سيكون من الأفضل للبلاد في الوضع الراهن ان استقيل. لا اريد ان احكم البلاد بالقوة وأعلن إستقالتي ... هذا ما أعلنه يوم أمس في مؤتمر صحفي متلفز محمد نشيد، أول رئيس منتخب ديمقراطيا لجزر المالديف
سيكون من الأفضل للبلاد في الوضع الراهن ان استقيل. لا
اريد ان احكم البلاد بالقوة وأعلن إستقالتي ...
هذا ما أعلنه يوم أمس
في مؤتمر صحفي متلفز محمد نشيد، أول رئيس منتخب ديمقراطيا لجزر المالديف بعد
أسابيع من الإضطرابات السياسية في بلاده، والتي أدت إلى تمرد بعض عناصر الشرطة
وصفته الرئاسة بأنه محاولة إنقلاب. الخبر عادي جدا وأمر طبيعي، فيه الكثير من
الشعور بالمسؤولية والحرص على مصلحة البلد وعلى حياة المواطنين، بالإضافة إلى
إحترام مبادئ الديمقراطية التي تعيشها المالديف، والتي أوصلت هذا الرجل إلى قمة
السلطة. قد يحدث مثل هذا الأمر بل قد حدث فعلا في الكثير من الدول ذات الأنظمة
الديمقراطية الحقيقية التي تحترم حقوق
الإنسان وحريته وتصون كرامته، وتعتبره الهدف الأسمى الذي يجب خدمته. لأن من أهم
الصفات التي يجب أن يتحلى بها القادة هي الإخلاص والروح الوطنية والحرص الشديد على
مصلحة بلدانهم وشعوبهم، وتجنيبهم الخوض في حروب داخلية أو خارجية، تكون خسائرها
كبيرة ونتائجها كارثية على بلدانهم وعلى المنطقة. ومن جهة أخرى يعملون بروح
المسؤولية على النهوض ببلدانهم وتطويرها والأرتقاء بها الى مستويات أفضل من التقدم
والأزدهار، ليكسبوا بذلك محبة وإحترام شعوبهم وشعوب العالم المتحضر. لكن يبدو بأن الكثير من الرؤساء العرب إن لم يكن
جميعهم، بعيدين جدا عن مثل هذه الصفات، فهم لم يستفيدوا من تجارب الشعوب ولم
يتعلموا من أخطاء الطغاة ولا الى ما آلت اليه مصائرهم، نتيجة لسياساتهم الخاطئة
بحق شعوبهم، خاصة الفئات السياسية أو القومية المعارضة، فبدلا من الإعتراف بهذه
الحقوق وإنتهاج مبدأ الحوار والتفاوض، وإشراك المعارضة في الحكم والعمل معا على
إجراء إصلاحات سياسية وإدارية من شأنها أن تبني الأسس السليمة للأمن والسلام والأستقرار والوحدة الوطنية، نراهم يفكرون
بعقلية شوفينية قمعية ضيقة تجاوزها الزمن وتجاوزتها أخلاق الأمم، ويتصرفون بمنطق
الدكتاتورية المقيتة والحزب الواحد، وإقصاء المعارضة بل إضطهاد المواطن وإنتهاك
حقوقه وكرامته. هذه الأمور التي لم تعد تتناسب مع الأوضاع السياسية والديمقراطية
والحريات العامة والخاصة التي تسود أكثر دول العالم، الذي أصبح صغيرا جدا بفضل
العولمة والتكنولوجيا الحديثة، التي تتيح للإنسان أن يطلع في أي وقت يشاء على ما
يجري في أي مكان من الكرة الأرضية ويتأثر بها. لذلك يحاول الطغاة إبعاد هذه التكنولوجيا أو حجبها
عن شعوبهم، لكي يبقوا في حالة من الجهل بما يجري من حولهم في العالم. لكنهم لا
يدركون بأنهم في هذه الحالة يبدون كمن يحاول أن يحجب الشمس بغربال.
توقفت طويلا عند خبر إستقالة رئيس
المالديف، ثم فكرت كثيرا بأخبار بلداننا ورؤسائنا الطغاة، أو آلهتنا العربية
المعاصرة إن صح التعبير، الذين وصلوا إلى رأس السلطة سواءا عن طريق إنقلابات
عسكرية، أو إنتخابات تحت عباءة الديمقراطية لكنها في الحقيقة مزورة ومرتبة بطريقة
يخرج فيها الرئيس فائزا بنسبة 99 % أو عن طريق التوريث، أو بأية
طريقة أخرى، وفي كل الحالات لايفكر الرئيس مطلقا بأنه أصبح في مكانة متميزة، يتحمل
فيها الكثير من المسؤوليات الكبيرة والتأريخية أمام الله والوطن والشعب، يستطيع من
خلالها إجراء الكثير من التغييرات الإيجابية وإتخاذ القرارات المهمة، التي من
شأنها أن تعمل على تطوير بلده والإرتقاء بشعبه إلى حالات أفضل من الرقي والتقدم
والرفاهية، والعمل على إزدهار الحياة بكل جوانبها. ولا يفكر بأن هذا الموقع ليس
ملكا أبديا له، بل إن فترة حكمه وبقائه في السلطة محدودة، لذلك عليه تقديم أفضل ما
لديه لكي يذكره الشعب والتأريخ. بل على العكس تماما فإن الرؤساء العرب ومنذ الأيام
الأولى لحكمهم يجدون أنفسهم في أبراج عاجية وفي مستويات فوق مستوى البشر، ويخططون
للبقاء على كراسييهم مدى الحياة، لذلك يحاولون أن يجمعوا بأيدهم كل مفاتيح القوة
والسلطة، ويؤسسون قوات عسكرية وأمنية ومخابراتية خاصة بهم، تتلقى أوامرها منهم
شخصيا، مهمتها حماية هؤلاء الرؤساء والدفاع عنهم قبل الدفاع عن الوطن أو الشعب.
بالإضافة إلى إنشاء مؤسسات إعلامية كبيرة تدور في فلكهم مهمتها تلميع صورتهم
وتعظيم إنجازاتهم ومكارمهم. ومع مرور الوقت وتعزيز هؤلاء الرؤساء لسلطتهم على حساب
سلطة القانون، يتحولون إلى رموز وطغاة مستبدين، لايطالهم أي قانون لأنهم فوق كل
القوانين، وكأنهم آلهة إن أرادوا أن يقولوا للشيئ كن فلابد أن يكون وإلا فالويل
لمن يعترض.
وأفضل ما ينطبق عليهم هنا، هو قول الشاعر الكبير نزار
قباني عندما يقول في إحدى قصائده:
هل وجد الخالق قبل عنتره ؟ أم وجد
الخالق بعد عنتره؟
إن الخيارات هنا محدودة بين دخول السجن .. أو بين دخول المقبره
طبعا لا نية لديهم البتة في إعتزال
السلطة أو التخلي عنها بأي شكل أو حال من الأحوال، كما يقول قباني في هجائه لصدام
حسين:
كلما فكرت أن أعتزل السلطة، ينهانى
ضميري
من ترى يحكم بعدى هؤلاء الطيبين؟
من سيشفى بعدى الأعرج، والأبرص، والأعمى..
ومن يحيى عظام الميتين؟
من ترى يخرج من معطفه ضوء القمر؟
من ترى يرسل للناس المطر؟
من ترى يجلدهم تسعين جلدة؟
من ترى يصلبهم فوق الشجر؟
من ترى يرغمهم أن يعيشوا كالبقر؟
ويموتوا كالبقر؟
كلما فكرت أن أتركهم
فاضت دموعى كغمامة..
وتوكلت على لله …
وقررت أن أركب الشعب..
من الآن.. الى يوم القيامه
بالتأكيد الشعوب العربية التي
إنخدعت كثيرا بأكاذيب هؤلاء الطغاة وبزيف شعارات ومبادئ أحزابهم القومية أو
الوطنية المنافقة، والتي بقيت لعقود طويلة من الزمن أسيرة لهذه الأكاذيب، وبعيدة
عن الأجواء والممارسات الحقيقية للحرية والديمقراطية، والتي للأسف إلى الآن
لاتفهمها معظم الشعوب العربية، ولا تعمل بها بشكل صحيح ووفق معانيها الحقيقية، بل
حولتها إلى فوضى عارمة وإنفلات أمني وصراع
سياسي من أجل التفرد بالسلطة وإقصاء الآخرين، كما حدث ولا يزال يحدث في العراق
وليبيا ومصر، وقريبا سوريا بعد الزوال الحتمي والقريب للدكتاتور القاتل بشار
الصغير، حيث ستتصارع فيها قوى سياسية مختلفة، وتتجاذبها دول وأطراف خارجية متعددة،
في مقدمتها إيران وتركيا وحزب الله، وربما العراق والسعودية ودول خليجية. حتما
تتحمل هذه الشعوب العربية قسطا كبيرا من المسؤولية في خلق هذه الدكتاتوريات
البغيضة القاتلة ولو بشكل غير متعمد أو مقصود، من خلال وضع ثقتها المطلقة فيها إلى
حد الخنوع والخضوع لها، والتهريج والتصفيق لكل قراراتها، وتهيأة الأرضية الفاسدة
لنموها. خاصة في المراحل الأولى لوصول هؤلاء الرؤساء إلى السلطة وقبل إستفحال
إمورهم وتحولهم إلى طغاة.
منذ أن جئت الى السلطة طفلا
ورجال السيرك يلتفون حولى
واحد ينفخ ناياً..
واحد يضرب طبلا
واحد يمسح جوخاً .. واحد يمسح نعلا..
منذ أن جئت الى السلطة طفلا..
لم يقل لى مستشار القصر كلا
لم يقل لى وزرائى أبدا لفظة كلا
لم يقل لى سفرائى أبدا فى الوجه كلا
لم تقل إحدى نسائى فى سرير الحب كلا
إنهم قد علمونى أن أرى نفسى إلها
وأرى الشعب من الشرفة رملا..
فاعذرونى إن تحولت لهولاكو جديد
أنا لم أقتل لوجه القتل يوما..
إنما أقتلكم .. كى أتسلى
أو إنما من الأفضل القول ، إنما
أقتلكم كي لا تقتلوني.
لكن هؤلاء الطغاة دائما يرتكبون أخطاء قاتلة، ويتخذون
قرارات متسرعة، تتسم بالغباء لأنهم أصلا غير مؤهلين لتلك المواقع ويفتقرون الى
الروح الوطنية، ولا يعملون بل لايؤمنون بمبادئ الديمقراطية، وليست لديهم نظرة
إستراتيجية بعيدة المدى، يمكنهم من خلالها رسم الخطط السليمة ووضع البرامج
الناجحة، التي تمكنهم من تقديم أفضل الخدمات لشعوبهم
على إختلاف طوائفهم وقومياتهم، والمحافظة على وحدتهم وتماسكهم، والتي هي بالنتيجة
خدمة للوطن وعاملا رئيسيا في الإبقاء على وحدته وسيادته. بل على العكس ولأن
تفكيرهم لا يتعدى مقدمة أنوفهم، بالرغم من أنها قد تكون طويلة أحيانا، نراهم
يرتكبون الكثير من الحماقات التي تسئ الى شعوبهم وتضر بمصلحة أوطانهم، لأن مثل هذه الأمور والمبادئ الوطنية
لا تعني شيئا بالنسبة اليهم، ولا تشغل حيزا من تفكيرهم. فكل ما يفكرون به ويخططون
له
هو العمل بكل الطرق والوسائل الشرعية وغير الشرعية على إيجاد السبل الكفيلة
التي تضمن لهم البقاء أطول فترة ممكنة في سدة الحكم، وممارسة السلطة والإستفادة من
مكاسبها، لكن أقنعتهم الزائفة لا بد أن تتساقط عن وجوههم الكالحة المريضة، لتنكشف
على حقيقتها، وتكشف معها الكثير من الأسرار والخفايا التي غابت عن الجماهير أو
خدعوا بها،
عندها تتحول جذريا نوعية العلاقة بين السلطة والشعب، من حالة التأييد
المطلق الى حالة الرفض المطلق، فتبدأ مرحلة جديدة من الصراع بين الطرفين، الشعب
يحاول تصحيح خطأه بمحاولة إزاحة هذه الطغمة أو الطاغية عن سدة الحكم، منتهجا كل
أساليب المعارضة السياسية والديمقراطية بداية، ثم التظاهرات السلمية والعصيان
المدني، وأخيرا الإنتقال تدريجيا الى مرحلة المواجهة والمقاومة المسلحة، كما حدث
في العراق وليبيا وإلى حد ما في اليمن، والآن في سوريا.
لقد أدركت الشعوب العربية خطأها وإن بعد حين، وأدركت
أيضا فضاعة الدكتاتوريات وزيف شعاراتها الكاذبة، وإنه قد آن الأوان للقضاء عليها،
فمارست كل الخيارات المتاحة أمامها داخليا وخارجيا لإزاحة هؤلاء الطغاة، وبدأ
مرحلة جديدة من حكم الشعب الذي يتسم بالحرية والديمقراطية والحياة الكريمة، فنجح
الشعب العراقي في إزاحة صدام حسين كبير
طغاة العصر الحديث، والذي فتح الطريق أما الشعوب الأخرى للثورة على طغاتهم الذين
بدأوا يتساقطون كأوراق الخريف، إبتداءا من الرئيس التونسي زين العابدين بن علي، ثم
المصري حسني مبارك والقذافي وعلي عبدالله صالح وقريبا جدا سنشاهد نهاية بشار
المجرم وآخرون على الطريق، منهم من سقط ومنهم من ينتظر.
لا أعلم كيف يفكر هذا الأسد الصغير، بل أشك بأن عقله
لا زال قادرا على التفكير، وإلى متى يستطيع أن يحكم بالحديد والنار، بعد أن أثبت
بالفعل وبالملموس، بأنه واحد من أكثر الطغاة الذين لطخت أيديهم بدماء شعوبهم ،
فمنذ أكثر من ستة أشهر وهو ونظامه القبيح وشبيحته الضالعة في الإجرام، يمارسون كل
أنواع القتل والتعذيب والتدمير ضد شعبهم وبلدهمفي حالة أقرب ما تكون إلى حملات
الإبادة الجماعية، مستخدمين كل أنواع الأسلحة الخفيفة والثقيلة، من دبابات وصواريخ
ومدفعية وقناصة، لقتل المتظاهرين الأبرياء العزل من الرجال والنساء والأطفال، دون
أي رادع من ضمير أو إحساس بالذنب أو المسؤولية، هؤلاء المتظاهرين الذين كل ذنبهم
هو معارضتهم السلمية للنظام، وهم يواجهون عنجهيته وآلته العسكرية المدمرة بصدور
عارية إلا من الإيمان بالله وبقضيتهم، وبحتمية زوال هذا الدكتاتور المجرم الطاغية
ونظامه العفن، الذي يتشبث بالسلطة بأنيابه وأضافره، وكأنها ملك وميراث إنتقل إليه
من أجداده، وعليه أن يورثها لأبناءه.
لقد أثبت الشعب السوري للعالم عمق
إيمانه بقضيته، وإستعداده الكبير والدائم للتضحية بالروح من أجل حريته وكرامته،
وها هو يقدم كل يوم العشرات من الشهداء على مذبح حريته بفرح وبزغاريد، وكأنهم
يزفون إلى عرس جماعي فريد، هو عرس حريتهم ووطنهم، يحدث هذا أمام أنظار العالم كله
والذي يقف متفرجا وعاجزا عن تحريك ساكن أمام هذه المأساة الإنسانية الدامية
المستمرة، دون أي تدخل فعال سوى
الإدانة والإستنكار.
تحية للشعب السوري البطل الذي لم ولن يركع أو يستسلم،
والذي سيواصل مسيرته الثوريه التي بدأت دائرتها تكبر وتتسع، لتضيق الخناق على بشار
وزمرته، الذين لم يبق أمامهم الكثير من الوقت لكي تكتسحهم جحافل الثوار، وترمي بهم
إلى مزابل التأريخ، فمصيرهم بات محتوما، وحبل المشنقة بدأ يقترب من رقابهم، لن
ينفعهم الدعم الإيراني ولا الفيتو الروسي أوالصيني، والسقوط أصبح أمرا حتميا، إنه
مجرد مسألة وقت، لأن الشعب السوري قد قال كلمته ولن يتراجع، ولن يتوقف إلى أن يحقق
النصر بالقضاء على آخر الجرذان القذرة، لينال جزاءه العادل عن كل جرائمه ووحشيته،
على يد شعبه الذي سوف لن يرحمه، ويبشره بمصير أسوأ بكثير مما آل إليه مصير الطغاة
الذين سبقوه من أمثال صدام والقذافي، لأنه الأكثر دموية ورعونة وفتكا بشعبه الذي
أراد الحياة وأقدم عليها بإصرار، ولا بد أن يستجيب له القدر.
محمد شمس الدين بريفكاني
المانيـــــــا
yusufgerman@yahoo.com