دلشا يوسف :المرأة و الهوية السياسية في كردستان تركيا
الأحد 24 آذار / مارس 2013, 13:15
كورداونلاين
حاربت المرأة الكردية ضد المفاهيم القديمة، محطمة التابوهات القديمة التي تحصر المرأة في نطاق مفهوم الشرف، و إستطاعت أن تهدم المفاهيم القديمة للشرف و للعائلة و العلاقات الإجتماعية
من أكثر المفاهيم الدارجة في المجتمع الكردي في كردستان تركيا ( شمال كردستان) هو " درجة وطنيتك تقاس بمدى إيمانك بالمساواة الإجتماعية".
ففي السنوات الثلاثين الأخيرة و في ظل الحركة التحررية الوطنية الكردية، طرأت تطورات كثيرة على مكانة و موقع المرأة الكردية في المجتمع الكردي في كردستان تركيا، بتأثير إديولوجية ثورة التحرر الوطنية التي منحت المجتمع الكردي هوَيته السياسية الخاصة به و التي ميَزت الثورة التحررية الكردية عن باقي الثورات التحررية العالمية الأخرى، من خلال التوَجه أولا نحو التحرر الإجتماعي.
تثمن الباحثة و الأكاديمية التركية ( هاندان جاغلايان) في ابحاثها و دراساتها القيَمة، دور المرأة الكردية و مسيرتها النضالية في صفوف الثورة التحررية الكردية، و قد صدر لها كتابا أيضا بهذا الشأن، بعنوان " الهوية السياسية الرسمية من منظور المرأة الكردية" من منشورات دار ئيليتشم التركي. حيث و حسب إعتقاد الباحثة أن وضع المرأة الكردية في كردستان تركيا طرأت عليه تغييرات جمة في ظل النهج الثوري للحركة التحررية الكردية بقيادة حزب العمال الكردستاني و أفكار زعيمها عبد الله أوجلان، و بالأخص في العقدين الأخيرين، حيث من الملحوظ أن المعرفة السياسية نضجت لدى المرأة الكردية خلال هذه المرحلة.
و تضيف الباحثة قائلة:
" في بداية القرن العشرين، كان النشاط السياسي ينحصر في نخبة معينة من الكرد، و بالأخص كان من عمل الرجال فقط. و عائلة البدرخانيين خيرمثال على ذلك. و لكن في سنوات الخمسينيات و الستينيات من القرن العشرين بدأت الظروف تتغير، و إتسع نطاق المشاركة السياسية لتشمل عامة الناس، و بدأت الحركات الشبابية بالظهور. أما حضور المرأة في الميدان السياسي فكان نادرا في تلك المراحل، و تطور المعرفة السياسية لدى المرأة الكردية و نضج أكثر في العقود الثلاثة الأخيرة.
يظهر لنا جليا من خلال الأبحاث و الدراسات التي أجرتها السيدة هاندان جاغلايان حول وضع المرأة الكردية في كردستان تركيا، أنه و رغم تباين آراء النساء الكرديات حول سبل إيجاد الحلول للقضية الكردية في تركيا، لكنهن متفقات بشأن مطاليبهن من قبيل " حقوق المرأة" و " المساواة الإجتماعية". و تخوض المرأة تجربة المشاركة الفعلية في كافة المجالات و النشاطات و في كل مناسبة تنادي بصوت واحد بالسلام و المساواة في الحقوق و الواجبات. و السلام و المساواة مفهومان لا يمكن فصلهما مبدئياً عن المطاليب التحررية و الوطنية للجماهير الكردية.
و المرأة الكردية في كردستان تركيا تعرضت لصنوف المعاناة و التنكيل خلال عقود طويلة من تاريخ النضال التحرري الكردي، منذ بدايات القرن العشرين و حتى يومنا الراهن. و إشتدت عليها المعاناة في العقود الأخيرة، نتيجة الممارسات القمعية و الشوفينية للأنظمة التركية التي لم تتورع عن تدمير كافة البنى التحتية في المناطق الكردية و التي طالت إحراق آلاف القرى و تهجير أهاليها قسريا، و فرض أبشع أساليب الحرب النفسية على المجتمع الكردي، و تعريضه لحملات الإنكار و الصهر القومي، و شن حرب شعواء على الهوية القومية و الثقافة الكردية، و فرض الأحكام العرفية الجائرة على المناطق الكردية، و تسليح المليشيات الكردية لحماية مصالحها، و زج الآلاف من الرجال و النساء و الأطفال في السجون، و قتل آلاف آخرين على أيدي قتلة مجهولي الهوية، و ما تزال أثار المقابر الجماعية التي نفذت بحق الكرد شاخصة إلى يومنا هذا. كل هذه الممارسات القمعية حملّت المرأة الكردية أكثر من طاقتها و جعلتها تكسر قوقعتها و تخرج للنضال لتنهي مأساتها و ماسأة أمتها التاريخية.
إهتدت المرأة الكردية في كردستان تركيا بالفكر النيَر للثورة التحررية الكردستانية ، و خرجت تتحدى واقعها المرير، لتبث روح المقاومة و التحدي في كافة شرائح المجتمع الكردي، منطلقة من ثقتها بنفسها و إرادتها الحرة، لتشارك في كافة مجالات الحياة السياسية و الإجتماعية و العسكرية و الثقافية، مسجلة بذلك فارقا كبيرا و مميزاً، جعلها تتقدم عملياً على باقي الثورات التحررية في المنطقة و في العالم أيضا. كونها سجلت ثورة داخل ثورة.
حاربت المرأة الكردية ضد المفاهيم القديمة، محطمة التابوهات القديمة التي تحصر المرأة في نطاق مفهوم الشرف، و إستطاعت أن تهدم المفاهيم القديمة للشرف و للعائلة و العلاقات الإجتماعية، و تشيَد بدلا عنهم مفاهيم حديثة من قبيل ( إمرأة حديثة)،و ( عائلة حديثة)، و (رجل و إمرأة حديثين)، و علاقات إجتماعية متحررة، مشرعة الأبواب أمام مشاركة فعلية للمرأة في تأسيس المجتمع، و ترفع من مستواها المعرفي و تجعلها تتصدر مراكز القرار، لتصل لمستوى المناصفة مع الرجل في كافة مجالات الحياة. و يعتبر أسلوب مشاركة المرأة الكردية بالمناصفة في كافة مهام حزب السلام و الديمقراطية، و في كافة المجالات الإدارية و الوظيفية، نموذجا راقيا و مميزا يحتذى به.
هذه المشاركة الفعلية للمرأة الكردية في كردستان تركيا، ساهمت في تغيير ستراتيجية الثورة التحررية الكردستانية، و أكسبتها هوية سياسية وطنية متساوية جنسيا.
*مع تهانيّ القلبية لكافة النساء الكرد و نساء العالم بمناسبة 8 آذار يوم المرأة العالمي