لماذا ينبغي أن يدفع الشعب السوري الثمن – بالأرواح والتهجير والتعذيب وسوء المعاملة – لهذا الصراع السياسي بين أعضاء مجلس الأمن؟ فمن المشروع تماماً السؤال عن الأسباب الكامنة خلف اقتراح فرنسا و
كان مجد الكردي عضواً عادياً في حزب البعث العربي في سورية في بلدة تلكلخ
الصغيرة القريبة من الحدود مع لبنان. وفي أحد أيام مايو/أيار، وأثناء مظاهرة مناهضة
للحكومة، أمسك بمكبر للصوت وأعلن للجمهور: “أعلن استقالتي من حزب البعث الفاسد!”
وبعد أيام، في 17 مايو/أيار، شحطت القوات السورية مجد إلى خارج البيت
الذي كان يختبئ فيه. ولم تسمع عائلته أي أخبار عنه إلا بعد أسبوعين.
سلمت السلطات جثته في كيس من النايلون. وكان من الواضح أنه قد عُذب قبل
موته. كان وجهه مشوهاً بشدة، بينما بدت جروح عميقة على صدره وفخذيه، كما بدا أنه قد
أصيب بجروح ناجمة عن عيارات ناريه في الجهة الخلفية من ساقيه.
ونظراً لرجاحة الأدلة التي تشير إلى أن حكومة الرئيس السوري بشار الأسد
قد ارتكبت جرائم ضد الإنسانية، وربما أثناء الأيام القليلة الماضية في حماة، فإن مما
يبعث على الإحباط أن يظل مجلس الأمن الدولي غير قادر على الرد بصورة كافية على المذبحة.
فقد قتل ما يربو على 1500 شخص خلال المذبحة التي قامت بها قوات الأمن
لشهور ضد متظاهرين سلميين في غالبيتهم الكاسحة، ومع ذلك فإن رد فعل مجلس الأمن الدولي
الوحيد حتى الآن جاء في 3 أغسطس/آب، عندما تبنى “بياناً رئاسياً” غير ملزم لم يدعُ
السلطات، وهو يدين الانتهاكات الواسعة النطاق من جانب النظام، سوى إلى الوفاء بالتزاماتها
بالإصلاح التي أعلنتها.
إن عجز المجلس فيما يتصل بسورية يتناقض على نحو صارخ مع الإجراء الحاسم
الذي اتخذه في حالة ليبيا. ولكن ما أعقب قراره بشأن ليبيا من تطورات هو الذي أصاب المجلس
في حقيقة الأمر بالشلل.
حيث تقول روسيا والصين، العضوان الدائمان في مجلس الأمن، ومعهما جنوب
أفريقيا والبرازيل والهند، الأعضاء غير الدائمين في المجلس، إن الدول الغربية قد تجاوزت
حدود التفويض الذي منحه القرار 1973 لها بشأن ليبيا بدعمها المعارضة، وبسعيها إلى
“تغيير النظام” في طرابلس. ولديهم شبهات بأن لدى المؤيدين لمشروع القرار الضعيف للغاية
بشأن سورية – الذي اقترحته بصورة رئيسية المملكة المتحدة وفرنسا – الرغبة في اتخاذ
إجراءات مماثلة ضد دمشق وتعهدوا بإفشال ذلك، الأمر الذي منح النظام في سورية بالنتيجة
تصريحاً بمواصلة القمع.
ولكن لماذا ينبغي أن يدفع الشعب السوري الثمن – بالأرواح والتهجير والتعذيب
وسوء المعاملة – لهذا الصراع السياسي بين أعضاء مجلس الأمن؟ فمن المشروع تماماً السؤال
عن الأسباب الكامنة خلف اقتراح فرنسا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة لأية تدابير
تتخذ ضد سورية. ولكن مما لا شك فيه أيضاً أنه ينبغي فعل شيء لوقف المجزرة في سورية.
فإذا ما كانت تشك في نوايا الدول الغربية المضمرة، فمن مسؤولية دول مثل
جنوب أفريقيا – وهي دولة تطمح إلى دور قيادي عالمي – الانخراط مع الأعضاء الآخرين في
المجلس في مسعى لضمان أن لا يخدم أي قرار يجري تبنيه سوى حماية المدنيين. بيد أن الدول
الثلاث غير الدائمة العضوية – ناهيك عن الصين وروسيا، اللتين تملكان أسبابهما الخاصة
للحيلولة دون التحرك ضد سورية – لم تقترح أي بديل معقول وترفض حتى مناقشة نص مشروع
القرار.
والمحور الذي تركز عليه جنوب أفريقيا والبرازيل والهند لا يأتي مصادفة.
فالدول الثلاث جزء من تجمع دول الاقتصاديات الناشئة “البرازيل وروسيا والهند والصين
وجنوب أفريقيا”، الذي يتزايد نفوذه العالمي باطراد. بيد أن جنوب أفريقيا والهند والبرازيل،
وخلافاً للصين وروسيا، تتمتعان باقتصاديات حيوية. كما إن تاريخها الحديث قد شهد نضالات
شعبية من أجل حقوق الإنسان والحريات الأساسية يتذكرها العديد ممن هم في سدة القيادة
في جميع البلدان الثلاثة أو حتى شاركوا فيها.
والدول الثلاث في وضع فريد يتيح لها انتهاج مسار مستقل في مجلس الأمن.
فهي قوية بما يكفي لأن تقاوم الضغوط السياسية والاقتصادية التي يمارسها أبطال سياسة
القوة التقليديون، ولديها طموحات إقليمية، وحتى عالمية خاصة بها. وكمجتمعات حرة ومنفتحة،
من غير الممكن أن تتهم بأن لديها نوايا في الانضمام إلى نادي الاستعمار الجديد، كما
إنها تتمتع بمصداقية ومشروعية أكثر عندما يتعلق الأمر بالحقوق الإنسانية للبشر حيثما
يسطو عليها أحد. ولو أنها دعمت قراراً في مجلس الأمن بشأن سورية، فسيكون من الصعب على
الصين وروسيا، على ما نعتقد، استخدام حق النقض للاعتراض عليه.
بيد أن جنوب أفريقيا والبرازيل والهند لم تمارس، حتى الآن، القيادة التي
ينتظرها العديدون منها. ومع استمرار تدهور الوضع في سورية، تظل مسألة ما إذا كانت الدول
الثلاث سوف تواصل موقفها المتصلب وراء الصين وروسيا، أو ستكون من القوة والاستقلالية
بمكان، مجتمعة أو فرادى، بحيث يكون لها صوتها المستقل في المجلس، كي تدافع على الصعيد
الدولي عن الحقوق التي ينبغي أن يتمتع بها مواطنوها، والتي تعتبرها عالمية للجميع
amnesty