إلى السلطة الرابعة وحركة حقوق الإنسان.. لكي لا تتحول سوريا إلى جمهورية مانيكان
لكن، لم يخرج الشباب السوري، مثل غياث مطر ومعن العودات، من أجل المطالبة بأن يأتيهم مثل "أبو قتادة" و"أبو مصعب"، وغيرهم، من قادة تنظيمات أصولية من العراق ولبنان والمغرب العربي ودول أخرى لحكم سوريا وتنفيذ أجندتهم.
عندما خرج شباب سوري إلى الشوارع في مارس/آذار
2011 لم تكن غايته إقامة دولة دينية، أو استيراد أجندات إقليمية لبعض الدول.
هناك من خرج لأنه يعيش حالة فقدان العدالة الإجتماعية
والحق في العمل، وبسبب انتشار الفساد والرشاوى والتوظيف بناء على معايير المحسوبية،
ولذلك سنجد الكثير من الكفاءات السورية تحقق نجاحات مذهلة في دول عربية وأجنبية، في
مختلف المجالات، ولكن إذا عاد أحدهم إلى وطنه فقد لا يعثر على وظيفة مستخدم في مدرسة!
هناك من خرج لأنه يعتقد أن سوريا، الدولة التي كانت
سباقة إلى منح المرأة حق المشاركة في الحياة السياسية، وخوض تجارب برلمانية ديمقراطية
منذ الاستقلال، تستحق الآن أن تعيش تجربة ديمقراطية، وانتخابات حرة.
هناك من خرج ليصرخ ويجرّب متعة الصراخ والنقد والتنديد
العلني في الشوارع بسياسات نظام بلده، وحكومته، ومن ثم يعود إلى بيته، خاصة أن هذا
الأمر كان مختفيا عن البلد منذ أربعين سنة، لذلك سوف تبدو ممارسته بنظر السوريين متعة
رائعة تشعرهم بانتماء أعمق إلى وطنهم.
لكن، لم يخرج الشباب السوري، مثل غياث مطر ومعن العودات،
من أجل المطالبة بأن يأتيهم مثل "أبو قتادة" و"أبو مصعب"، وغيرهم،
من قادة تنظيمات أصولية من العراق ولبنان والمغرب العربي ودول أخرى لحكم سوريا وتنفيذ
أجندتهم.
فيما يلي رسالة تحد للسلطة الرابعة، وحركة حقوق الإنسان،
وعلى رأسها السورية، لأنهم من المفترض أن يمثلوا السلطة الأخلاقية والرقابية المستقلة
عن النظام، وعن المعارضة، وتريد في النهاية ما يهم الإنسان السوري فقط.
هذه رسالة تحد لهم لكي يشرعوا في إثارة قضايا مهمة
ومصيرية يبدو أن من يريد إدخالها إلى سوريا يسعى لمنع إقامة دولة مدنية في المرحلة
السياسية القادمة في البلاد، كما يريد تهميش المحتجين الحقيقيين وسرقة نضالهم وتجييره
لصالح أجندات لا تهم المواطن السوري في شئ. قد يقول البعض ممن توجه إليهم رسالة التحدي
هذه أنه لا يجوز طرح هذه القضايا ويجب الحديث عن النظام فقط، لكن عليهم أن يعلموا أن
انتهاكات النظام لحقوق الإنسان لم تبق منظمة إلا وتحدثت عنها وأصبحت مدونة ومسجلة في
كل مكان، وبالتالي يجب الحديث عن الجهات التي لا يتناولها أحد، لا بل يتم التعتيم عليها،
والتي لا تقل خطورة على انتفاضة الشعب السوري بسبب جهدها لسرقة نضاله وكفاحه وتجييره
لصالح أجندتها الإيديولوجية، فضلا عن منع السوريين من إقامة دولتهم المدنية في المستقبل
لأن هذه الدولة تشكل خطرا استراتيجيا على أجندات إقليمية.
فهل تتجرأ السلطة الرابعة، وحركة حقوق الإنسان، على
فتح الملفات التالية:
أولا: المقاتلون غير السوريين: من يدخل المنتديات
الأصولية على الإنترنت ويقرأ أجندتهم بخصوص سوريا وشعاراتهم، وتشجيعهم للمقاتلين القادمين
من المغرب العربي والعراق ولبنان ودول أخرى لما يسمى الجهاد في سوريا، سوف يدرك أن
هؤلاء يغنون موالهم في واد، وموال الشعب السوري في واد آخر، فهم على الأقل يريدون رمي
ملايين السوريين من أبناء الأقليات الدينية في البحر، فهل الأغلبية الدينية في سوريا
ترضى ذلك ؟ بالتأكيد لا. ولذلك أجندة هؤلاء المقاتلين هي ضد طموحات ورغبات الأكثرية
الدينية في سوريا.
ثانيا: "الجنود الأطفال": تحدثت الأمم
المتحدة عن تجنيد الأطفال من قبل جماعات مقاتلة في سوريا، فهل رياض الترك أو معن العودات
وغياث مطر وغيرهم في أجندتهم استغلال الأطفال ؟ بالتأكيد لا. إن من يقوم بتجنيد الأطفال
للقتال هو عمليا يسئ بشكل مباشر- لا بل يبتر- أخلاق أي انتفاضة شعبية. سوف يقول أحدهم
إن النظام استغل الأطفال، والرد هو "إذا كانت الانتفاضة باسم الحرية والكرامة
فكيف نقلّد أفعال النظام ؟".
ثالثا: النازحون لأسباب طائفية ودينية: لا نريد هنا
الحديث عن طائفة بعينها، لكي لا نُتهم بالطائفية، ولكن يجب إثارة هذا الملف لأن النازحين
لأسباب طائفية ومذهبية هم أناس دفعوا الثمن غاليا من خلال الانتقام منهم بسبب الانتماء
الجغرافي أو الطائفي إلى منطقة ينحدر منها مسؤولون في النظام. سيتحدث البعض عن اللاجئين
السوريين أيضا في دول مجاورة، وهذا صحيح تماما، ولكن نعود لنقول إن كل أطياف المعارضة
ترفع شعار عدم الانتقام في المرحلة القادمة في البلاد، فلماذا لا يتم الحديث بصراحة
وشفافية عن النازحين لأسباب مذهبية؟ أليس من يقوم بالتهجير يسئ لأهداف المحتجين وشعارات
المعارضة التي تؤكد ليلا نهارا أن المستقبل سيكون خيرا لكل السوريين بمن فيهم الأقليات
؟ لذا وجب على الجميع فضح من يسئ للمطالب المحقة بالديمقراطية.
رابعا: الخطف والقتل خارج القضاء: الصحافة العالمية،
ومنظمات الأمم المتحدة، وكذلك منظمة هيومن رايتس ووتش التي كانت أكثر المنظمات انتقادا
للنظام السوري، تحدثت عن محاكم ميدانية تابعة للجماعات المقاتلة، مهما اختلفت تسمياتها،
تصدر الأحكام بالإعدام خلال وقت سريع. فضلا عن عمليات الخطف التي باتت تعترف بها الجماعات
المقاتلة لأسباب عديدة. سيقول أحدهم إن النظام السوري يقوم بذلك أيضا، ولكن الرد السريع
عليه هو إذا كان النظام يقوم بكل هذا فلماذا قامت الانتفاضة أصلا ؟ هل قامت لتكرر وتنتج
نفس أفعال النظام ؟ أم قامت لتنقل سوريا إلى مرحلة جديدة خالية من كل هذه الانتهاكات
؟ وأليس من يقوم بالخطف والقتل خارج القضاء يسئ للأهداف التي انتفض من أجلها جيل معن
العودات، وجيل غياث مطر ؟!
خامسا: السلفية الجهادية العربية والتغيير الديمقراطي
في سورية: بالتأكيد من حق أن حركة سياسية، ودينية، سورية، أن تطرح رؤيتها ورأيها إزاء
ما يجري في سوريا، ومستقبلها، وسوريا المستقبل يجب أن تتسع لجميع الآراء. لكن السؤال
المهم هو ما علاقة الجماعات الأصولية في بعض البلدان العربية بقضية الديمقراطية ومستقبل
الدولة المدنية في سوريا ؟ هؤلاء أقل ما يقولونه هو الدعوة لرمي ملايين السوريين في
البحر بحجة أنهم أبناء أقليات، ويدعون للقتل والذبح وفق فتاوى قديمة. هذه الجماعات
لا يهمها أبدا أن تعرف شيئا عن: استقلال سوريا، أول تجربة برلمانية ديمقراطية في المنطقة
في البرلمان السوري منذ عقود طويلة، مشاركة المرأة في الحياة السياسية منذ عقود طويلة
أيضا، غنى وتنوع المجتمع السوري سياسيا واجتماعيا وثقافيا وإثنيا ودينيا، وجود معارضين
سوريين بذلوا وضحوا ودخلوا السجون واستمروا بنضالهم عبر الورقة والقلم والآن عبر
"الكيبورد" دون تهديد من قبلهم إلى أي جهة.
سادسا: التسليح وتجار السلاح: إن أكبر المنتفعين
من الأزمة السورية الحالية هم تجار السلاح. هل قرأ أحدكم يوما رواية في الأدب العالمي
تقول إن تاجر السلاح يسعى لإقامة الديمقراطية والحرية والعدالة ؟ بالتأكيد لا. تجار
السلاح يعيشون على الأزمات، وهؤلاء من واجب حركة حقوق الإنسان تسليط الضوء عليهم، مهما
كانوا، ومن كانوا.
إن الشباب السوري، الذي خرج إلى الشوارع، كان يحلم
بمستقبل مزدهر من الحرية إلى الرخاء الاقتصادي، ووقف الاعتقالات وإقامة العدالة، واستبدال
الحالة السياسية القائمة بحالة جديدة تؤمن الديمقراطية وتحمي الأمن القومي للبلد، وتصون
الاستقرار الوطني الداخلي والوحدة الوطنية. لكن الأجندة النبيلة لهذا الشباب السوري
المكافح، تعيش مرحلة ركوبها من أجندات الجهات التي تستخدم النقاط الستة المذكورة أعلاه،
وبالتالي تصبح سوريا "جمهورية مانيكان" بدلا من جمهورية مدنية ديمقراطية
يحلم بها السوريون.
"المانيكان" الذي يستخدمه التجار في واجهات
المحلات لعرض بضاعاتهم عليه لإغراء الزبائن، من الألبسة الشتوية والصيفية والرجالية
والنسائية، وحتى الداخلية. كل من يرغب بعرض بضاعته والترويج لها يستخدم "المانيكان".
ولذلك إن الأجندة "السداسية" أعلاه، التي تقوم جماعات عديدة بعرضها والترويج
لها باسم سوريا والشعب السوري، تهدف لقتل طموحات الشعب السوري وتحويل سوريا إلى
"جمهورية مانيكان".
هناك معارضون سوريون أثاروا بعض هذا الكلام، مثل
الحقوقي المعارض هيثم مناع، وهناك أخرون بدأوا للتو بالخروج عن صمتهم، فبدلا من نقاشهم
والجدال معهم يتم تخوينهم من قبل جهات عديدة، إذن – كيف نبني سوريا المستقبل إذا تم
تخوين كل صاحب رأي مخالف، خاصة وأن صاحب الرأي المخالف عارض في زمن لم تكن فيه لا احتجاجات
ولا انتفاضات ؟!
فهل تبدأ السلطة الرابعة، وحركة حقوق الإنسان، في
دخول التحدي، وتمتلك الجرأة، وتتحدث عن النقاط الست أعلاه، بهدف احترام وحماية الأحلام
التي انتفض من أجلها الشباب السوري؟
( مقال سيريا بوليتيك )