٍ أقمنا فيه  دون موافقة صاحبه وينادي في الناس النيام بصمتٍ وعيناه تدمعان : سيستفيقون كالحمقى هذا النهار أيضاً ويخدمون السلطان اليوم أيضاً.

كانت الآمال مستلقية إلى اليمين من منفضة السجائر تترقب حمل ربطة العنق في مكتبٍ متوسط المساحة حيث تتدفق من عواصم البلدان رائحة الروتين .. روتين الدوام .. روتين العطلات الكثيرة .. روتين الكلمات المنمّقة التي تقال على مقربة من أماكن التبول .. روتين الافكار الصدئة ، حتى أننا أعتدنا على مصطلح روتين الروتين ، كل شيءٍ كان من أجل ترتيب موعدٍ مع الأشياء التي لم نكن نعرف كيف نريدها ، فقط كنّا نتمنى حدوثها ، حتى أننا لم نتنبأ بقدوم حقبة جميلة – وهذه عادة الأشياء الجميلة - دون موعد مسبق و من أشخاص غير متوقعين ( صفعة أمرأةٍ .... خربشات أطفالٍ على حائط متعب .... الخ ) .

جعلونا متنازعين ومتخالفين وقرويين في عدائنا السياسي ، وفي معارضتنا ولّوا علينا أناساً من سلالة القش ، حتى إذا انهمرت الحرية بتنا نتخبط فيها ، فأنصرفوا من اللحظة لتوظيف مدراءٍ جيدين في صبغ الحرية بطلاء الفوضى ، طريقتهم وقد أطّلعنا عليها وتعلمناها جيداً ، وكما السيل الجارف ينحت لوحته تنحت الحرية أرضنا لتضع الحجارة جانباً أو تحملها عنّا وتهدينا خصوماً ممتازين هذه المرة ، هكذا تخبرنا مغزلة الصوف .... وسنرى .

أخطأ بيار لورو حين كتب عن تطبيق الاشتراكية على الارض  "ستتحقق الجنة على الأرض " ، تلك الجنة ستتحقق بالحرية يا بيار ، فهذه المرة لم تستسغ العبور كشيءٍ جميلٍ يطل علينا  ويغادر حينما نتناوله بالحديث ، هذه المرة فجّرت قلوبنا  ، هذه المرة ذكّرتنا بقصةٍ قديمة ( لو نبشتم قبراً منسياً ستكتشفون أن رائحة الياسمين أبقى وأقدم من رائحة البارود) .

461.

مواضيع جديدة في موقعنا الجديد اضغط هنا


ارشيف
ارشيف

صحافة وإعلام و آراء

كتاب الموقع
عبدالغني ع يحيى
العصر الطيني في العراق.
بنكي حاجو
الكذبة الكبرى
ب. ر. المزوري
النقطة
زاكروس عثمان
أحزاب خارج التغطية
إبراهيم اليوسف
النص الفيسبوكي 2.
عبد عبد المجيد
الفسيفساء السورية
أفين إبراهيم
رضاب الفراش
وزنة حامد
قلق الذات