رئيس الاركان التركي مهدد بالسجن بسبب تصريحاته
الإربعاء 30 أيلول / سبتمبر 2009, 06:04
كورداونلاين

خلال زيارته صرح بوجهات نظره بشأن المشكلة الكردية مخاطبا سكان هذه المنطقة ذوي الأغلبية الكردية: "لا تصدقوا كل ما يقال في وسائل الإعلام بشأن حل المشكلة الكردية
في مفاجأة جديدة ونادرة من مفاجأت الرأي العام للجيش التركي (حامي حمى النظام العلماني في تركيا الحديثة) رفع عدد من رجال النخبة الأتراك دعوى قضائية ضد رئيس أركان الجيش الملقب بـ"باشا تركيا" بتهمة تجاوز صلاحيات عمله العسكري والتدخل في الشئون السياسية، في دعوى هي الأولى من نوعها في البلد الذي اعتاد على تدخل العسكر في أموره السياسية على مدار أكثر من 80 عاما.
والدعوى القضائية التي رفعها النائب البرلماني المستقل عن مدينة إستانبول أوفوك أوراس في محكمة السلطان أحمد الإثنين نيابة عن عدد من أفراد النخبة التركية تأتي بعد خطاب رئيس الأركان إلكير باشبوغ في بياناته الأخيرة التي أصدرها خلال زيارته لمحافظة ماردين جنوب شرق البلاد -المنطقة ذات الأغلبية الكردية- وأفصح فيها عن وجهة نظره المشوبة بالمعارضة للمبادرة الحكومية لحل المشكلة الكردية بطريقة "ديمقراطية وسلمية".
وقال أوراس في عريضة الدعوى: "إن باشبوغ تخطى حدود مهامه فيما نطقت به البيانات التي أصدرها في ماردين، واقتحم المنطقة السياسية"، بحسب ما نشرته صحيفة "زمان" التركية اليوم الثلاثاء.
كما ذكرت صحيفة "حريت" التركية أن المدعي العام في إستانبول أشار إلى أن الدعوى القضائية ستحول إلى المدعي العام العسكري.
ومن الموقعين على عريضة الدعوى عدد من أصحاب التوجهات الليبرالية مثل الكاتبة أويا بايدار والصحفي أحمد إنسيل، إضافة إلى الأستاذ الجامعي في علم العلاقات الدولية باسكين أوران والنقيب السابق لنقابة محامي ديار بكر سيزجين تانريكولو والخبير القانوني مدحت سانكار.
وهؤلاء النخبة شددوا في شكواهم على أن بيانات باشبوغ "انتهكت المادة 148 من قانون العقوبات العسكرية والذي يجرم أفراد القوات المسلحة الذين يصدرون بيانات ذات صلة بالشئون السياسية".
ويستحق من يدان بهذه التهمة السجن لحد 5 سنوات بحسب القانون.
ويتعرض الجيش التركي في الشهور الأخيرة لانتقادات غير مسبوقة في تاريخ الجمهورية التركية العلمانية التي يعد أبرز حماتها من مثقفين وسياسيين وإعلاميين يطالبونه برفع يده من على الحياة السياسية في تركيا التي اعتاد التدخل فيها منذ قيامه برئاسة مصطفى كمال أتاتورك بإقامة النظام العلماني على أنقاض الدولة العثمانية في عام 1923، والذي وصل نفوذه فيها لدرجة أنه كان باستطاعته إقالة أو تعيين الحكومات بحسب تماشيها مع توجهاته وتعليماته.
"دعونا نر"
وقال أوراس بلهجة صارمة للصحفيين عقب رفعه الشكوى في المحكمة: "نحن أملينا هذه الشكوى كي نرى إذا ما كان الجيش (أبرز حماة النظام العلماني في الدولة) سيطبق أحكام هذه المادة على المخالفين لها من أفراده فعليا أم لا.. فنحن نؤمن بأنه يجب ألا يستثنى أحد من العقوبات حتى وإن كان رئيس الأركان".
وتشير تصريحات أوراس الأخيرة إلى أنه لم يسبق أن تم تطبيق هذه العقوبة من قبل على أفراد القوات المسلحة، خاصة الفئات الرفيعة منها مثل رئيس الأركان الذي اعتاد الأتراك على تلقيبه بـ"باشا تركيا"؛ نظرا لمكانته الرفيعة بين الأتراك الذين يضعون الجيش في مكانة تقترب من القداسة.
وأكد ذلك بقوله: "هذه الشكوى هي الأولى من نوعها التي يقوم مدنيون برفعها على رئيس الأركان".
وكان باشبوغ في مدينة ماردين في زيارة للمواقع العسكرية هناك، وخلال زيارته صرح بوجهات نظره بشأن المشكلة الكردية مخاطبا سكان هذه المنطقة ذوي الأغلبية الكردية: "لا تصدقوا كل ما يقال في وسائل الإعلام بشأن حل المشكلة الكردية".
وأضاف باشبوغ: "لقد عانى سكان هذه المنطقة في الماضي بشكل كبير من الأغوات (رجال العسكر الإنكشارية في عهد الدولة العثمانية التي انقلبت عليها فئة من الجيش وأسقطتها في عام 1923).. والآن يعانون من نوع آخر من الأغوات.. المشكلة الحقيقية هي أن نحفظ شعبنا من سيطرة أغوات السياسة والإرهاب".
واعتبر باشبوغ أن الحل الوحيد للمشكلة الكردية هي أن "يلقي أفراد الحزب الإرهابي (في إشارة لحزب العمال الكردستاني الذي يقاتل الدولة منذ الثمانينيات مطالبا بانفصال جنوب شرق تركيا) السلاح تماما، وإلا فمطاردتهم بالقتل ستكون هي اللغة الوحيدة في التعامل معهم).
وتنخرط وسائل الإعلام التركية منذ أسابيع في جدل ساخن بين الحكومة وعدد من الأحزاب العلمانية، وعلى رأسها حزب الشعب الجمهوري (أقوى أحزاب المعارضة)؛ على خلفية إعلان الحكومة نيتها الإعلان عن مبادرة تاريخية لحل المشكلة الكردية بين الدولة وحزب العمال الكردستاني الانفصالي على أساس سلمي، فيما تصر المعارضة على أن يتم الحل باستسلام أفراد الحزب بدون شروط وخضوعه تماما للإملاءات الحكومية، أو باستمرار مطاردته عسكريا إن رفض هذه الإملاءات، وهي وجهة النظر التي تبناها الجيش وأعلنها باشبوغ.
وسبق أن صرح الكاتب التركي يوجال شليفر لصحيفة "كريستيان ساينس مونيتور" الأمريكية في وقت سابق بأن "الانتقادات التي يتعرض لها الجيش التركي تؤشر على تراجع نفوذه السياسي بالداخل، وتشكل خطوة مهمة تجاه تعزيز المسار الديمقراطي المترنح في تركيا".
وبحسب ما نقله موقع "تايم تورك" عن الصحيفة الأمريكية فإنه "في بلد مثل تركيا يحظى فيه الجيش وإنجازاته باحترام يصل حد التقديس، تعد هذه الانتقادات مفاجأة بكل المقاييس".
ويؤيد ذلك "وج بوب" (المختص في الشئون التركية بمجموعة الأزمات الدولية) الذي اعتبر أن الفكرة السائدة بأن الجيش هو الحاكم الفعلي لتركيا "لم تعد موجودة".
ويرى مراقبون أن التراجع الحقيقي في نفوذ الجيش التركي في الشأن الداخلي بدأت بوادره منذ فشل الجيش في منع وصول حزب العدالة والتنمية ذي الجذور الإسلامية إلى الحكم عام 2002، ثم فوزه مرة أخرى على التوالي بأغلبية مريحة في عام 2007.
وتعد مسألة إبعاد الجيش عن الحياة السياسية لإفساح المجال أمام الحياة الديمقراطية الحقيقية أولوية في البرنامج الانتخابي للحزب في كل معاركه الانتخابية السابقة، ويعكف قادة الحزب والمشرعون فيه حاليا على وضع تعديلات في بنود الدستور الذي وضعه العسكر في عام 1981، والتي أحكموا بموجبها قبضة الجيش على رقبة الساسة في ذلك الوقت أكثر من أي وقت مضى.