كورد اونلاين ينفرد بنشر المجموعة الشعرية لمرح البقاعي
الجمعة 15 أيّار / مايو 2009, 06:12
كورداونلاين

: تقديرا لجهودها في خدمة الانسانيه ومساندتها لحقوق الشعب الكردي وتكريما لها موقعنا يفتح لها قسما خاصا بها تحت اسم العوده الشعرية لمرح البقاعي وينشر لها تباعا
باشق الشعر يفرد جناحيه على تخوم كردستان
زاكروس عثمان
الفائز بجائزة منبر الحرية 2009
وأنت تجول بروحك في كردستان، تأخذك فيزياء المجهولات بعناصر اليقين إلى تفاعل بكر أكثر حميمة من تمزقات عذرية الأعراق والألسن والأديان، حيث الألم المدوي صوان لعنة تطحن عظام نسل سكنة كهف "شانھ ده ر" أجناس شتى من دول العلقم تتمازج ترياقا إلهيا في قارورة "اقرباذين " تسقي المكان عنوة جرعة عقار إيديولوجي، لينزعوا من نطافه أسرار حيوات الجمال، حيث الأشياء هناك لها فعل آخر لا يختبرها غير من يتشكل في عمق مشاعره مبررات القلب. انه فعل الجمال المنفلت من قوانين الجاذبية، يتبعثر في سديم صور وخيالات تتمدد أبدا ذرات لا مرئية في طهارة رحلة كسمولوجية غير متناهية تبث ذبذبات رونقها إلى محطات فائقة الروح فلا يلتقط أثيرها غير سدنة الفكر وحراس الآلهة وخلائق الشعر، ممن تشكلت في عمق مشاعرهم تجارب الوحي أو الرؤيا أو فلسفات تصوف .
هنا أقف أمام الهضبة الثالثة الأعلى من الذهول مأخوذا بفينومينولوجية تجربة مرح البقاعي التي مكنت الشاعرة من الوصول إلى الأشياء في عمق علاقاتها المتبادلة، لتكتشف بمخلوقها الشعري مجالات ما فوق محسوس الجمال الكردستاني، الذي لا تستطيع لغة السياسة أو فجاجة العلوم التعبير عنها ، بل اللغة الوحيدة ما بعد الشعرية، لغة البقاعي هي التي تصلح للبوح بالمكتشف الممنوع من التداول. هي البقاعي تروض أفكار إكليل الجبل معدنا للغة برية تصنع بها لجاما سحريا تقود به الشعر إلى مجاهل أسطورة لم ينته رصيدها بعد، في قصيدتها "أرارات" تضع البقاعي إبهام ثعلب القلق على صدغ الجبل تقيس ضميره المستتر لتمسك بتلابيب أسرار هذا الكردي الذي لا يحكي عشقه لأحد ، لتأتي إليه به قصيدة تفصح عن صمته المعهود الذي تباهى به أمام الآخرين :
أرارات
الجبلُ المشهودُ كصدركَ
ها أنا أختلسُ منه شعلة القلب
هي قصائد البقاعي زبدة بلدية تغفو نكهتها في خوابي خاطر دافىء، تميع لذة ذائبة من عقيق نهد أميرة كردية أو من ضرع ظل جليدي يحفظ قوت المقاتل من طقس متقلب الحسابات، أو من بقايا لغم يتربص سيقان الحجل. من يقرأ "كرديات" البقاعي يخال أنها قضت وجودها هناك بين الجبال والأودية، بين نساء ينسجن حيرتهن سجادة شكوى للقدر، وبين رجال مجانين ديدنهم الحب والرقص والحرب، يعاركون الشمس حتى المغيب وعند الأفق يتسلقون دماءهم ويخطفون عذريتها حرية .
هذه التفاصيل النانوية في عالم الأكراد صعبة المراس قلما نجح الآخرون في اقتناص مادتها. كثيرون حلوا هناك، باحثين وشعراء ورحالة، عاشوا ردحا بين الأكراد، دون أن يفوزوا بالشيفرة الكردية، بل أكراد كثيرون وقفوا أعجميين أمام بوابات ذواتهم التي ما اكتشفوها يوما. وها هي البقاعي التي لم تلامس الجغرافية الكردية من بعيدها الأقصى، تحايل عنكبوت المسافة وتفلت صبغيات ما وراء وجودها من شباك الابتعاد لتحط عينها الداخلية في صميم كردستان لحظات تجلٍ بسطت أمامها قصة الأكراد من الطوفان إلى الطوفان، ولتتقمص هذا الاسم المتوجس منه بكل حذافيره ومنمنماته ما يكفي فرات روحها أن يفيض شعرا طعمه حير ضفاف مداركي، فالقصيدة تمد لسانها لي، أجدها عربية، ثم تكشف عن روحها فأتذوقها كردية، حتى أن البقاعي ـ بتورية ذكية ـ تشير في قصائدها إلى ذلك فتقول :
وهذا المغنّي الذي يمدّ أهدابه لتمشطّ طريق الحبيبية
وذاك الشاعر الذي قضى حبا وقبره استدارة حاجب القاتلة
ورجفة جسدك حين اندلاع الشداء الكرديّ في المكان المسيّج بشهوة ليلة نافلة
واشتقاقاتك في اللغة
قلة القلة من فطاحل الشعراء من استطاع أن يفجر كرة كردية ليكتب دويها بلغة الضاد ، ولكن البقاعي فجرت هذا البركان من واشنطن إلى هولير في ظرف نحلة، وكأني بها تعرف المكنون الكردي بطلاقة حتى تكون بليغة في الإفصاح عن شهده الجبلي بهذا الانسياب الممتنع. إنها قضية أكبر من الشعر، فالشعر لا يأتي منعما بالفجائيات الوليدة ما لم يرادفه شيء أبعد من العقل أو موجود متآمر مع الخيال ، كما في قصيدتها شانه ده ر :
يشتقّني من جفاءِ نفسي
ليحملني إلى سطحِ البشارات
ذاك المحاطُ بالسَكينة والتوجّس
المتحدّرُ من سلالة عسل الجبال المتروك
كائن الشعر حين تلمسه البقاعي عفو الخلق يتألق رغدا ثم يفيض وشاحا لدجلة دم قصائدها يتجدد كل ساعة. مرح البقاعي تفاجئني بلغة حجلي المبجل، تدخل صميم كائني الكردي من أوسع خفقاته، تحرجني أمام غروري اللغوي ، تجبر شيطان الانتباه في روحي على أن يسألني ترى هل كتب حيوانك الشعري عنك مثل هذي النفحات لتي تروض لغة العرب قصائد ثرية بالمقبلات الكردية، قصائد لولا رسم حروفها لالتبس علي الأمر واعتقدت أنها خالصة كردية!
رحلة أخرى للبقاعي أخذها فيها الشعر إلى المعبر الكردي هذه المرة إلى موناد الشعر حيث الجديد لا ينتهي. هي هكذا لا تريد للقصيدة أن تتكرر ولا تريد للشعر أن يرتدي عمامة الكهولة ، ولا تريد للفكر أن يخبوا في زي الوقار ، ولهذا فالبقاعي تبحث عن شعر ملون عن إيقاع اللاثبات، حتى لا تترهل ألوان فلسفة القلق اللذيذ :
هو
أيقونة الخصوبة
وغمرُ الفواتح
زمنه انشطار الكواكب
وقلبي فقاعة من غبار التكوين
فأين ننسكب؟!
هذا ليس غربيا عنها، إنما الغريب في كردياتها هو قدرتها العجيبة على التماهي مع الجغرافيا الحسية لكردستان، التي اندمجت فيها قصائد تسر كل كردي يعرف تذوق نبيذ الشعر كأسا ملكيا يخضب خصلات جنيات الكرد ثمالة تغطي الجبين كلما سبّح الهواء باسم مرح .

--------------------------------------------------------------------
كم !
أرارات
الجبلُ المشهودُ كصدرك
ها أنا أختلسُ منه شعلةَ القلب
*
بنداوار
العصيُّ على القطاف
كيمياؤك خلطةٌ
من رذاذِ الذاكرة
وكبريتِ الرغبات
*
هذيانُ دمك
هجومُك على البحر
نزقُك على الطرقاتِ التي اكتشفناها معا
دعاباتك الطرية كرملِ الشاطئ دسناه بأرواح حافية
كلّكَ مغرٍِ وشديدٌ على التفاح الذي ينتظر
*
وهذا "المغنّي"* الذي يمدّ أهدابَه لتمشطّ طريق الحبيبة
وذاك "الشاعر"* الذي قضى حبا وقبرُه استدارةُ حاجبِ القاتلة
ورجفة جسدك حين اندلاع الشداء الكرديّ في المكان المسيّج بشهوة ليلة نافلة
واشتقاقاتك في اللغة
وارتطامُ اللحم باللحم
والأنثى التي استنطقْتَ ذرواتَها
وتدافَُعُ الماءِِ في المضائق
والسخونة المشتقّة من فعل الحب
*
بنداوار القادم --
من خيباتِ ماركس
وانتصارِ السرعة
كم أريدكَ وأنا لست لي!
* * *
*نسبة إلى أغنية لمغنٍ كردي اسمه كریم كابان
* نسبة إلى الشاعر الكردي ولید دیوانه، الذي قضى حبا، وطلب أن ترفع على قبره شاهدة حرفها له استدارة حاجب حبيبته
مرح
ليل 28-4-2009