ربما يكون السلاح الكيميائي أقلُّ وطاةً من السلاح الديموغرافي, ففي الوقت الذي نرى فيه جراحُ حلبجة تلتام قليلاً نجد بأن جراح كركوك ما تزال تنزف و بغزارة
بقلم: رامان سور
إن الحروب و النزاعات التي تندلع بين الدول أو بين مكونات الدولة
الواحدة لا تقتصر على استخدام السلاح العسكري ,الاقتصادي أوالثقافي بل تتجاوز إلى استخدام
السلاح الديموغرافي.
الحرب الديموغرافية هي عملية تطهير منطقة معينة من سكانها الأصليين
و توطينها بسكان من أصل آخر, أو عملية استيطان لسكان غير أصليين بين السكان الأصليين
بهدف تغيير التركيبة السكانية للمنطقة, أو عملية إرغام السكان الأصليين لمنطقة معينة
على الهجرة إلى مناطق أخرى بهدف إخلاء مناطقهم وإذابتهم في قومية المنطقة التي هاجروا
إليها.
هنا أبدأ بمثال كوسوفو,إذ دعى رئيس يوغوسلافيا السابق"
تيتو" سكان ألبانيا إلى العيش في كوسوفو بحجة أن أراضي كوسوفو هي خصبة بينما أراضي
ألبانيا هي قاحلة. لكن هدفه البعيد كان التغيير الديموغرافي للمنطقة و خلق مشاكل للصرب
لأنه كان كرواتياً , و الكروات لا يحملون الودَّ للصرب.في البداية كانت نسبة الألبان
20% من السكان الأصليين و بعد 20 عاماً أصبحت 80% بسبب نسبة ولاداتهم العالية ,و بدأ
حربٌ ضروس بين الصرب و الألبان و انتهى الصدام
الطائفي بفصل كوسوفو عن صربيا بقرارٍ من الأمم المتحدة.
بيد أن كردستان بأجزائها الأربعة, تعتبر الضحية الكبرى في العالم
للحرب الديموغرافية التي تخوضها الدول المغتصبة لها, فقد قام صدام المقبور بكل ما أوتي
من حيلةٍ و قوةٍ أن يسيطر على كردستان , و هنا لا أقصد فقط السيطرة السياسية أو تعيين
الجحوش مندوبين عنه , بل خطط لأبعد من ذلك ,ألا و هو التغيير الديموغرافي للمناكق الكردية.حيث
قام باستقدام العرب و القوميات الغير كردية
إلى المناطق الكردية , و عند قيام الثورة في كردستان العراق فَرَّ هؤلاء المستوطنين
حاملين أبواب مستوطناتهم على ظهورهم أما كركوك و ضواحيها فبقي المستوطنين فيها .إن
مشكلة كركوك و المادة 140 حول المناطق المتنازع عليها ما تزال تتفاعل و تشكل الأرضية
الخصبة لنشوب صراعاتٍ داخلية وانزلاق العراق إلى إحترابٍ بين مكونات الشعب العراقي
تنتهي بتقسيمها .
أما تركيا فهي الأخرى لا تقل خبرةً عن جارتها العراق في فنِّ
و قيادة الحرب الديموغرافية على كردستان .إذ
قامت و منذ قيام الإنتفاضة الكردية عام 1984 بتدمير ما يقارب 4500 قرية , انتقل سكان
تلك القرى إلى الميتروبولات التركية في المدن الكبرى طلباً للأمان و العيش .
من جهةٍ ثانية تقوم تركيا ببناء السدود على الأنهار الكردية
دجلة و الفرات لتجبر السكان الأكراد على الهجرة إلى المدن التركية بهدف تذويبهم في
المجتمع التركي, و ما بناء سد إليسو على نهر الدجلة إلا مثالاً صارخاً على الحرب الديموغراقية
و الثقافية ضد الشعب الكردي ,بهدف تقطيع أوصال المناطق الكردية و القضاء على معالم
قلعة حصنكيف الأثرية.
إيران هي الأخرى عملاقة في تلك الحرب ,فهي تقوم بها على جبهاتٍ
مختلفة ,بدأً بلبنان التي حولتها و بمساعدة سورية من بلد مسالم و آمن , يتعايش سكانها
بطوائفها المختلفة في ودٍّ و وئام إلى مستنقعٍ للحرب الطائفية . من جهةٍ ثانية قامت
إيران ببناء الحسينييات في المناطك الكردية في سورية بهدف تشييع المناطق الكردية و
إنشاء أحزاب على نمط حزب الله إلا إنه فشل في ذلك .و اليوم تدعم إيران النظام الطائفي
الفاشي في سورية بالمال و المرتزقة و العتاد بهدف الحفاظ على هذا النظام الذي أصبح
يترنح تحت أصوات حناجر الثوار المنتفضين عليه.
سورية , توأم النظام الإيراني هي الأخرة كانت سباقة في قيادة
الحرب الديموغرافية ضدَّ مكونات الشعب السوري, إذ أنها بدأت في عام 1974 ببناء المستوطنات في المناطق الكردية
و مصادرة الأراضي الخصبة من الاكراد و منحهم للعرب القادمين من الرقَّة و المحافظات
الاخرى بحجة غمر سد الفرات لأراضيهم. و ما نشهده اليوم من حربٍ يشنُّها النظام البعثي
الفاشي على المدن السورية و خاصَّةً حمص و حماه و ادلب إلا مثالاً لسياسة الأرض المحترقة
بهدف تطهير تلك المحافظات من سكانها الأصليين و القيام ببناء الدولة العلوية على الساحل
السوري و المحافظات الثلاث التي ذكرناهم.
ربما يكون السلاح الكيميائي أقلُّ وطاةً من السلاح الديموغرافي,
ففي الوقت الذي نرى فيه جراحُ حلبجة تلتام قليلاً نجد بأن جراح كركوك ما تزال تنزف
و بغزارة.
و دمتم بخير
رامان سور
13.05.2012