مروان سليمان:سوريا- خيارات شعب محاصر
الثلاثاء 25 أيلول / سبتمبر 2012, 20:14
كورداونلاين

إنتهى زمن العصابات الحاكمة و السلطات المافيوية و الحكومات العسكرية، و المنطقة في طريقها إلى تغييرات سياسية تقوم بها الشعوب من أجل تغيير واقعها بالقوة بعد أن يئست الشعوب و نفذ صبرها
أصبح القتل في سوريا مسألة روتينية و عادية، كل يوم نقرأ الأخبار و نمر على القتلى مرور الكرام و نترجمها بلغة الأرقام فقط دون الإكتراث، لقد فقدت المشاعر و الأحاسيس الإنسانية من الحياة في عالم لا يهمه سوى لغة المصالح، و أقتلعت الرحمة من القلوب، و أصبح الدمار و الخراب هدفاً.
كل يوم تتحقق الإنتصارات لهذا الطرف أو ذاك، أو أنهم يزعمون كذلك و يدفع ثمنها الفقراء و المساكين و السكان المدنيين الذين هم ضحايا سلطة متشبثة بالحكم دون الإكتراث بما يحصل للشعب المغلوب على أمره من قتل و تهجير و تخريب ممنهج تحت مرأى و مسمع العالم الذي يذرف دموع الكذب و الغش في مسرحيات هزلية على شكل مؤتمرات خادعة
و مغشوشة يستعملونها كمسكينات للسوريين باسماء كبيرة و لكن دون فعل حقيقي على الأرض( أصدقاء سورية- منطقة حظر جوي- مساعدة الثوار مرة بالمناظير و تارة بالسلاح) .....الخ، حتى أصبح الشعب السوري يكره اسم المؤتمرات
أو سماعها، و في النهاية يبدو أن جميع القوى الدولية و العصابة الأسدية متفقون على دمار الوطن و خراب المدن و قتل
و تهجير السوريين، و المجتمع الدولي يعمل على إطالة عمر النظام من خلال المبعوثين الأمميين و العرب الذين يمهلون النظام الفرصة تلو الفرصة لقتل أكبر عدد ممكن من السوريين و تخريب و تدمير المدن السورية من بكرة أبيها حيث يعيد إلى الأذهان مجازر حماة و تدميرها على رؤوس سكانها و بالتالي فهم جميعاً مشتركون في الجريمة، جريمة قتل شعب برئ يطالب بالحرية و العدالة و المساواة و الحفاظ على كرامته الإنسانية.
بعد كل هذا التدمير الهائل و القتل اليومي لا يزال البعض من ضعاف النفوس المجردين من أخلاق المهنة و من مختلف المهن ( الصحافية و الفنية و السياسية) في تأدية وظيفة التبعية التي إبتعد عنها الشرفاء من أبناء الشعب و من جميع المراتب حتى العليا في الدولة ، في القيام بتلميع صورة الحاكم و تمسيح الجوخ ،و تطويع أنفسهم كشعراء للبلاط الرئاسي الذي لم يبق منه سوى إطلالة مؤلفة من مسند للظهر و يقوم على أربعة قوائم، مفروغ من المحتوى و المضمون و حتى بدون شعب، و أصبح الحاكم أسير طموحاته و رغباته في قصر دخله عنوة بدون وجه حق و لا يريد الخروج منه إلا محملاً
أو مسحولاً و مضرجاً بدمائه العفنة الملوثة بالجرائم التي يرتكبها أو التي إرتكبها من قبل، الذي حول الوطن إلى مستوطنة للخوف و أصبح اليوم أرض معركة يتم فيها تخريب الوطن بشكل ممنهج، حيث تم نزع شعارات القومية و العروبة التي كان يتشدق بها و تم استبدالها بشعارات طائفية مقيتة كأيديولوجية بديلة له و التي قام عليها النظام أساساً منذ بدايته في السبعينات من القرن الماضي و كان عليه أن يضمرها خدمة لمصالحه الطائفية على المدى البعيد في نهب الوطن و إستعباد الناس على أمل الحفاظ بالحكم لمدد أطول.
من الصعب أن يتفوق جيش الأسد على الشعب السوري المنتفض و الثائر، لأن الشعب أقوى من المدافع و الدبابات
و الصواريخ التي تمتلكها الجيوش و لأن إرادة الشعوب لا تقهرها النار و لا ظلم الإستبداد و لا طغيان الحاكم الجهول بقوة الشعوب و إيمانها بأهدافها التي تسعى لتحقيقها من حياة كريمة حرة ذات طابع إنساني .
لا يمكن لنظام أن يكون مقاوماً و ممانعاً و هو يحصي على الشعب أنفاسه و يبني السجون بدلاً من المدارس، و المعتقلات بدلاً من المستشفيات، و لا يمكن لنظام يرهب شعبه أن يكون إلا جباناً أمام عدوه، و لن يستطيع الإستمرار في الحكم من دمر المدن و القرى فوق رؤوس أصحابها، و لن يستمر حكم العائلة لمن سمح لحاشيته و عائلته بنشر الفساد و عمل على سلب و نهب البلد بينما يزداد الشعب السوري فقراً يوماً بعد يوم، و لا بد من أن يحاسب كل من لطخت يداه بدماء هذا الشعب، و عمل على إسكات صوت الحق.
لن يستطيع جيش أن يكون جيش دولة و هو يقوم على ثقافة القتل و التدير و القصف العشوائي بجميع صنوف الأسلحة على شعبه و أهله و يمارس عمليات السرقة و الإختطاف و الإغتصاب و التعذيب و القهر و الأهم من كل هذا أنه قائم على التبعية الطائفية، و إستمراره لهذه الفترة الطويلة من القتل و التخريب الممهنج دليل على تركيبته الطائفية و العنصرية
و طبيعته الإجرامية التي نشأ عليها.
لقد إنتهى زمن العصابات الحاكمة و السلطات المافيوية و الحكومات العسكرية، و المنطقة في طريقها إلى تغييرات سياسية تقوم بها الشعوب من أجل تغيير واقعها بالقوة بعد أن يئست الشعوب و نفذ صبرها و ضاقت ذرعاً من هذه الأنظمة
و الحكومات و هي تنتظر التغيير بالطرق السلمية و الإنتقال إليها بالطرق الديمقراطية.
أصبح الشعب السوري اليوم أمام خيارين لا ثالث لهما: أولها استمرار الحرب و دمار سورية و التخلص من حكم آل الأسد
و يبدو أن هذا مصير الشعب السوري و قدره و لو طالبوا بالحرية بعد مائة سنة و ثانيها القبول ببقاء الأسد و هو ما يعد بمثابة إنتحار للشعب السوري لأن النظام أصبح قائماً بقوة السلاح فقط.
مروان سليمان
23.09.2012