فضيحة تركيا
الجمعة 15 كانون الثّاني / يناير 2010, 21:06
كورداونلاين

حتى لا نبقى أضحوكة لكل جملة تطربنا في السياسة، ونحتفل ونرفع الصور لكل من يوجّه عبارة ضد إسرائيل، أو ينفعل ويخرج من قاعة حوار مشترك مع الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز، كما فعل رئيس وزراء تركيا رجب طيب أردوغان قبل أشهر، أو نكيل له المديح كما فعل أبرز عناصر المقاومة في الإعلام عبدالباري عطوان، دعونا ننظر إلى صفعة تل أبيب لتركيا بعقل بارد قليلاً .
لا أحد يصدق أن تركيا تختار سفيراً لها في تل أبيب «غشيم» بالأعراف الدبلوماسية، ولا يمكن لها أن تختار شخصاً لم يقرأ التاريخ التركي جيداً، وأن يكون منزوع الكرامة بهذا الشكل، بحيث يقبل ما حصل معه أول من أمس.
بدت ابتسامة السفير التركي أوغوز جيليكول وهو «ملطوع» طويلاً في ردهات الكنيست الإسرائيلي، مضحكة لكل مشاهدي الفضائيات، وكأنه جلب مخفوراً لنائب وزير الخارجية الإسرائيلي داني آيالون الذي استمرأ توجيه الإهانة إليه، بأن أحضره إلى الكنيست وليس إلى وزارة الخارجية، وحرص على ممارسة «تأنيب مذل» للدبلوماسي التركي. كما نشر صوراً يظهر فيها السفير جالساً على كرسي منخفض في مواجهة آيالون الذي جلس على كرسي أعلى ومحاطا بثلاثة موظفين إسرائيليين تبدو عليهم الصرامة، ورفض مصافحته، وتعمّد عدم وضع أي علم تركي على الطاولة خلال اللقاء، مكتفيا بالعلم الإسرائيلي، وأعطى تعليمات بعدم تقديم أي شراب للسفير؛ وطلب من الصحافيين أن يذكروا أن السفير كان «جالسا بمستوى أدنى» من المسؤولين الإسرائيليين.
لاحظوا أن آيالون لم يعتمد على ذكاء المراسلين الصحافيين، وهو يجهد ليبين لهم ما الذي يحدث في حقيقة الأمر: لا يوجد علم تركي، ولا مصافحة، ولا بسمات أدب.
تبقى الأسئلة مفتوحة على حقيقة ما جرى، فهل صحيح أن ما حدث مع السفير جاء مفاجئاً، بحيث لم يُعلِم دولته بأنه تم استدعاؤه؟ وهل الأعراف الدبلوماسية تنزع جينات الكرامة من الأشخاص، بحيث لا يستطيع أحدهم رفض معاملته بهذا الشكل المهين والمصور؟
هل كان أوغوز جيليكول يعرف أن صراخ رئيسه أردوغان على إسرائيل ليس إلا للاستهلاك الإعلامي، أما ما في خزائن السياسة والاقتصاد فمختلف عن ذلك؟
جيليكول يعرف جيداً أن حجم التبادل التجاري السنوي بين تل أبيب وأنقرة يتجاوز أربعة مليارات دولار، ويعرف أن عقل تركيا يدرك أن مفتاح أوروبا وأميركا يجب أن «تزيّته» إسرائيل وتوصيات نتنياهو وليبرمان. ويعرف جيليكول أن احتجاج أردوغان على خرق السيادة الجوية للبنان وسرقة مياهه من قبل إسرائيل، لا يختلف تماماً عن احتجاجه على تدمير غزة قبل سنة. إذ كان في الوقت ذاته يجري مناورات عسكرية مشتركة مع إسرائيل.
السفير التركي يعرف أكثر من الزعيم الشعبي عبدالباري عطوان الذي قال أمس إن «أردوغان ينتصر للضعفاء المجوّعين في وجه آلة الدمار الإسرائيلية، بينما يعمل زعماء دول الاعتدال على تشديد الحصار عليهم لإجبارهم على الركوع عند أقدام الإسرائيليين والأميركان، طلباً للمغفرة على جريمة الصمود التي ارتكبوها في حق نتنياهو وليبرمان، وتمسكهم بثقافة المقاومة».
ما فعلته إسرائيل أول من أمس مع تركيا ليس جديداً على وجهها الوقح، بل المستغرب أن نبقى نحن جهلاء بكل ما يجري حولنا، ونهتف لأصحاب الصوت العالي فقط.
ما حدث لم يكن نهاية المشهد، بل ربما يكون البداية فقط: ففي اللقاء المقبل قد يقف السفير التركي على قدميه ولا يعرض عليه مقعداً للجلوس. وإذا لم تحسّن تركيا أردوغان سلوكها العلني فربما يجلس السفير على الأرض، وقد يطلب منه أن يدوس على العلم التركي.
المضحك أن كل القصة سببها مسلسل تركي اسمه «وادي الذئاب»، أما كواليس ذئاب السياسة فلها أبواب أخرى للفرجة والتحالفات
أوان الكويتية